هل "أنجبت" حبوب منع الحمل ثورة اقتصادية؟

يتفق الجميع أن لحبوب منع الحمل تبعات اجتماعية عديدة، لكنها لم تحدث ثورة اجتماعية فحسب، بل أحدثت ثورة اقتصادية أيضا - وربما كان ذلك أهم تغير اقتصادي في أواخر القرن العشرين.

اربيل (كوردستان24)- يتفق الجميع أن لحبوب منع الحمل تبعات اجتماعية عديدة، لكنها لم تحدث ثورة اجتماعية فحسب، بل أحدثت ثورة اقتصادية أيضا - وربما كان ذلك أهم تغير اقتصادي في أواخر القرن العشرين.

واثبتت الحبوب المانعة فعاليتها، مقارنة مع كافة وسائل منع الحمل الأخرى حتى البديل الحديث لحبوب منع الحمل - الواقي الذكري - لا ينجح بالقدر المنشود.

واستخدام الواقي الذكري يتطلب الحديث مع الشريك، في حين توجد بعض الصعوبة في العازل الأنثوي والإسفنج. لكن قرار استخدام حبوب منع الحمل ينبع من المرأة نفسها، علاوة على أنه يتسم بالخصوصية. لذا، لم يكن غريبا أن تفضل النساء تلك الحبوب.

واعتمدت حبوب منع الحمل لأول مرة في الولايات المتحدة في عام 1960. وفي غضون خمس سنوات فقط، كان ما يقرب من نصف النساء المتزوجات الراغبات في تحديد النسل يستخدمونها.

لكن الثورة الحقيقية حدثت عندما بات بإمكان النساء غير المتزوجات استخدام حبوب منع الحمل. وقد استغرق ذلك بعض الوقت. وفي عام 1970 تقريبا، أي بعد عشر سنوات من الموافقة على حبوب منع الحمل لأول مرة، بدأت ولاية أمريكية تلو الأخرى تسهل عملية حصول النساء العازبات على حبوب منع الحمل.

وعندئذ بدأت الثورة الاقتصادية حقا، حيث بدأت النساء في الولايات المتحدة الدخول في مجالات دراسية مثل القانون والطب وطب الأسنان وإدارة الأعمال بعدما كانت في السابق حكرا على الذكور بدرجة كبيرة.

وارتفعت نسبة الطالبات اللاتي يدرسن تخصصات مثل الطب والقانون بشكل كبير، وبالتالي ارتفعت نسبة النساء في تلك المهن بعد وقت قصير.

لكن ما علاقة ذلك بحبوب منع الحمل؟ لقد سمحت تلك الحبوب للنساء بالتحكم في خصوبتهن، وهو ما مكنهن من التركيز على حياتهن المهنية، فقبل استخدام حبوب منع الحمل، لم يكن قضاء خمس سنوات أو أكثر للتخرج من كلية الطب أو الحقوق خيارا جيدا من حيث الوقت أو المال. ولكي تجني فوائد تلك التخصصات، كانت المرأة تحتاج إلى تأجيل الإنجاب حتى تصل لسن الثلاثين على الأقل.

وكان إنجاب طفل في وقت خاطئ يهدد بعرقلة دراسة الأم أو تأخير تقدمها المهني.

وكانت المرأة النشطة جنسيا التي تحاول أن تصبح طبيبة أو طبيبة أسنان أو محامية تشبه من يبني مصنعا في منطقة زلازل: فقليلا من الحظ السيء قد ينهي استثمارا باهظا.

ويمكن للمرأة ببساطة أن تمتنع عن ممارسة الجنس إذا أرادت الدراسة من أجل حياتها المهنية، لكن الكثيرات لا يرغبن في ذلك.

ولم يكن الأمر يتعلق بالمتعة فقط، لكنه كان يتعلق بالزواج. فقبل حبوب منع الحمل، كان الناس يتزوجون في سن أصغر. وكانت المرأة التي تقرر الامتناع عن ممارسة الجنس للتركيز على حياتها المهنية تعثر على زوج وهي في سن الثلاثين، وهو ما كان يعني أن الرجال المناسبين كانوا قد تزوجوا بالفعل.

لكن حبوب منع الحمل غيرت كل ذلك، فبات بإمكان المرأة غير المتزوجة أن تمارس الجنس في ظل احتمالات أقل بكثير للحمل غير المرغوب فيه، كما غيرت الحبوب نمط الزواج كله، فبدأ الجميع يتزوج في سن متأخرة، حتى النساء اللائي لا يستخدمن حبوب منع الحمل.

وتأخر إنجاب الأطفال، وبات الإنجاب يحدث في الوقت الذي تختاره المرأة. وهذا يعني أن المرأة أصبح لديها الوقت الكافي للاهتمام بحياتها المهنية.

وراقب غولدن وكاتز وهما اقتصاديان بجامعة هارفارد مدى توافر حبوب منع الحمل للشابات في الولايات المتحدة، ولاية تلو الأخرى. وأظهرا أنه كلما أتاحت الولاية إمكانية أكبر للحصول على وسائل منع الحمل، كلما زاد معدل الالتحاق بالدورات المهنية، وارتفعت أجور المرأة.

وقبل بضع سنوات، استخدمت آماليا ميلر، وهي خبيرة اقتصادية، مجموعة متنوعة من الأساليب الإحصائية الذكية لإثبات أنه إذا تمكنت امرأة في العشرينات من عمرها أن تؤخر الإنجاب لمدة سنة واحدة، فإن أرباحها مدى الحياة سترتفع بنسبة 10 في المئة.

وكان ذلك مقياسا للمميزات الكثيرة التي ستجنيها المرأة في حال إكمال دراستها وتأمين مسيرتها المهنية قبل إنجاب الأطفال بحسب بي بي سي.

وعندما أصبحت حبوب منع الحمل متاحة، تقدمت الشابات لدورات مهنية طويلة بأعداد لا يمكن تخيلها ويمكن للمرأة الأمريكية اليوم أن تنظر عبر المحيط الهادئ من أجل رؤية الواقع البديل.

ففي اليابان، التي تعد واحدة من المجتمعات الأكثر تقدما من الناحية التكنولوجية في العالم، لم يُوافق على استخدام حبوب منع الحمل إلا عام 1999. وكان على اليابانيات أن ينتظرن 39 عاما أكثر من نظرائهن الأمريكيين لاستخدام نفس وسائل منع الحمل.

وفي المقابل، عندما جرى الموافقة على المنشطات الجنسية، مثل الفياغرا، لتعزيز الانتصاب في الولايات المتحدة، وافقت اليابان على استخدامها في غضون أشهر قليلة.

ومن المسلم به على نطاق واسع أن عدم المساواة بين الجنسين في اليابان أسوأ من أي مكان آخر في العالم المتقدم، إذ لا تزال النساء يناضلن من أجل الاعتراف بهن في مكان العمل بحسب ماذكرت بي بي سي.

ومن المستحيل فصل السبب عن النتيجة هنا، لكن التجربة في الولايات المتحدة تشير إلى أن ما حدث لم يكن من قبيل الصدفة، فتأخير استخدام حبوب منع الحمل على مدى جيلين، سيكون له تأثير اقتصادي هائل على المرأة.

ولا تزال هذه الحبوب الصغيرة تغير شكل الاقتصاد العالمي.

ت: س أ