نعش مام جلال طالباني

Kurd24

الزعيم الكردي ومؤسس حزب "الاتحاد الوطني الكردستاني"، والرئيس العراقي السابق، مام جلال طالباني، بقدر ما كانت حياته السياسيّة والنضاليّة فريدة وإشكاليّة وتثير الكثير من التساؤلات، أكثر من تقديمها الأجوبة، كذلك وفاته ومراسيم تشييع جثمانه ايضاً أثارت جدلاً، وكشفت النقاب عن المزيد من عري الحكومة الإيرانيّة - "العراقيّة" في بغداد، وتهافت وهشاشة نخبها الطائفيّة المستفيدة منها. حادثة التشييع تلك، أكدت وبما لم يدع مجالاً للشكّ، أن وسطيّة مام جلال في تعامله مع بغداد والتحالف الشيعي، (في سياق تحالف "الاتحاد الوطني" مع طهران)، لم تكن في محلّها. أو لنقل: ذلك "التحالف الشيعي" لم يكن يستحق مطلقاً تلك الوسطيّة وذلك الاعتدال الذي كان ديدن ودستور مام جلال طالباني في تعامله معهم، كذلك كان ديدن ودستور رئيس إقليم كردستان العراق أيضاً، حتى قبل 25 أيلول الماضي!. والرئيس العراقي الحالي، فؤاد معصوم، يرى ما جرى ويجري، وما تعرّضت له عائلة طالباني وعقيلته من إهانة وتخوين، من حكّام العراق الجدد، حتّى قبل أن يجفّ كفن مام جلال!. وعليه، ربما يكون معصوم هو اللاحق، بعد عمرٍ طويل، وسيلحق أسرته ما لحق أسرة مام جلال، من تطاول وإهانة وتخوين على ألسنة هؤلاء الجلاوزة الطائفيين.

زعيم كردي وعراقي وشرق أوسطي كبير، بقامة مام جلال، من قاطع مراسيم جنازته فقد أهان نفسه، ومحال أن يهين الراحل مام بهذه المقاطعة. وفي هذا المقام المهين للذات، يقف العبادي وحشده، وأردوغان ورهطه، عبر مقاطعتهم مراسيم التشييع. تلك المقاطعة، لم تكن حبّاً في العراق وسيادته وعلمه، وصوناً لكرامته ووحدة أراضيه، بل إمعاناً في "السفالة السياسيّة" إنْ جاز التعبير. ذلك أن مام جلال كان على مدى سنوات، رئيساً للعبادي والمالكي والجعفري والأعرجي والخزعلي والعامري، واليعقوبي، والمدرّسي، والسيستاني، والصدر والحكيم...الخ. وكان ضيفاً على أردوغان ودولته وحكومته. وفي مقام الموت والتشييع، من المفترض أن تتراجع الحزازات والخلافات السياسيّة جانباً. إلاّ أن هؤلاء (العراقيين) "الجياع سابقاً، وأصحاب البطون الشبعانة والبطرانة حاليّاً، الذين أكلوا من خبز كردستان وشربوا من مائها" على حد وصف كاك مسعود لهم، وكان محقّاً ودقيقاً في هذا التوصيف القيمي والأخلاقي والسياسي، هؤلاء أبوا إلاّ أن يرجّحوا كفّة الخلافات، متدثّرين بلبوس الوطنيّة وعلم العراق... إلى آخر ذلك الكلام الممجوج والفارغ الذي يمكنهم به الضحك على عقول البسطاء من العراقيين؛ شيعةً وسنّة. وفي موقفهم الخسيس وتطاولهم على عقيلة مام جلال، أعادوا التأكيد على أن يوم 25 أيلول كان يوم حقّ قومي كردي، في مواجهة "الباطل" الوطني العراقي الذي يتغنون به ويستثمرونه لصالح إيران والطائفيّة، وليس لصالح العراق والعيش المشترك!. لقد كان الـ 25 من أيلول يوم إرادة كردستانيّة سياسيّة قوميّة وإنسانيّة، أرادوا لها الكسر وقصم الظهر، ولكن شعب كردستان، ردّ كيدهم إلى وجوههم وعقولهم وألسنتهم، وقال: نعم للاستقلال. وبناءاً على الشيء، سيأتي مقتضاه.

جثمان مام جلال الذي دفن، دفنَ معه الاعتدال والوسطيّة والتوافقيّة الوطنيّة مع ضباع السياسة الطائفيّة وذئابها في العراق. وأكّدت مراسيم التشييع حقيقةً، من المفترض أن يعيها ويدركها كل قيادات "الاتحاد الوطني الكردستاني"، ومن سيخلف مام جلال في زعامة الحزب؛ أن الكرم والاخلاق الوطنيّة السمحاء والاعتدال، في غير أهله، لا يؤسس إلاّ للمزيد من التلف السياسي، والإبقاء على القنابل الموقوتة بين بغداد وهولير.

على امتداد عقود، وبخاصّة بعد 2003، فعل كرد العراق، أكثر بكثير من لفّ الجثمان بالعلم العراقي، ولم تستحِ وتخجل وجوه قادة بغداد الجدد، ولم تهتز ضمائرهم، ولم تتغيّر عقولهم حيال حق الكرد في تقرير مصيرهم. الكرد في العراق ليسوا متهمين وطنيّاً لهذه الدرجة حتى يدافعوا عن أنفسهم بلفّ العلم على جثمان مام جلال. بل حكّام بغداد الجدد (شيعة وسنّة)، متلبّسين بالجرم المشهود، بتسليم العراق إلى إيران. وكل الوقائع والمعطيات لا تتهمهم وحسب وبل تدينهم أيضاً. وهذا ما دفع فنان تشكيلي عراقي، مقيم في إحدى العواصم الأوروبيّة إلى الكتابة على صفحته الخاصّة قبل يوم 25 أيلول؛ أنه "يريد الاستفتاء على حق الشعب العراقي في تقرير مصيره والانفصال عن إيران".

والحال هذه، من غير المفهوم والمبرر إطلاق بعض قيادات "الاتحاد الوطني" تصريحات تشي بالندم على المشاركة في الاستفتاء، ومحاولة إثبات الولاء لبغداد وطهران. ذلك أن تصريحات من هذه الطينة، تعطي حكّام بغداد (أزلام قاسم سليماني) شرعيّة التطاول على "الاتحاد" وعلى القياديّة فيه هيروخان ابراهيم احمد، وعلى عائلة طالباني. أصلاً، كان على ملا بختيار وآلاء طالباني المطالبة بمحاكمة كل من تطاول على عائلة مام جلال وأهان عقيلته. واعتقد أن المهادنة والإذعان ومحاولة إرضاء بغداد التي يميل لها بعض قيادات "الاتحاد" لا يمكن توصيفه على أنه "دعوة للتهدئة". كما ان المطالبة بمحاكمة من أهان هيروخان وأسرة مام جلال ليست مطلقاً "دعوة للتصعيد".

اعتقد أنه مهما كانت درجة الخلاف والاختلاف بين "الاتحاد الوطني" و"كوران" و"جماعة" علي بابير، مع مسعود بارزاني وحزبه وتوجّهه، يجب أن يكون هنالك خطوط حمراء لدى معارضي الاستفتاء في تعاملهم مع بغداد. بمعنى آخر، ألا يدفعهم الخلاف مع "الديمقراطي الكردستاني" إلى إلارتماء في حضن بغداد وطهران، والرهان على قاسم سليماني والتعويل على الحشد الطائفي في بناء عراق ديمقراطي علماني فيدرالي معافى. يجب أن يكون هنالك خط أحمر لدى المعارضة الكرديّة بحيث تعتبر كرامة السلطة من كرامتها. السلطة الحاكمة في كردستان، حتى ولو كانت سلطة حزب أو عائلة أو عشيرة، كما تقول المعارضة، فكرامة هذه السلطة من المفترض أن تكون من كرامة المعارضة. ويمكن الاختلاف مع السلطة على كل شيء أو أي شيء، باستثناء الاتفاق مع ازلام قاسم سليماني على هدر كرامة مسعود بارزاني وكرامة هيرو خان أحمد أو كرامة مام جلال، وكرامة حكومة كردستان العراق، وكرامة كل الذين قالوا: نعم، في يوم 25 أيلول 2017.

ولئن الشيء بالشيء يُذكر، كرديّاً أيضاً، ثمّة ظاهرة سلبيّة رافقت حالة الحزن والحداد على رحيل مام جلال، واستمرّت هذه الظاهرة أثناء مراسيم تشييع جثمانه أيضاً، مفادها: سماح بعض الساسة والمثقفين والكتّاب...، الكرد والعرب لأنفسهم التعامل مع وفاة بعض القادة والشخصيات العامّة، واتخاذها مناسبة "للفشخرة" (كما يقول الاخوة المصريون)، بحيث ينشرون صورهم مع هؤلاء الراحلين على مواقع التواصل الاجتماعي ويسردون ذكرياتهم "العظيمة" ما هذه الشخصيّات؟!. لكأنّ هؤلاء يريدون أن يموت أحد الشخصيات العامّة او المشهورين، حتى ينشروا صورهم معه، ويبدأوا بتدبيج الذكريات و"البروظات" التي ظاهرها الحزن والأسى، وجوهرها وباطنها الفاضح، او المفصح عن نفسه، هو "الفشخرة" و"البروظة". وحادثة وفاة مام جلال، كانت خير مثال على ذلك. إذ لم يبقَ شخص إلاّ ونحى هذا المنحى المتهافت. وكأنّ كل من التقى بمام جلال او كاك مسعود أو أوجلان أو شيخ معشوق أو مشعل التمو...، هم أنداد لهم، أو ما يقارب أو يشابه ذلك!؟.

شخصيّاً، ليس في حوزتي من ((ذكريات)) مع مام جلال سوى بعض المقالات النقدية الحادة، له ولحزبه، نشرتها صحف ومواقع الكترونية عربية وكردية. وكان يصلني أن حزبه ينزعج من تلك المقالات. والحمد لله أنه لم يجمعني به أيّة مناسبة عامّة أو خاصّة، حتى استثمرها لـ"الفشخرة"!. ذلك أنه لا تستهويني طريقة جهاد الخازن ومحمد حسنين هيكل في الحديث عن القادة والزعماء والشخصيات الهامّة...، بعد موتهم. إذ اعتبرها طريقة لتسويق الذات، عبر استثمار مناسبة لا تستحق هذا المقام الهابط من التعامل معها. ويبقى القول: إنه لكل امرئ طرائقه في هذه الحياة. وهي تتسع للجميع.

 

ملاحظة: هذه المقالة تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تتبناها كوردستان24 بأي شكل من الأشكال.