خيارات أمريكا لإنهاء الهيمنة الإيرانية على العراق

Kurd24

إذا كانت إيران ترى في ملفها النووي ركيزة من ركائز أمنها الوطني، فهي ترى في استمرار سيطرتها على مراكز نفوذها في المنطقة والحفاظ على اذرعها المسلحة فيها ركيزة أساسية لهذا الأمن لا يمكن الإفراط بها بأي حال من الاحوال، خاصة استحواذها الكامل على العراق وتبنيها لمليشيات الحشد الشعبي التي تعتبرها الدرع الذي يمكن له ان يتلقف الضربات نيابة عنها ويتصدى لتهديدات مستقبلية قد تطالها من دول المنطقة او من المجتمع الدولي. من جهة أخرى.. يبدو أن إدارة ترامب الأمريكية عازمة وبقوة على الوقوف بوجه الطموح الإيراني في المنطقة وإضعاف سيطرتها خاصة على العراق.

فقد حاولت أمريكا منذ الأيام الأولى لإدارة ترامب التنسيق مع حلفائها في المنطقة لتحقيق هذا التوجه فحرصت (كخطوة أولى) على ان تفتح الدول العربية قنوات اتصال جديدة مع العراق في محاولة جذبها للمحيط العربي بعد أن بقيت سنوات بعيدة عن هذا المحيط، كللت في الآونة الأخيرة بزيارات قام بها بعض المسئولين العرب (والخليجين منهم خاصة) إلى بغداد تباحثوا مع مسؤوليها كيفية تطبيع العلاقات معها. والخطوة الأمريكية الثانية في هذا الصدد هو محاولة استقطاب حيدر العبادي وإظهاره بمظهر السياسي القوي الذي يمكن لأمريكا الاعتماد عليه في رسالة واضحة إلى الطرف الإيراني وحلفاءها داخل العراق , تمثل ذلك في حفاوة الاستقبال الذي حظي به العبادي في واشنطن او في التصريحات التي أدلى بها هناك خاصة حول موقفه من مليشيات الحشد الشعبي.

لا شك أن إيران تمكنت من السيطرة على العراق بشكل كامل بعد الانسحاب الأمريكي منه في الـ2011، من خلال التنسيق العالي بينها وبين الحكومة العراقية برئاسة نوري المالكي وبمباركة من التحالف الوطني الشيعي. وتم بعد ذلك تحييد القوة السياسية للمكونين السني والكوردي في الحكومة ليصبحا بدون تاثير في العملية السياسية , وكذلك انهاء تمثيلهما في مؤسستي الجيش والداخلية العراقيتين، وعززت إيران هذه السيطرة بتشكيل مليشيات الحشد الشعبي وفرضها على المؤسسة العسكرية والامنية العراقية. لذلك فان عراق اليوم يختلف عن عراق الأمس ابان الانسحاب الأمريكي منه، فهو اليوم مقاطعة ايرانية بكل ما في الكلمة من معنى، وليس من السهل إرخاء القبضة الإيرانية عليه من خلال  الرهان على العبادي او على محاولات كسب العراق للمحيط العربي.

 فرغم حاجة العبادي الى الدعم الامريكي للوقوف بوجه منافسيه المقربين لإيران، فهذا لا يعني وصول هذه التفاهمات لدرجة التنسيق حول الحد من التدخلات الإيرانية في العراق،  ولا يمكن للحكومة العراقية ذات الأغلبية الشيعية أن تختار التقارب مع المحيط العربي على حساب علاقاتها الإستراتيجية مع إيران وذلك لأسباب كثيرة منها:-

- التركيبة الفكرية السياسية للعبادي مبنية على خلفية إسلامية شيعية تؤمن بوحدة المصير الشيعي وتعطي للمذهب اولوية على حساب المفاهيم السياسية الأخرى سواء كان الوطن او القومية. ولذلك فاختلافه مع ايران في بعض التوجهات السياسية لها لا يعني استعداده  (للتأمر) عليها بالتناغم مع أمريكا وتوجهاتها، وهذا الكلام يسري على جميع ساسة الأحزاب الشيعية في العراق وليس العبادي وحسب.

- وجود العبادي ضمن حزب الدعوة ذي العلاقة التاريخية الوطيدة مع إيران تقيد أي تحرك مضاد لها من خلال حزبه حتى وان كان على مديات ضيقة.

- التحالف الوطني الشيعي الذي يعتبر تجمعا يضم الأحزاب التابعة لإيران يستطيع وبسهولة إقصاء العبادي عن منصب رئاسة الوزراء وسحب ترشيحه له حال تجاوزه الخطوط الحمراء في التعامل مع إيران. وما يؤكد توجهات التحالف الوطني هذه هي الهجمة القوية التي يتعرض لها العبادي بعد عودته من زيارة واشنطن وعلى يد ساسة وبرلمانيين ينتمون لاحزاب تنضوي تحت مسمى التحالف الوطني هذا.

- الشارع الشيعي الذي يعتبر اي تحرك ضد ايران من قبل العبادي هي خيانة للمذهب، مما يمثل انتحارا سياسيا له خاصة والعراق على أعتاب انتخابات جديدة.

لذلك فان رهان أمريكا على العبادي وعلى محاولات جذب العراق للمحيط العربي هي رهانات خاسرة محكوم عليها بالفشل، وإذا أرادت إدارة ترامب التأثير بشكل جاد على الوضع الإيراني في العراق وخلخلته فعليها التحرك  وفق النقاط التالية:-

- إضعاف دور التحالف الوطني الشيعي كتركيبة سياسية ضامنة للتوجهات الإيرانية في العراق، لان وجود هذا التركيب السياسي بهذه الصيغة يسهل على إيران تمرير مشاريعها السياسية والعسكرية من خلال الاغلبية التي تشكلها احزاب هذا التحالف في البرلمان والحكومة العراقية والتي يمكن لها تمرير اي قانون او قرار تفرضها عليها ايران.

- تفعيل بنود الدستور التي تحضر تشكيل احزاب تتبنى افكارا دينية متطرفة، واسقاط هذه البنود على اكثرية الاحزاب الشيعية والسنية التي تتبنى التوجهات الدينية المتطرفة في طرحها السياسي، فاغلب الاحزاب الشيعية المشاركة اليوم في العملية السياسية هي احزاب تتبنى توجهات دينية مذهبية متطرفة وهي وان لم تصرح بتطرفها فان مجرد وجودها في العملية السياسية يدفع الطرف الاخر الى التطرف، ويقوض محاولات القضاء على الارهاب.

- العمل على انهاء وجود مليشيات الحشد الشعبي خاصة تلك التابعة لايران، بفضح الممارسات التي ارتكبتها ولازالت ترتكبها ضد المدنيين بحجة الحرب على داعش، والتي تساعد على وضعها ضمن قوائم التنظيمات والمجاميع الارهابية، مما يحبط محاولات ضم هذه المليشيات الى المؤسسة العسكرية وفق قانون الحشد الذي مرر في البرلمان قبل فترة.

- اتهام اي جهة سياسية عراقية تدافع عن الحشد بالإرهاب أو دعم الإرهاب من خلال منع إنهاء ظاهرة هذه المليشيات.

- العمل على تفكيك مليشيات الحشد الشعبي غير التابعة لإيران، او تحديد أماكن تواجدها في المناطق الشيعية جنوب العاصمة بغداد. بالمقابل العمل على تشكيل مليشيات في المناطق السنية تكون بمستوى كفاءة وتسليح المليشيات الشيعية آنفة الذكر لتحييد مخاطرها على تلك المناطق مستقبلا.

- العمل على إعادة التمثيل المكوناتي في الجيش العراقي حسب النسب السكانية لها، وعدم اقتصاره على  العناصر الشيعية التابعة لأحزاب التحالف الوطني، وبذلك ترخى قبضة إيران على المؤسسة العسكرية العراقية بشكل كبير.

  • اعادة اعمار كل مناطق العراق وليس فقط تلك التي دمرها القتال مع داعش، واقامة مشاريع استثمارية فيها برؤوس اموال عربية وغربية لإضعاف الهيمنة الاقتصادية الإيرانية على العراق.

هذه المقالة تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تتبناها كوردستان24 بأي شكل من الأشكال.