الأنفال وحقوق الإنسان الكوردستاني

Kurd24

ايام معدودة مضت على الذكرى (31) لعمليات الانفال السيئة الصيت في 23/2/1988 التي اعلنها النظام العراقي ضد الشعب الكوردستاني ليصب جلّ حقده وكراهيته ويستغل الفرصة بنهاية حربه مع ايران، ليبدأ بعملية عسكرية تهدف الى مسح الشعب الكوردي من الوجود وانهاء قضيته العادلة ويزيل الهوية القومية لهم.

إن الانفال كانت عملية متكاملة وممنهجة اعدت لها كل الخطط والمستلزمات وشاركت فيها جميع المؤسسات الحزبية والحكومية والامنية والعسكرية، وعلى الرغم من جذورها العميقة باعتبار ان جميع الانظمة الحاكمة في العراق ومنذ تأسيس الدولة عام 1921 كانت تحاول القضاء على الهوية القومية الكوردية باختلاف وسائلها ودرجة قوتها وحدتها ومشاركة الدوائر فيها، وكانت ذروة هذا المخطط في عمليات الانفال وان الترجمة العملية لها بدأت عندما قررت قيادة مجلس قيادة الثورة بقرارها المرقم (160) في 29/3/1987 وبتوقيع رئيسها (صدام حسين) تنصيب (علي حسن المجيد) المعروف بـ(علي كيمياوي) مسؤولاً لمكتب تنظيم الشمال وممثلاً ومنفذاً لسياساتها بصلاحيات واسعة، وفي سبيل انجاح مهمته وتسهيلها ارتبطت به جميع الاجهزة والمؤسسات الحكومية والحزبية والقطاعات العسكرية والدوائر الامنية وعليهم تنفيذ اوامره والتقيد بتعليماته، وبموجبها تم ايقاف العمل بجميع القوانين التي تعارض تنفيذ هذا القرار، وهذا يمثل خرقاً قانونياً فاحشاً فلا يمكن ايقاف قانون بقرار لأنه الاسمى منه، وهذا يدل على ان القوانين والقرارات شرعت من اجل حماية السلطة السياسية في العراق وفرض هيبتها ودحر المعارضين والاصوات المناوئة لها، وفي سبيل تنفيذ السياسة الملقاة على كاهله اصدر (علي حسن المجيد) (علي الكيمياوي) مجموعة كبيرة من القرارات ولكننا نكتفى بالإشارة الى اثنين منها والتي نعتقد بأنهما الاساس وخارطة الطريق لجميع مراحل عمليات الانفال الثمانية.

القرار الاول ذات الرقم (3650 في 20/6/1987) الموجه الى قيادات الفيالق (1-2-5) وقيادات الفروع الحزبية ومديريات الامن والمخابرات والاستخبارات العسكرية وبموجبها اعتبر جميع المناطق التي كانت خاضعة لقوات البيشمركة مناطق محذورة امنياً أي مناطق الحركات الفعلية ويمنع وصول المواد الغذائية والاليات اليها، ووجه الاجهزة والدوائر المختصة باتخاذ ما يلزم لتنفيذ ذلك، وبذلك تم تقسيم المنطقة الى شقين وطرفين مختلفين في التعامل وهذا يمثل فرض حصار اقتصادي فريد من نوعه لنظام سياسي ضد شعبه وكذلك محاولة التمزيق للنسيج الاجتماعي والعلاقات المتينة التي كانت تتحلى بها المجتمع الكوردستاني، وصورة من ارهاب الدولة ونص فقرة اخرى منها على منع الزراعة وعدم الاستمرار فيها بعد حصاد الموسم الشتوي ويحرم تربية المواشي وطلب القرار من المواطنين الاتصال بأقاربهم بضرورة ترك قراهم ومناطق سكناهم وضرورة العودة الى الصف الوطني بعد موافقة الاجهزة الامنية خلال فترة لا تتجاوز عشرين يوماً وبعدها سيكون كلمة الفصل للقوات العسكرية.

اما القرار الثاني ذات الرقم (4008 في 20/6/1987) أي بعد انتهاء المهلة المقررة فقد نص على الاجراءات التي من شأنها ان تتخذها الجهات المعنية في المناطق المحذورة امنياً  فجاء فيه أن من يعيش في هذه المناطق هم من الخونة والمخربين وعملاء لإيران فأنها لا تخرج من اتهامات باطلة لفسح المجال امامهم لضربهم وقتلهم , وهذا يعد خرقاً قانونياً اتهام الغير دون دلائل بجريمة كبيرة في حين انهم كانوا مجموعة من الابرياء يبحثون عن لقمة العيش ويدافعون عن حقوقهم المشروعة، وفي فقرة اخرى نص على حرمان ومنع التواجد البشري والحيواني في هذه المناطق، وهذا يعني مساواة الانسان الكوردستاني مع الحيوانات في نظر القيادة السياسية العراقية انذاك مع منح حق الرمي والقصف عليهم ويعد هذا ادنى درجات الانحطاط البشري والإنزال من قيمته، اما الفقرة الثالثة فقد نص على منع السفر من هذه المناطق واليها ومنع الاستثمار الزراعي والصناعي وتربية الحيوانات وهذا يتنافى مع ابسط مبادئ حقوق الانسان في حرية الانسان في التنقل والعمل دون الاضرار بغيره، ويمثل هذا فرض حصار اقتصادي واجتماعي بأبسط معانيه .

فقرة اخرى منحت القيادات العسكرية حق توجيه ضربات خاصة بالمدفعية والطائرات ضد التجمعات البشرية واستغلال تواجدهم بشكل مجموعات بهدف قتل اكبر عدد منهم وان تعبير الضربات الخاصة فسحت المجال امامهم لاستخدام الاسلحة الكيمياوية المحرمة دولياً وفي كل الاوقات ليلاً ونهاراً، وفعلاً تم استخدام هذه الاسلحة خلال عمليات الانفال في عدد من القرى مما اسفر عن استشهاد وجرح العديد من المواطنين، ومن جانب اخر ،وفي احدى فقراتها نص القرار على ان من يلقي القبض عليه من السن (15) الى السن السبعين ينفذ حكم الاعدام بهم بعد التحقيق معهم من قبل الاجهزة الامنية والاستفادة من معلوماتهم، وهذا يعد خرقاً فاضحاً لكل القوانين وكسر لهيبة المحاكم وقدسيتها، فالإعدام يعد اقسى العقوبات وأشدها وتنفذ دون محاكمة ولو صورية ضد المدنيين جريمتهم لا تخرج من وجودهم ضمن منطقة معينة كل همهم العيش بسلامة وأمان.

واستنادا الى هذه القرارات بدأت القوات العسكرية تحشداتها وفق خطة ومنهج شامل وعلى مراحل ثمانية بدأت من منطقة كرميان لتنتهي بمنطقة بهدينان في 6/9/1988 حيث تم تدمير آلاف القرى والمساجد والمدارس ودور العبادة وطمرت الينابيع وحتى الحيوانات والمواشي لم تسلم من قسوتهم وجبروتهم، اما المواطنين فقد تم نقلهم الى المناطق الجنوبية ليتم دفنهم احياء وكل منهم يحمل بين جنباته قصص تراجيدية ومأساوية لا يمكن للانسان ان يتصورها تعرضوا له على ايدي الجلاودة لينتهي بهم المطاف الى المعسكرات القسرية والتي تفتقر الى ادنى مقومات الحياة .

إن النتيجة النهائية التي يمكننا ان نتوصل اليها ومن خلال قراءتنا لهذه الوثائق الثلاثة فقط، تدلنا بوضوح الى:

1- إن عمليات الانفال كانت عمليات شاملة تهدف الى النيل من وحدة المجتمع الكوردستاني وتفكيكه وتمزيق النسيج الاجتماعي له وتم فرض حصار اقتصادي وامني على المنطقة أي انها تدل على ان عمليات الانفال لم تكن عمليات عسكرية فحسب بل سبقها عمليات اخرى من النواحي المتعددة.

2- إن عمليات الانفال في الاصل كانت موجهة ضد الشعب الكوردستاني برمته ومن دلالة القول كان من ضحاياها الاخوة المسيحيين من الكلدان والاشوريين وغيرهم أي انها استهدف الانسان الكوردستاني دون تميز في الدين والجنس والقومية.

 

أصل المقال مقتبس من مشروع كتابنا (البعد الأمني في سياسة البارزاني)