أمريكستان

Kurd24

أمريكا، أو لنقل أمريكستان. دولة عظمى. في السياسة لا أمان لها، وفي الاقتصاد لا صديق لها سوى المال والمصالح؛ فبحسب المراقبين والمحلّلين فإنها تقوم ببيع تركيا – حليفتها الإستراتيجية – وعرضها في المزاد السياسي الذي يترأسه روسيا، خاصّة بعد الاتفاق على إقامة منطقة منزوعة السلاح في إدلب بين موسكو وأنقرة. أوشكت روسيا أن تضرب تركيا بعد أزمة إسقاط الطائرة الروسية، ولم تفعل لها أمريكا شيئاً، ما جعلت تركيا تستيقظ من هفوتها وغفوتها، وربّما المشاحنات في العلاقات الدبلوماسية بين أنقرة وواشنطن، هو للعمل على إنهاء حقبة الشراكة التركية – الأمريكية.

التعويل على أمريكا والثقة بها كمَن يطبخ لنفسه سمّاً قاتلاً، ويكتب مَنعى موته بيده، كانت هناك ثقة بالأمريكان في عهد "بيل كلينتون" و "جورج بوش"، لكن هذه الثقة زالت وتبخّرت، خاصّة في عهد "باراك أوباما" و "دونالد ترامب"، فكيف لنا أن نثق بأمريكا، التي كانت وما تزال تؤيّد الضربات التركية على مواقع حزب العمال الكوردستاني، الحزب الذي وضعه الأمريكان في لائحة التنظيمات الإرهابية بالأمس، واليوم تزوّد وحدات حماية الشعب في غربي كوردستان بمختلف أنواع العتاد والدعم المؤقت، وهي نفسها تعلم علم اليقين أن وحدات حماية الشعب في سوريا امتداد لحزب العمال الكوردستاني في تركيا؟

باعت أمريكا كركوك – وهي تعتبر إقليم كوردستان حليفها الأقوى في العراق – حيث تقدّم الحشد الشعبي الشيعي وبدبّابات "أبرامز" الأمريكية، لتترك لتلك الحشود لاحقاً مطار "كيوان" العسكري، إذاً فإنشاء قواعد أمريكية في إقليم كوردستان ليس لحمايته وجعله دولة معترف بها، فقبل يومين قصفت إيران اجتماعاً للحزب الديمقراطي الكوردستاني الإيراني المعارض، في بلدة "كويسنجق" في إقليم كوردستان، وكذلك القصف التركي المتكرّر بين الحين والأخر في شنكال وقنديل، فلم تفعل أمريكا إلا أن ندّدت ورفضت، رغم وجود الكثير من القواعد الأمريكية، فما الفائدة من هذه القواعد؟ وهل نتفاءل ونثق بها في غربي كوردستان؟ أم نقوّي أنفسنا بوحدتنا والمعرفة والعلم؟

يقول المثل الشعبي الكوردي: "استمعْ مرّتين، لأن لك أذنين، وتحدّث مرّة واحدة، لأن لك لسان واحد"، إلا أن هذا المثل، يعبّر بصورة جلية، عن حالة الكورد الراهنة؛ ففي المواضيع السياسية العريضة بعناوينها ومضامينها، لا يسمعون إلا مرّة واحدة، ويحدّثون ويهلهلون لآلاف المرّات وبعاطفة مفرطة، على كل حدث سياسي غامض غير ناضج، مردوده الفعلي الإيجابي على الكورد نادر وقليل، أو لنقل معدوم، فهل سألوا أنفسهم كم من مرّة خانت أمريكا كوردستان؟ كم من مرّة أطفئت نيران الثورات الكوردستانية؟ وما الذي يجبرها على مطالبتها في تأجيل الاستفتاء في إقليم كوردستان، باعتبار أن الاستفتاء حقّ مشروع لكل الشعوب المضّطهدة؟ وهل أجهزة الرادارات الأميركية، تستهدف الأمن القومي التركي، أم تهدّد مستقبل الكورد في المنطقة؟

خلال متابعتي للتصريحات الأمريكية، السياسية منها والإعلامية، بخصوص القضية الكوردية في غربي وجنوبي كوردستان، سواء التي توجّهها لداعمي المدرسة البارزانية أو أنصار الفلسفة الأوجلانية، فالمثير والعجيب في تلك التصريحات هو تفاؤل وتمسّك الشارع الكوردي بها – سياسيين ومثقفين ونشطاء اجتماعيين – معتقدين أنها ستخدم القضية الكوردية، وأن أمريكا تعتبر الكورد حلفاء استراتيجيين لها في منطقة الشرق الأوسط، متناسيين أن الحليف الإستراتيجي الوحيد لأمريكا هي المصالح والمال والنفط وبثّ الرعب والفوضى بين الشعوب، ولا شيء غيرها، وتهيئتها للأمن والاستقرار في أيّ بقعة جغرافية تتواجد فيها، ما هي إلا لحماية مصالحها، وليس لحماية الشعب القاطن في تلك الجغرافية!

إن آخر تلك الاعتقادات الكوردية، هي أن أجهزة الرادارات الأمريكية المتطوّرة في غربي كوردستان هي لفرض حظر برّي وجوّي عليها، لمنع تقدّم جيش النظام السوري والفصائل الإسلامية المدعومة من تركيا نحو مدن وبلدات شرقي الفرات، وعدم السماح لأيّ طائرة عسكرية كانت أم ورقية إلكترونية في التحليق فوق الأجواء الكوردية، تخطيطاً لتأسيس الفيدرالية الكوردية في غربي كوردستان، والاعتراف الرسمي بالاستفتاء وإعلان الدولة الكوردية في إقليم كوردستان العراق، ولم يدركوا أن تحقيق هذين المشروعين يتمان في دمشق وبغداد ثانياً، وأولاً بضغط من واشنطن وموسكو عليهما، للقبول بالمشروع الكوردي.

حقيقة، إن الرادارات الأمريكية التي يضعها الجيش الأمريكي في مدينة كوباني والحسكة، والتي تمّ الإعلان عنها في الوسائل الإعلامية، لن تكون في خدمة الكورد، ولن تلقي بظلالها الإيجابية لصالحهم، بقدر ما هي رسالة واضحة وصريحة لتركيا، في أن تعود إلى رشدها، وسحبها من الحضن والحصن الروسي، في آستانة وسوتشي، وبالتالي إصلاح الصدع المتفاقم في العلاقات الأمريكية التركية، والدليل إلى الآن الإعلام التركي والقادة الأتراك لم يتعاملوا بعد مع نشر أمريكا أجهزة الرادار، على بعد مرمى حجر من الحدود التركية – السورية.

أجزم أن تمسّك أمريكا – في ظلّ رئيسها التاجر – بالوجود والبقاء في سوريا، ليس لتحقيق المشروع الكوردي، بل لحماية مصالحها وحصّتها، خلال المساومات والصفقات الإقليمية والدولية، وتوفير الحماية الأمنية والعسكرية لجنودها وتجهيزهم بكل الأسلحة، أما إمكانية تكرار سيناريو ما فعلته مع صدام حسين، في إطار إنشاء مناطق حظر جوّي لحماية جنوب كوردستان، وتطبيقها اليوم في غربي كوردستان، وذلك عبر منع الطلعات الجوية التركية أو السورية فوق المنطقة، ثم توفير الحماية الجوية لشريكتها المحلية قوات سوريا الديمقراطية، على الرغم من التوصيفات التركية بشأن هذه القوات، التي تتهمها بارتباطها المباشر بحزب العمال الكوردستاني، ما هو إلا أمر مجهول المعالم والأهداف، وتحقيقه شبه مستحيل، ولو في المدى البعيد.

إن الهدف من الرادارات الأمريكية، ونشر المنظومات الدفاعية والهجومية المتطوّرة، هي حتماً ليست لمحاربة ما تبقى من داعش، بل الهدف هو التمهيد لإقامة طويلة الأمد في سوريا، تحت ذريعة ضمانة رحيل آخر مقاتل محسوب على إيران من سوريا، وتوفير الحماية الجوية لقوات سوريا الديمقراطية، لكن الهدف الحقيقي هو إنشاء قاعدة عسكرية أمريكية جوية في إطار الصفقات المقبلة مع قيادات دمشق، وتعويض واشنطن خسارتها قاعدة أنجرليك التركية الإستراتيجية، ومحاصرة تركيا وتكبيل يدها هناك.

ويبقى الأهم أن أمريكستان ستقوّي نفسها عسكرياً وإستراتيجياً في الشمال السوري وليس غربي كوردستان – كما يتوهّمه الكورد – للتحالف مع النظام الأسدي والبوتيني، والمساهمة في إعادة ترميمه بعد عشر سنوات، لأن عمر الحكم الذاتي الذي قد يحصل عليه حزب الاتحاد الديمقراطي في المفاوضات والاتفاقيات الجارية هو عشر سنوات، فقط لا غير، فالدولتان المستثمرتان – أمريكا وروسيا – لديهما القدرة الخارقة على بيع الكورد للأنظمة التي يتواجدون فيها جغرافياً، خلال يوم واحد.

 

ملحوظة: هذه المقالة تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تتبناها كوردستان 24 بأي شكل من الأشكال.