العمال الكردستاني والاعتذار

Kurd24

الاعتراف بالخطأ والاعتذار عنه، موقفٌ أخلاقي وحضاري، لا يختلف عليه اثنان. ذلك أنه ليس شيئاً مهيناً أو سيّئاً في حال ارتكب أحدهم خطأ أو جرماً، الاعتراف بهما، والاعتذار عنهما، كونه إحساسٌ وموقفٌ مبدئي، إنساني، يعلي ويرقّي من صحابه، ولا يمكن اعتباره، في أيّ حالٍ من الأحوال، على أنه حطٌّ وتقليلٌ من مكانة وشخصيّة المُعتذر، سواء أكان فرداً أو مؤسسة أو حزباً أو حكومةً أو دولة. والاعتراف بالخطأ والاعتذار عنه هو أولى خطوات العدول عن الاستمرار فيه، والسير بالاتجاه المعاكس له. وفي سياق الاعتذارات الكبرى والتاريخيّة، اعتذرت أمريكا من اليابان وفيتنام. واعتذرت اليابان من الصين. واعتذرت ألمانيا من اليهود..الخ.

في أوساطنا الكرديّة، وبحسب معلوماتي المتواضعة، (ولربما أكون مخطئاً، كما يقول الشيوعي العتيق، عزيز عمرو)، فقط رئيس إقليم كردستان العراق مسعود بارزاني اعترف بأخطائه واعتذر عنها. وذلك أثناء حديثه عن مشاركة بيشمركة "الحزب الديمقراطي الكردستاني" في الحرب مع الجيش التركي ضد "العمال الكردستاني"، بالإضافة إلى اعتذاره عن الاقتتال الكردي - الكردي منتصف التسعينات بين "الديمقراطي الكردستاني" و"الاتحاد الوطني الكردستاني". وأدان بارزاني تلك الأيام السوداء، ووعد بأنه لن يسمح بتكرارها، تحت أيّ شرط أو ظرفٍ كان.

بدون أدنى شكّ، الدولة التركية صاحبة تاريخ أسود ودموي تعود جذوره إلى مئات السنين من البربرية والتوحّش، إبان غزوات المغول للمنطقة. هذه الغزوات التي أسست للسلطنتين السلجوقية والعثمانيّة. وصحيح أن الجمهوريّة التركيّة ارتكبت جرائم إبادة جماعيّة في سنوات 1925-1938 بحق الكرد، واستمرّت هذه الجرائم إلى يومنا هذا، لكن هذه الدولة، وعلى لسان رئيس حكومتها السابق، ورئيسها الحالي، رجب طيب أردوغان، اعتذر سنة 2011، عن مجزرة ديرسيم، بعد أن كانت الدولة تنكر حدوث هذه المذبحة لنحو 73 سنة.

مناسبة ما سلف ذكره، القول: إن الدولة التركية ارتكبت جرائم حرب وإبادة جماعية بحق الكرد خلال العقود الثلاث الماضية في صراعها مع "العمال الكردستاني"، لكن الصحيح أيضاً أن "الكردستاني" كذلك ارتكب جرائم حرب، سواء بحق القرويين أو الجنود الاتراك، او حتى بحق مقاتليه وقياداته المنشقة عنه او التي كانت تنتقده. والكثير من الكوادر القيادية المنشقّة عن "العمال الكردستاني" يعرفون جيّداً كيف انه تمت تصفية المئات من عناصر الحزب، بتهم شتى لا حصر لها. هؤلاء الضحايا، الواحد منهم، تعرّض للقتل والتصفية ثلاث مرّات: الأولى، حين تم اتهامهم باتهامات باطلة كالخيانة والعمالة والعلاقة مع العدو. والثانية، حين تم تنفيذ حكم الإعدام بحقهم، بعد محاكمة ثورية-صورية. وفي المرّة الثالثة، حين تم إخبار عوائل هؤلاء الضحايا بأن أبناهم/بناتهم كانوا أبرياء، وأنهم لم يكونوا خونة. وأن الحزب تأكد من ذلك. وأن من قام بتصفيتهم هرب من صفوف الحزب. وان هذه الجريمة، فردية، لا يمكن تحميل الحزب مسؤوليّتها. وأنه على الأهل عدم التفوّه بكلمة، وسيصار إلى إعلان هؤلاء الضحايا على أنهم شهداء، فقدوا حياتهم أثناء المعارك. وبالفعل، تتم تنظيم مراسيم عزاء لهؤلاء الضحايا، يعلن فيها أن الواحد منهم فقد حياته في المعركة الفلانية، وفي التاريخ الفلاني، أثناء الاشتباك مع الجنود الاتراك، وأن هذا الشهيد/ة أبدى مقاومة بطولية أثناء القتال!. في حين ان كوادر الحزب وعائلة الضحيّة المقاتل/ة ("الخائن"-الشهيد) يعرفون زيف الرواية، وأن الضحية فقدت حياتها جراء تصفية الحزب لها.

وهكذا ينقل إعلام الحزب الرواية الرسمية، ويكرّسها بين الناس، في حين ان الحقيقة خلاف ذلك تماماً. وبهذه الطريقة، يتم قتل الضحية ثلاث مرّات. وكي يهدّئ الحزب من روع وصدمة العوائل، يعتذر لهم بشكل سرّي عما جرى لأبنائهم من تصفية. ويتجنّب إشهار وإعلان الاعتذار من هذه العوائل وأمام الرأي العام الكردي، على جرائم التصفية التي ارتكبت داخل الحزب. وفي بعض الأحيان، يتم إخبار العوائل على أن وابنهم انتحر. في حين حقيقة الأمر تقول: تمت تصفيته.

خلال تجربته السياسية والكفاحية (1978-2017) لم يقم العمال الكردستاني بتقديم الاعتذار علناً عن خطأ أو جرمٍ ارتكبه بحق أيّ شخص أو عائلة أو حزب أو عشيرة...الخ، علماً أن تاريخه مليء بهكذا أخطاء وجرائم. زعيم الحزب عبدالله أوجلان، في كتبه الأخيرة، يفرد عشرات الصفحات للجرائم التي حدثت ضمن الحزب، ويعترف بها، وينفي مسؤوليته عنها، ويغسل يديه منها، لكنه لا يقدّم الاعتذار من الشعب الكردي على هذه الجرائم الذي ارتكبها الحزب بحقه. علماً أن شقيق أوجلان، عثمان أوجلان، اعترف بأن شقيقه (آبو) كان على علم بنحو 10% من جرائم التصفية التي جرت داخل الحزب. بينما 90% منها، لم يكن على اطلاع عليها، وجرت دون علمه. ولكن، حتى الـ10 بالمئة هذه، كافية لأن يقدّم عبدالله اوجلان الاعتذار عنها للشعب الكردي. لكنه لم يفعل ذلك. وحتى ولو كان اوجلان "ملاكاً" أو "نبيّاً" أو معصوماً عن الخطأ، وبريئاً 100 بالمئة من كل هذه الجرائم، ستبقى المسؤولية الاخلاقية تلاحقه للأبد، باعتباره زعيم الحزب الذي ارتكب كل هذه الجرائم والموبقات!. وعليه، وجب عليه الاعتذار من الضحايا ومن الشعب الكردي. ولكنه لم يفعل ذلك.

منذ 1978 وحتى لحظة كتابة هذه الأسطر، قدّم العمال الكردستاني مرتين فقط اعتذاره. ولم يكن الاعتذار، في كلتا الحالتين، موجهاً إلى الشعب الكردي، بل كان من الأتراك والأوروبيين. الاعتذار الأول، سنة 1999 حين وقف أوجلان في قاعة المحكمة، وقدّم اعتذاره من أمّهات الجنود الأتراك القتلى، ونسي أو تناسى أمّهات المقاتلين والمقاتلات الكرد!. ربما يبرر أحدهم ذلك بوجود عوائل الجنود الأتراك. ولكن هل كان من الضروري ان يحضر في قاعة المحكمة عوائل كل من: جميلة مركيت، يلدرم مركيت، تشتين غونغور، أنور عطا، شاهين دونميز، محمد شينر، أورهان آيدن...، والمئات والآلاف الآخرين، حتى يقدّم أوجلان الاعتذار من عوائلهم أيضاً؟!.

المرّة الثانية التي قدّم فيها "العمال الكردستاني" اعتذاره كان في نيسان 2015، بعد مضي سنتين على استلام جميل بايك قيادة الحزب، بدلاً من قيادته للحزب من خلف الستار. حيث قدّم بايك اعتذاراً من ألمانيا والدول الأوروبيّة على أعمال العنف التي مارسها الحزب ضد المصالح التركيّة على الأراضي الأوروبيّة في الفترة الفاصل بين 1993 و1999.

بالنتيجة، كي يريح المرء أو الحزب او الدولة ضمائرهم ووجدانهم، لا مناص من الاعتراف بالخطأ والجرائم، والاعتذار عنها. ذلك أنه ما نفع أن يقضي أوجلان عقدين من عمره في السجن، ويجري المراجعات النقديّة، وينتقد نفسه وحزبه، ما لم تكن هذه المراجعات مقرونة بالاعتذار الواضح والصريح من ضحاياه ومن الشعب الكردي على ما اقترفه حزبه من أخطاء وجرائم، سواء بقصد أو بدونه.

 

هذه المقالة تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تتبناها كوردستان24 بأي شكل من الأشكال.