فيدرالية كوردستان في خطر

Kurd24

إن النظام الفيدرالي هو الشكل الذي حدده برلمان اقليم كوردستان العراق في 4/10/1994 كنمط علاقته مع الحكومة العراقية المركزية وبعدها الاتحادية، وجاء تحديد هذا النظام من طرف واحد دون تفاوض وحوار مع بغداد، وقد كان خطوة خارج المألوف عن السابق فأن تحديد شكل الارتباط والعلاقة بين الشعب الكوردستاني والحكومات المركزية المتعاقبة كانت نتاج وثمار مفاوضات وزيارات للوفود ونقاشات طويلة او قصيرة، كما هو الحال في بيان الحكم الذاتي في 11  اذار عام 1970.

ومعلوم أن النظام الفيدرالي يقوم على توسيع صلاحيات تشريعية وتنفيذية وقضائية، وقد كانت الحكومة المركزية تمر بأصعب مراحلها بعد اخراج القوات العراقية من دولة الكويت ودخول القوات التحالف وقيام الانتفاضات الشعبية في الجنوب والشمال ولكن الشعب الكوردستاني قرر بإرادة حرة البقاء مع العراق وفق النظام الفيدرالي الذي توسع فيما بعد ليكون دولة الامر الواقع في علاقاته الداخلية والاقليمية والدولية.

إن فيدرالية اقليم كوردستان اصبحت محط انظار المجتمع الدولي برمته لكونها تجربة ديمقراطية فريدة تشهدها المنطقة بالإضافة الى أن جميع قوى المعارضة العراقية في وقتها كانت تحلم بها، وتتوعد بالسير على خطى الشعب الكوردستاني اذا ما سنحت لهم الفرصة من استلام زمام الحكم في بغداد ليكون العراق نموذجاً لدولة مدنية قائمة على اساس المواطنة والتعايش السلمي تحسدها الدول والافراد .

استطاعت القوى السياسية المعارضة وبمساعدة التحالف الدولي من اسقاط النظام عام 2003 لتبدأ خطواتها نحو بناء دولة ديمقراطية دعائمها مساواة وعدالة اجتماعية ولعب الشعب الكوردستاني دوراً رائداً.

اقر الدستور العراقي لعام 2005 النظام الفيدرالي للأقاليم واللامركزية الادارية للمحافظات غير المنتظمة في اقاليم كشكل العلاقة بينها وبين الحكومة الاتحادية، أي أن النظام الاداري والسياسي العراقي الاتحادي كان قائماً على الفيدرالية واللامركزية الادارية في آن واحد .

لكن الغريب في الموضوع ان الوعود والاتفاقات سرعان ما تجري عليها التغيير قبل استلام السلطة والاستيلاء على كرسي الحكم وبعدها، فأن محاولات الحكومات العراقية كانت مستمرة لإلغاء النظام الفيدرالي بشكل مباشر اوغير مباشر وبدرجات متفاوتة في المراحل المختلفة، ولكنها كانت تصطدم بحاجز البنود والمواد الدستورية، وان فيدرالية اقليم كوردستان كانت قبل تأسيس العراق الاتحادي ناهيك عن موقف المجتمع الدولي ودفاعه عن فيدرالية اقليم كوردستان , اذن النيّات كانت تظهر بين فينة وأخرى والقرارات الاتحادية المتعددة تشم رائحة المحاولة لإنهاء النظام الفيدرالي، ويعود الى العقلية الحاكمة التي لا تستوعب غير النظام الشمولي المركزي القابع على جميع مفاصل الحياة، وهذا يعني ان الصراع كان قائماً دون الاعلان عنها ومن دلالات ما ذكرناه :

1- إن الدستور العراقي منح المحافظات حق تأسيس الاقاليم الفيدرالية وفق السياقات القانونية المتبعة ولكن الحكومة الاتحادية لم تسمح طيلة (13) سنة السابقة قيام أي اقليم فيدرالي رغم المحاولات والدعوات المستمرة وخاصة محافظة البصرة او غيرها ليبقى اقليم كوردستان وحيداً وسهلاً لأن الامر سيكون اصعب اذا ازداد عدد الاقاليم الفيدرالية .

2- عدم تقديم المساعدات العسكرية لقوات البيشمركة طيلة فترة قتاله مع التنظيمات الارهابية وخاصة (داعش) عند هجومه على الاقليم في عام 2014 وبعدها وحتى عدم الاشارة الى تضحياته ودوره الفاعل في مناسبات عديدة وتصريحات صحفية، وعدم اعتباره جزءاً من المنظومة الدفاعية الاتحادية.

3- قطع الموازنة والمستحقات المالية والرواتب عن حكومة الاقليم منذ اكثر من ثلاث سنوات بحجج واسباب واهية، والصراع المستميت بين نواب الاقليم والحكومة ومجلس النواب على نسبة حصة الاقليم في الموازنة كموضوع سنوي ساخن ينظره المواطن بتلهف  .

4- قبل اجراء الاستفتاء الكوردستاني في 25/9/2017 وبعدها اظهر الجميع على حقيقتهم وان اصحاب الافكار والآراء المتقدمة والنيرة وبناة الديمقراطية والحرية والمساواة كشفوا النقاب عن وجوههم ليصب جل سمومهم الخبيثة لمجرد ان الشعب الكوردستاني مارس حقاً شرعياً بطريقة ديمقراطية بحيث دفعت هؤلاء الى التفكير والممارسة من اجل الغاء فيدرالية الاقليم على الرغم من قناعتهم بعدم قدرتهم على تعديل الدستور النافذ في الوقت الحالي لذا لجأوا الى اساليب التدخل العسكري واحتلال كركوك والمناطق الكوردستانية خارج الاقليم والاستيلاء على الابار النفطية وغلق باب الحوار ليدخل الاقليم في دوامة يكاد الخروج منه صعباً وسط عدم دفع الرواتب لوجود موظفين مزدوجي الرواتب او اكثر وعدم وجودهم في الاقليم وبعد جهود حثيثة استجاب للضغوط الدولية فأرسل اللجان المختلفة والمتخصصة لتدقيق قوائم رواتب الموظفين وتحديد التجاوزات والاختراقات القانونية من اجل التعديل، ومن ثم ارسال الرواتب، واخيراً وليس آخراً ترغب الحكومة العراقية الاتحادية التعامل مع المحافظات بشكل مباشر وتهميش دور الحكومة وربما إلغاءها اذا تمكنت ومحاولاتها المتكررة للسيطرة على المنافذ الحدودية او غلقها بالاتفاق مع دول الجوار،  بالاضافة الى غلق المطارات بوجه المسافرين والوفود الرسمية، ولا تزال المحاولات تجري على قدم وساق من اجل اقرار نظام اللامركزية الادارية او على الاقل اقرار نظام فيدرالية المحافظات التي دعا اليه السيد مام جلال طالباني عام 2008 عندما كان رئيساً للجمهورية .

وفي كل الاحوال فأن خطوات الحكومة الاتحادية وقرارات مجلس النواب والمحكمة الاتحادية تشير الى محاولات لإلغاء النظام الفيدرالي لإقليم كوردستان في وقت دخل المواطن الكوردستاني حالة اليأس وحالة اقتصادية مزرية ينتظر اليد التي تدفع راتبه ويؤمن عيشه اينما كان، وقد اُشبع من الوعود والتصريحات شبه اليومية  لتحسين الحالة المعيشية .

اذن نحن بحاجة الى تعديل او تغيير في العقلية الحاكمة دون تغيير الوجوه والاسماء، وسيحققون مآربهم إذا تمكنوا من ذلك وأنه الصراع الابدي بين الشعب الكوردستاني ومن يحكم بغداد ولكن يبقى الشعب الكوردستاني صامداً قوياً لا يعير للمحاولات والمؤامرات قيمة.

 

ملحوظة: هذه المقالة تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تتبناها كوردستان24 بأي شكل من الأشكال.