الكورد والبعد الاستراتيجي

Kurd24

مما لا شك فيه أن الكيانات السياسية وحتى الاجتماعية بين الدولة والأسرة وحتى المنظمات الحكومية وغير الحكومية ومن اجل ان تكون عملها وفق سياق معلوم ويسير في الطريق الصحيح لتحقيق اهدافه، لا بد وان تعتمد على خطة او استراتيجية معينة تأخذ الامكانات المادية والبشرية المتاحة بنظر الاعتبار مقارنة بحجم الاهداف مع تحديد الوسائل والأساليب اللازمة، والفترة الزمنية المطلوبة للوصول الى تلك الاهداف، وعليه فأن الاهداف تنقسم الى نوعين وربما اكثر وهي الاهداف القريبة المدى والبعيدة المدى، ويجب أن يكون تحقيق الاهداف القريبة في مصلحة وخدمة الاهداف البعيدة، وان لا تتناقض معها، وإلا ستتشتت الجهود ويعرقل الوصول.

واستناداً الى ما ذكرناه، فأن الدول والمؤسسات الاخرى ترسم استراتيجيتها تحقيقاً لمصالحها، وهذه الاستراتيجية تختلف من دولة الى اخرى، ومن وقت الى اخر داخل الدولة الواحدة استناداً الى متطلبات المرحلة والبيئة الداخلية والظروف الخارجية وهي تحتاج الى مراجعة مستمرة .

إن استراتيجيات الدول العظمى التي تلعب دوراً كبيراً في صنع القرارات الدولية تختلف عن استراتيجيات غيرها من الدول استناداً الى مطامعها ومصالحها وتحالفاتها وحلفاءها ومشاركتها وعضويتها وحجم قوتها الاقتصادية والسياسية والعسكرية، ومدى تأثيرها وتأثرها في المحيط الدولي خارج حدودها .

إن الفكرة السائدة في درج الاستراتيجيات العليا للدول، تكمن في مدى قدرتها على التأثير في المحيط الخارجي من اجل تأمين داخلها، لذا فأن هذه الدول تملك ابعاداً استراتيجية خارج حدودها وتمارس سلوكها بين دعم دولة اوجماعة اوحزب ومحاربة اخرى.

ولكن السؤال الذي يفرض نفسه الى أي مدى تستطيع الدول الصغيرة او الجماعات والأحزاب ان تنسق وتنسجم برؤيتها، وأفكارها مع استراتيجية الدولة التي تدعمها وتجعل من نفسها جزءاً مهماً ضمن استراتيجية هذه الدولة، والى أي مدى تستطيع الدولة الكبيرة أن تضحى  بها من اجل مصالحها اذا ما تناقضت مع اهدافها اوانها لا تستوفي شروط دعمها، لأن هذه الكتل الصغيرة من الاحزاب والجماعات غالباً ما تكون ضحايا الاتفاقات وتصفية الحسابات بين الدول الكبرى.

 إن ما تعرض اليه الشعب الكوردي ولا يزال يتعرض له بين القتل والدمار والنشر ناهيك عن حرمانه من الكيان السياسي المشروع له، وفي كل اجزاء كوردستان، وان اخفاق الكورد من تحقيق طموحاته المشروعة من جانب وحماية نفسه من هجمات الاعداء بين فترة واخرى منذ اتفاقية سايكس بيكو وما تلتها من احداث،  يفرض سؤالاً مهماً، وهي هل ان الدول العظمى لا ترغب في دمج الكورد ضمن استراتيجياتها ام ان الكورد غير قادرين على فرض انفسهم كجزء مهم من استراتيجيات هذه الدول، ولا يمكن الاستغناء عنهم ، ام ان الدول الاقليمية تستطيع ان تلعب دورها ضمن استراتيجيات الدول الكبرى بحيث يمكن التضحية بالكورد في سبيل مصالحها.

إن معاداة المجتمع الدولي او على الاقل عدم تأييده للاستفتاء الكوردستاني الذي عبر من خلاله عن تطلعاته في 25/9/2017، وما تلته من احداث ودخول القوات العراقية بمباركة المجتمع الدولي في غالبه، واخيراً وليس اخراً، انسحاب القوات الروسية من عفرين وافساح المجال للقوات التركية بقصفها ومحاولة الدخول اليها، والتصريح الروسي بأن تحالفهم مع الاكراد لم يخرج من اطار اتفاقية ولم ترق الى كونهم بعداً استراتيجياً لسياستها في سوريا، والموقف الامريكي المتفرج نوعاً ما، بالاضافة الى ان دعم المجتمع الدولي للكورد في ايران وتركيا لم تصل الى مستوى يمكن الاحساس بأنهم بعد استراتيجي في سياستهم تجاه المنطقة بل العكس هو الصحيح، حيث يمكن لهذه الدول ان تضحي بالقضية الكوردية من اجل ارضاء الدول الاقليمية وقد حدث ذلك مراراً وتكراراً، ونعتقد بأن هذا يعد خللاً عقيماً في جسم القضية تحتاج الى اعادة النظر والدراسة المعمقة في سبيل اصلاحها لكي يضطر الدول العظمى الى الاعتماد عليهم، وجعلهم بعداً استراتيجياً في سياساتهم تجاه المنطقة وإلا سيكون الاتي من الاحداث والمآسي اكثر فتكاً واعمق اثراً والاجيال القادمة ستلوم وتلوم..

 

ملحوظة: هذه المقالة تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تتبناها كوردستان24 بأي شكل من الأشكال.