إيران وتركيا.. هل يصلح الاستفتاء ما أفسده الدهر

Kurd24

أسالت الزيارة الاستثنائية التي قام بها اللواء محمد حسين باقري هيئة الأركان في القوات المسلحة الإيرانية (وهو المنصب العسكري الأعلى في البلاد بعد منصب رئاسة القوات المسلحة الذي يشغله المرشد الأعلى في إيران)، إلى تركية 15 آب أغسطس الجاري، حبرا كثيرا في محاولة لكشف دوافع و نتائج الزيارة، الزيارة الحدث كما اصطلح على وصفها استنادا إلى أنها أول زيارة على هذا المستوى العسكري الرفيع بين جيش إيران (الثورة الإسلامية 1979)، و بين جيش تركيا - العضو الفعال في حلف الناتو منذ عام 1952- واعتبرت بنظر الكثير من المراقبين على أنها اعلان رسمي عن الارتقاء بالعلاقة الإيرانية - التركية من علاقة تكتيكية إلى علاقة تحالف استراتيجي حجر أساسها القضية الكردية و تطلعات إقليم كردستان إلى إعلان قيام دولة كردستان من بوابة الاستفتاء المزمع عقده في 25 سبتمبر المقبل.

والتسليم بصحة هذه الفرضية يستلزم من متبنيها الإجابة على السؤال الأهم : هل يستطيع هذا الحجر ان يحمل كل الخلافات و الهزات الكبيرة التي ضربت العلاقة الإيرانية - التركية مؤخرا، ناهيك عن الصدوع المركبة التاريخية بين الطرفين التي لم - وربما- لن ترأب؟

 يستند الآملون بارتقاء العلاقة الإيرانية التركية من بوابة القضية الكردية، إلى تاريخ اللواء باقري و خبرته في الملف الكردي، وذلك بحكم مولده و نشأته في محافظة أذربيجان "شمال إيران"  والتي يسكنها كرد وآذريون وأرمن، إضافة إلى اضطلاعه بالعديد من المهام والأدوار الأمنية والاستخباراتية إلى جانب العسكرية قبل تكليفه برئاسة أركان القوات المسلحة الإيرانية يوليو 2016 خلفا للواء حسين فيروز أبادي (2016 - 1991).

ولكن ربما غاب عن ذهن البعض أن هذه النقطة تحديدا أي الأدوار والمهام الأمنية التي اطلع بها اللواء باقري تنسف سعي إيران إلى علاقة استراتيجية مع تركيا، فاللواء باقري يعتبر العراب لمشروع تشابك الأذرع (حلفاء إيران في المنطقة) التي تقوم بها المؤسسة العسكرية والأمنية الإيرانية، وأكثر من سعى إلى ضرب هذا المشروع هي تركيا، ولم يدخر الساسة الأتراك أي مناسبة سياسية أمنية اقتصادية وحتى إعلامية لمهاجمة المشروع الإيراني، والعمل على إفشاله عبر التصويب على جوهر المشروع تارة و على شركاء إيران في هذا المشروع تارة أخرى.

فالرئيس التركي أردوغان قال في لقاء مع محطة RTP البرتغالية في حزيران يونيو الماضي "سوريا و العراق أصبحتا مسرحا للتوسع الإيراني، و النشاط الإيراني هو توسع فارسي"، وجدد كلامه في لقاء مع قناة الجزيرة "طهران تنتهج سياسة انتشار وتوسع فارسية، الحشد الشعبي منظمة إرهابية - إيران تريد أن تحول المذهب إلى دين و هذا يؤلمنا.

وفي تصريح سابق يهاجم أردوغان حزب الله قائلا إن "حزب الله منظمة إرهابية تتحرك في سوريا أيضا، بجانب دورها في توتير الأجواء بلبنان ، وفي مارس آذار 2015 وصف أردوغان سياسات طهران في المنطقة بأنها تجاوزت كل حدود الصبر، داعيا طهران إلى سحب مجموعاتها الإرهابية من اليمن.

الإشارات الطائفية كانت أوضح في خطاب وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو خلال ندوة على هامش المؤتمر الـ53 للأمن في ميونخ الألمانية حيث اتهم طهران بالعمل على نشر التشيّع في سوريا والعراق، داعيا طهران لإنهاء الممارسات التي من شأنها زعزعة استقرار وأمن المنطقة، محذرا من أن إدخال المليشيات الشيعية (الحشد الشعبي)  لمدينة الموصل التي يشكل العرب السنة 99% من سكانها أمر خطير.

قراءة أولية لهذه التصريحات والمواقف التركية تشير بشكل واضح إلى حجم الصدع بين المشروع التركي و المشروع الإيراني، و استحالة تلاقيهما، فالتركي صوب نيرانه باتجاه أهم حلفاء إيران الذين يشكلون الرافعة الأساسية لمشروعها (حزب الله - الحشد الشعبي - أنصار الله الحوثيين)، و السؤال المنطقي هنا مالذي فعله اللواء باقري في تركية إذا؟ ببساطة إدارة الصراع، فمع التداخل و التنافس الكبير على عدة جبهات بين الإيراني و التركي (إدلب وريف حلب سورية - تلعفر في العراق- جرود عرسال و القلمون على الحدود السورية اللبنانية اللبنانية السورية - أزمة الخليج وقطر - أذربيجان وأرمينية - باكستان وأفغانستان - الصومال و نيجيريا-..)، كان لابد من لقاء ذا طابع أمني استخباراتي لضبط وإدارة الصراع، وهذا لا يعني بأي حال من الأحوال خطوة نحو الحل بل هي خطوة نحو تأجيل الصدام المباشر وصولا للحسم، وأفضل من استطاع توصيف و تلخيص الحالة التركية وتعاطي محور المقاومة معها ، هو الرئيس السوري بشار الأسد في كلمة له بمناسبة افتتاح مؤتمر وزارة الخارجية والمغتربين الأحد 20 آب أغسطس الجاري "نحن لا نعتبر تركيا ضامنا ولا شريكا في عملية السلام ولا نثق بها، أردوغان اليوم هو متسول سياسي على قارعة الطريق يبحث عن أي دور لأنه يشعر باختلال التوازن داخل تركيا وافتضاح علاقته بالإرهابيين، وأشار الرئيس الأسد في ذات الخطاب إلى أن الحرب على المنطقة بدأت منذ الحرب على إيران 1980، ولعل هذه الجزئية تساعدنا في محاولة تفكيك شيفرة العقل السياسي الإيراني الذي يعتبر فضيلة الصبر هي أساس مواقفه ومشاريعه وطريقة تعاطيه مع المتغيرات الإقليمية والدولية، فالعقل الحاكم في إيران وافق على طلب حكومة الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين في فتح قنوات اتصال، ففي كانون الثاني يناير 1991 وفد عراقي ضم كل من نائب رئيس مجلس قيادة الثورة عزت الدوري ووزير النقل والمواصلات محمد الزبيدي يحط رحاله في العاصمة الإيرانية طهران ويلتقي كل نائب الرئيس الإيراني حسن حبيبي ووزير المواصلات محمد سعيد كيا  وقدم دعما اقتصاديا (غذائيا) وتحولت إيران إلى الرئة التي يتنفس العراق منها، تحديدا في مرحلة ما بعد الغزو العراقي للكويت وصولا لعام 2003، على الرغم من كل الجراح و الآلام التي خلفتها حرب السنوات الثماني (198 - 1980) وانتفاضة الجنوب العراقي 1991. لم يكن الموقف الإيراني من العراق مرده براغماتية سياسية على حساب مبادئ الثورة الإسلامية ودماء مئات آلاف الضحايا، بل كان مرده استقراء لمستقبل السلطة العراقية برئاسة صدام حسين والعمل منذ عام 1991 على دعم حلفاء إيران في عراق ما بعد صدام حسين، فما هي قراءة العقل الإيراني لمستقبل تركيا رجب طيب أردوغان.

 

ملحوظة: هذه المقالة تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تتبناها كوردستان24 بأي شكل من الأشكال.