إرادة الشعوب بين الحقيقة والمصالح

Kurd24

من سنن الله تعالى في خلقه جعلهم شعوباً وقبائل ووزعهم وقسمهم، ليتعارفوا ويتصالحوا ويتسامحوا ولا يتصارعوا ويتحاربوا ويتقاتلوا يسفكون الدماء ويفسدون الارض، وأكرمهم وأعزهم وأحبهم الى الخالق أتقاهم وأبرهم وأنفعهم، وان الناس سواسية كأسنان المشط في الحقوق والواجبات، وكل شعب له إرادة وعزيمة وروح المقاومة والتصدي من اجل حقوقهم ودرء الاضرار والتهديدات عنهم، ومن الشعوب ضربوا اروع الامثلة في الثبات وقوة الارادة حتى نالوا وحققوا اهدافهم بعد سيل الدماء وتقديم النفيس والتضحية بالروح والمال. إنّ لإرادة الشعوب قوة وصلابة لا يستطيع فهمها من تربى في الذلّ والخنوع، وإنّ لانتصار إرادة الشعوب معنى لا يستشفه من عاش كالأيتام على مأدبة اللئام، يقتات مما يلقيه إليه سادته من فتات، أي أنها لا تعرف الخضوع والركوع والاذلال أمام مؤامرات الاعداء ومصالحهم.

قد قيل وكتب الكثير عن ارادة الشعوب ولا يكاد يخلو اعلان عالمي اواقليمي لحقوق الانسان او ميثاق منظمة او جمعية او مجلس دولي او اقليمي او دستور دولة اودين سماوي او ارضي، إلا وينص على ضرورة احترام ارادة الشعوب وتطلعاته في تقرير مصيره، بل وجعلوا من ذلك مبادئ سامية وقواعد متينة لبناء الحياة والديمقراطية والتمدن وتحقيق المساواة.

ولكن السؤال الذي يفرض نفسه هل باتت إرادة الشعوب على ما كانت عليها وما قيل عنها امام المصالح الدولية؟ أم ان تلك المصالح تحدد للشعوب ارادتها وحقوقها ومسارها وتقف بالضد منها اذا تقاطعت معها او وقفت في طريقها؟ القصد مصالح الدول الكبرى بالطبع.

تدلنا الاحداث التاريخية بأن مصالح الدول العظمى التي تمتلك القرار وتلهث وراءها هي التي تحدد إرادة الشعوب وتدعمها او ترفضها وليس العكس، وتجعل هذه الدول من الاعلانات العالمية لحقوق الانسان والمنظمات الدولية إطاراً شرعياً وقانونياً لتأمين مصالحها وفي أروقتها تضمحل الارادة وتتجمع الغبار عليها في رفوفها ويكون جزءاً من الماضي المرير لتلك الشعوب.

ولنا من الامثلة عديدة فإرادة الشعب الكوردي نسفت وضربت عرض الحائط امام مصالح الدول العظمى في اتفاقية سايكس بيكو وانقسم وطنه الى اجزاء ارابعة ربطت عنوةً بالدول، وكذلك في عام 1975 ابرمت اتفاقية الجزائر المشؤومة لضرب ارادة الشعب الكوردستاني في التمتع بحقوقه ووقفت المنظمات والمجتمع الدولي برمته صامتاً ومكتوف الايدي امام عمليات الانفال وضرب الشعب الكوردي بالكمياوي المحرم دولياً بحجة احترام سيادة دولة العراق وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وعندما قرر الشعب الكوردستاني اجراء الاستفتاء في 25/9/2017 للتعبير عن ارادته وتحديد مسار حياته وما ان تم اعلان النتائج حتى ثار الاصدقاء قبل الاعداء ضدهم وعقدوا الاتفاقات تلوا الاتفاقات ووقفوا بالضد منه سياسياً واقتصادياً وتدخلوا عسكرياً حتى اضطرت حكومة الاقليم الى تجميد نتائجها من اجل الحوار والتفاوض وحكومة بغداد لا تزال تفرض شروطاً وشروط .

واقليم كاتالونيا الاسباني هو الاخر قرر مصيره بالاستفتاء في قلب الديمقراطية المزيفة وبعد اعلان نتائجه ثار الثور الاسباني بدعم الدول المتقدمة اضطر رئيس الاقليم الى الفرار وامتلأت السجون بمؤيدي الاستفتاء لانه لم يكن في كفة ميزان المصالح ..

اذن خلاصة القول ان المصالح لا تعرف للشعوب ارادة اذا ما تعارضت معها وتكون كفة المصالح هي الراجحة في الميزان وعليه فأن ارادة الشعوب يجب ان تكون موازية لمصالح الدول العظمى وإلا سيكون مصيرها المحاربة والمقاطعة وفك قيود الاعداء عليها للافتراس وتمزيق جسدها وفقاً لمطامعهم ولا يهمها سفك الدماء والتدمير والخراب ونداءات الاغاثة وهذا هو القدر .

 

هذه المقالة تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تتبناها كوردستان24 بأي شكل من الأشكال.