البارزاني في ذكرى رحيله الأربعين (ح/1)

Kurd24

ملامح البعد الأمني في سياسة البارزاني (الحلقة الأولى)

أولاً: موقف البارزاني مع الدكتور فؤاد معصوم

يقول الدكتور فؤاد معصوم، في كلمة له في المؤتمر التسعين لميلاد البارزاني في عام (1993): (إن كل شعب يفتخر بشخصياته البارزة، ومثقفيه، والشعب الكوري هو أحد تلك الشعوب، حيث كان الكورد منذ القدم يعتز بهؤلاء، وكانوا حسب تصورهم، ومفاهيمهم آنذاك يسمونهم أولياء الله، ورجاله الصالحين، يزورون قبورهم لمناجاتهم، طلباً للتبرك، وتحقيق ما في قلوبهم من أمان، وأمل لعلهم ينالون خيراً.

ولكن اليوم تغيرت تلك المفاهيم، والتصورات كثيراً، تجسمت تلك الشخصيات في قادتنا، ومثقفينا البارزانيين، يجب أن لاننساهم، وعندما تأتي اليوم لتقييم هؤلاء، ونرى أن البارزاني هو أحدهم و في القمة، لذا فأن ذكرى البارزاني هي افتخار بتاريخنا، وافتخار بماضينا و بنضالنا.

أنا كنت أحد الذين كان لهم شرف لقائه عدة مرات، وقد تلقيت منه أبلغ الدروس، ففي إحدى المرات كتبت مذكرة إلى مؤتمر ملوك، وروؤساء العرب في الخارج، جاءت فيها فقرة تقول: ((إذا لم تحل المشكلة الكوردية في العراق، فسوف تصبح كوردستان قبرص ثانية))، كنت أقرأ للبارزاني تلك المذكرة توقف، وقال لي (اقرأها ثانية) أعدت له القراءة، قال لي: من كتب هذه المذكرة، قلت: الشخص الفلاني عند ذلك أقسمني اليمين أن ابلغه كلماته القاسية، لأن للتهديد حدوده، وقال: (إذا قلت لك أرميك بهذه الصخرة الضخمة، فأنت تضحك، ولا تحسب لتهديدي أي حساب، ولكن إذا قلت لك: أنا أعرف ماذا أفعل بك، فانت تخاف من تهديدي، ثم قال يجب أن تنتبهوا إلى اقوالكم في الخارج عندما تكتبون شيئاً، يجب أن تكتبوا بتواضع، تكتبون على هذه الشاكلة، ولا تحددون الإجراء الذي تقومون به، فشتان بيننا وبين قبرص)، وفي الحقيقة لا تزال نصيحته ترن في مسمعي.

تبين ان البارزاني لم ينس الجانب السايكولوجي، والحالة النفسية للعدو لقد حلل مغزى التهديد، وتأثيره في العدو، وإن هذا التحليل، والتفسير يتطلب مقدرة عقلية، ووعياً سليماً، وليس إدراكه سهلاً، إذ لابد أن يتوفر في القائد الاعلى منهم.

وفي موقف آخر مع الدكتور فؤاد معصوم يقول: (فعندما كتبت الرسالة العربية أعطاني دفتراً خاصاً بكتابة الرسائل أردت أن أقلب غلاف الدفتر، وأبدأ بكتابة الرسالة في أول صفحة منه قال لي البارزاني: هذا غير صحيح، بل إقطع الورقة ثم اكتب عليها فوق جلد الدفتر، حتى لا تترك الكتابة أثراً على الصفحة الثانية من الدفتر)، فأخذت بهذه النصيحة القيمة درساً آخر في العمل الدبلوماسي السياسي، ليحتفظ سريته، لئلا يستفيد من الأثر المتروك على الصفحة الثانية، ويستغلونه.

هذا الإحساس للبارزاني نوع من العمل الدبلوماسي يتطلب اليقظة، والإدراك، وهذا يعود إلى ذكائه، وقدراته الادراكية، كالإدراك السياسي، والإدراك الاجتماعي.

و يبدو أن موقف البارزاني مع الدكتور فؤاد معصوم يحمل بين طياته بعداً أمنياً لكل من يعمل ضمن صفوف الأجهزة الأمنية يدركون ما ذهب إليه البارزاني.

ثانياً: الاهتمام بالامن العالمي، وأمن المواطنين.

من المواقف الدالة على اهتمام البارزاني بصيانة، وحماية السلم، والأمن الدوليين، هو تقديره، وتثمينه لموقف الاتحاد السوفيتي في (18/11/1962) من أزمة البحر الكاريبي إذ يقول: إن البشرية مدينة لهذا الموقف الشجاع الذي ساهم بشكل جدي في صيانة السلم، والأمن في العالم، إلى جانب حماية كوبا هذا في الوقت الذي كان يدور فيه لغط صاخب حتى لدى بعض الأطراف التقدمية عن تخاذل الاتحاد السوفيتي، وتراجعه أمام الولايات المتحدة الامريكية.

ومن جانب آخر كان البارزاني مهتماً بتوفير الأمن للمواطنين، ويقف ضد الظلم، وتقاعس حقوقه، وقال في مواضع كثيرة بأن الهدف من قيامه بالحركة التحررية هي: توفير حياة آمنة، ومستقرة لمواطني كوردستان، ويروى (عزت سليمان بك دركلي/ شخصية اجتماعية) ويقول: كان البارزاني ضد الظلم، فلو كان يصل إلى علمه ان الظلم يقترف في مكان ما، فأنه كان يغيثهم، فلو كان شخص ما يقتل رجلاً دون وجه حق، كان ينبغي ان يُقتل، روى حادثة في عام (1964) في بشدر كان أحد أشراف بشدر قد تعارك مع رجل من قريته، وأطلق على رجله النار من بندقيته... جاء أقاربه الى البارزاني وإشتكوا، وبينوا كيف أن هذا الرجل قد جرح دون وجه حق، فأمر البارزاني أن يجلبوا المعتدي، وحين أتووا به قرروا أنه يجب ان يطلق النار على المعتدي في نفس المكان المماثل لجسمه هو، ورغم أن العديد من رجالات بشدر جاء عنده، وطلبوا العفو له، لم يوافق البارزاني إلى أن جاء الرجل الجريح نفسه عنده، وقال سيدي... إنني قد صفحت عنه، وإننا قد أتفقنا، وأصبحنا أخوين، ولم يبق بيننا ما يعكر صداقتنا، حينئذ رضي وصفح عن الرجل .

 

أصل المقال مقتبس من مشروع كتابنا (البعد الأمني في سياسة البارزاني)