الاختلاف: وهل هناك حقيقة أخرى؟

Kurd24

"على العالم ان يعترف بالاختلاف الموجود في العراق، او أن ينتظر مئة عام أخرى من الفشل" هذه العبارة تعود إلى أحد القادة المهميين بكُردستان العراق، هو كاك مسرور البرزاني، نطق بهذه العبارة في لقائه مع المبعوث الأوربي، ولفت نظري لسببين، الأول انّ العبارة تحمل في طياتها حقيقة كالشمس، والثانيّة، أنا شخصيّاً أرتاح عندما يستعير القادة عبارة في خطابهم السياسيّ تشبه (أوهي) حكمة.
والحق، أن سبب الإشكال القائم الآن بين مكوناتنا المجتمعيّة والسياسيّة، هو عدم قدرتنا على اكتشاف الاختلاف مع أننا نعيشه في كل لحظة من حياتنا. أسريّاً: حيث الاختلاف بين الزوج والزوجة، إذ ترغب الزوجة أن يفعل الزوج كما تريد هي، والزوج يرغب من زوجته أن نكون كما يريد هو، بيد أن البنية الجسمانية والنفسية وحتى السلوكيّة مختلفة، ولذلك نرى الخلاف سيد الموقف، وتاليّاً لا مستقبل سعيد للأسرة.
اجتماعياً: لا نقبل بالاختلاف، ولا نعترف بالتباينات، ولا نكترث بالفارق بين مجتمعاتنا، أنماط مختلفة، وميول مختلفة، ومصالح مختلفة، ولو قفزنا فوق كل هذه الاختلافات فمجتمعنا سيتحوّل شيئاً فشيئاً الى كيان وإن بدا كيانا متسقاً لكن في باطنه "جثة هامدة" بلا روح.
سياسيّاً: لا نعترف بالاختلاف، إنما نبرز الوجه السيئ، لا نمضي بكشف الخلاف بين رؤانا السياسيّة، ولا نقول من الطبيعي أنّ ثلة من ساسة يحملون رؤية واحدة وبالمقابل ثلة أخرى يحملون رؤى مختلفة وفي النهاية الرؤى تكمل بعضها البعض، وإلا لكان كل مجتمع له حزب واحد أوحد بلا اختلاف وبلا ألوان وبلا برنامج، وهذا هو سلوك الشموليّة السياسيّة، او نتاج فكر استاليني، والذي أحرق الفكر وتطوره لعقود من الزمن، وصار سبباً لسقوط منظومة دول أوربا الشرقيّة.
في العراق، في سوريا، أو في أي بلد آخر، لا يوجد مجتمع أو كيان سياسيّ يملكون جينات واحدة واقصد هنا مجازاً مفردة الجينات، وحتى في بطن الجغرافية العربيّة، أي الخليج العربيّ وان كان الكل عرب، لكنهم يختلفون في المذاهب والطوائف والولاء، وفي أوربا أيضا ثمة كاثوليك وبروتستانت وهكذا ..هذه طبيعة بشرية أن يكونوا في نفس اللون او في نفس النمط والتفكير وإلا لكان الله خلق فرداً واحداً معبّراً عن كل العالم.
ولا نستغرب، إنّ الله، وان خلق القبائل والشعوب ليتعارفوا، فان النفس البشريّة الشريرة تقف في وجه هذا التنوع الذي أتى في كتاب الله.
الكاك البرزاني، يشير بوضوح إلى سبب المشكلة ، أو أم المشاكل في منطقتنا هو عدم اعترافنا بأنّا مختلفون في الرؤى والانتماء والتطلعات، والاعتراف بهذا الاختلاف هو الحل الرشيد بعينه. على الرغم من أنه ثمة من يسلط الأنانية في مقاربتنا لواقعنا، وبدلاً من مساهمتنا في الاعتراف بحقيقتنا، ونعيد لكل مختلف معنا هيئته، ونشاركه على أساس أننا مختلفون الرؤى وفي الهويّة لكننا متعايشين بحكم المنطق التاريخيّ أو استجابة لحالاتنا الإنسانية.
بقي القول: إن الاختلاف الذي لا نعترف فيه، ونصرّ على محاولة انصهار لكل مختلف عنّا، فانّ مشاكل المنطقة ستدوم، ومن يدري ربما، بعد مئة عام يصبح سبباً لإزالة الكل من التاريخ نفسه، إذا لماذا الهروب الى الأمام ونتهربّ من الاعتراف بالحقيقة أي الاعتراف بالاختلاف؟!