بارزاني والاستفتاء وعبدالناصر وتأميم القناة.. هل يعيد التأريخ نفسه؟

Kurd24

بعد انتفاضة 1991 في كردستان العراق لعبت الاحزاب الكردية داخل منطقة الحظر الجوي شمال الخط 32 /36 التى فرضتها الامم المتحدة على نظام صدام حسين دورا تعبويا تكاد تنحسر نشاطها وفعاليتها السياسية والاقتصادية والحزبية على التأقلم مع الواقع الجديد والعمل على ابعاد مخاطر الحكومة العراقية آنذاك على اقليم كردستان ولو لبرهة من الزمن من خلال التفاوض مع نظام صدام حسين للحصول على حكم ذاتي لاكراد العراق لكن هذه المفاوضات لم تنل استرضاء الجانب الامريكي وبحكم الواقع كان وطأة الحوار بين أربيل وبغداد أخف الامرين وأضعف الايمان والسبب أن حيثيات تلك المرحلة والقرار الصادر في أروقة الامم المتحدة في ذلك الحين برهنت أن الملف الكردي لم تتعد بعد الجانب الانساني واكتفاء الوضع القائم آنذاك بوجود المنظمات الانسانية فقط لتقديم الدعم الانساني للسكان كما برهنت الاحداث هذه الحقيقة وحتى سقوط النظام العراقي في عام 2003 ، وفي أعقاب تلك المرحلة من تسعينات القرن الماضي دأب اكراد العراق وخاصة الديمقراطي الكردستاني والوطني الكردستاني على مسايرة الاحداث بما يحفظ لهم كيانهم وديمومتهم المجسمة وفق الاملاءات الغربية بنكهة أمريكية تلعب وراء القضبان لمعاداة الرئيس العراقي السابق صدام حسين وقد رآها البعض كيانا ورقيا وذلك لان الدول المحيطة الاربعة بالإقليم كان ينتهزون أقرب الفرص للانقضاض على تلك التجربة التي تشكل خطرا على مكوناتهم العرقية والاثنية من جهة وعلى مستقبل خريطة المنطقة من جهة اخرى اضافة الى العامل الداخلي الموجود داخل الاقليم الكردي من حيث التصارع بين الحزبين الرئيسين آنذاك بسبب اختلاف الرؤيا في كيفية التعامل مع الاجندة التركية والإيرانية والمطالب العراقية يضاف الى ذلك حالة الفساد الاداري المستشري داخل الاقليم وصراع الحزبين على الموارد الكمركية والتي خلقت اقتتالا داخليا مهد الطريق اكثر للتداخلات الاقليمية لدول الجوار خاصة ايران وتركيا والعراق بحيث خلقت حالة من توزيع الادوار بين الحزبين المتصارعين فقد ركز الحزب الديمقراطي بزعامة بارزاني على توسيع علاقاته السياسية و الاقتصادية مع الجانب التركي ومحاولة الاحتفاظ بعلاقات متوازنة مع بغداد كتخطيط مستقبلي للاستفادة منها في أوقات الضيق خاصة تجاه المخاوف القادمة من ايران وكان نتاجها استعانة الديمقراطي الكردستاني بالحكومة العراقية في آب 1996 لصد النفوذ والاجتياحات الايرانية داخل الاراضي العراقية التي مهد لها الطريق جماعة طالباني لتغيير كفة المعارك لصالحهم والاستيلاء على بقية الاماكن الواقعة تحت سيطرة حزب بارزاني بينما اختار الامريكان دور المتفرج ظاهريا ولعبوا دورا محوريا في إعطاء الضوء الاخضر لحزب بارزاني لتسهيل العملية العسكرية وقطع الطريق أمام الكاريدور الارضي الايراني أو ما يسمى بالهلال الشيعي الممتد الى سوريا عبورا بأراضي كردستان العراق وخاصة داخل منطقة نفوذ حزب بارزاني، بينما استمر هذا الدعم الايراني لحزب الطالباني الى اليوم وكان نتاج هذا التعاون بشقيها السياسي واللوجستي تسليم كركوك في 2017/10/16 الى الاحزاب الشيعية الموالية لإيران بتخطيط مباشر من قائد لواء جيش القدس الايراني قاسم سليماني ،، لقد برهنت الاحداث الماضية بعد سقوط النظام  أن صدام حسين على الرغم من دكتاتوريته وما أرتكبه من أخطاء جسيمة فقد كان رقما مناسبا و حائطا وسدا منيعا لتحجيم النفوذ الايراني في المنطقة وأن السياسة الامريكية لم تكن موفقا بالشكل المطلوب لرسم السياسات المستقبلية في العراق بعد سقوط النظام وكانت الادارة الامريكية متسرعا نوعا ما في قراره حيال سقوط صدام ومعهم حلفاءهم من دول الخليج باستثناء الكويت بسبب غزو الكويت ويلاحظ  الان على دول الخليج افتقادهم للدور العراقي في صد أنشطة ايران كما حدثت في الحرب العراقية الايرانية وبتر نواياهم التوسعية في المنطقة وذلك بعد رحيل صدام حسين والذي كان يتزعم المحور السني في ردع ايران وكان بمثابة حامي البوابة الشرقية لدول المنطقة والغرب أمام المد الشيعي الذي بدأ يرى النور بعد سقوط صدام  الذي يحن الى أيامه الان  غالبية الشعب العراقي ولهم ما يبررون به هذا الحنين ؟ لذا نستطيع القول وبكل ثقة أن الادارة الامريكية وعبر سقوط صدام مكن الايرانيين من الاستحواذ على المنطقة برمتها دون أن يكون سقوط النظام إيذانا ببدء عراق ديمقراطي جديد لكل المكونات ومن بينها الاكراد كما طبل لها الحلفاء الغربيون وخاصة الادارة الامريكية آنذاك، والآن وبعد فشل مآلات ومخاضات ولادة عراق جديد وسقوط الادارة الشيعية برمتها في وحل الفشل وفي كافة القطاعات الحيوية من حيث البناء والأرض والسماء والثروات والحقوق و الملف الامني وهجرة العقول العراقية الى خارج العراق أو الى مدن اقليم كردستان وحتى الثروة المائية لم تسلم من تلاعب الجوار بمقدراتها، وبعد خيبة أمل أصاب الجانب الكردي من نيل حقوقه في بغداد تحكمها غالبية شيعية طائفية موالية لطهران لجأ الاكراد الى مشروع الاستفتاء على الاستقلال بمباركة اسرائيلية حسب ما روج له في وسائل الاعلام وقد تزعم مسعود بارزاني هذا المسار بحماس محاولا بذلك أن يمزق خارطة سايكس بيكو التي يراها الاكراد حصيلة مئة عام من تهميش حقوقهم القومية وأن يجسد الزعيم الكردي ويتوج نضاله السياسي ببناء دولة مستقلة للاكراد خاصة بعدما لعب الاكراد دورا حيويا في محاربة الارهاب لكن دون أن ينالوا مكافأة تشفي غليلهم في نهاية المطاف؟ وكان قلوب غالبية الكرد مع بارزاني في مسعاه للاستقلال  لكن وطأة السيوف كان عليه وبالمرصاد فدول الجوار اجتمعت قاطبة لإفشال هذا المشروع الذي يجسد ويشكل وطنا للأكراد التي لا يرجو لقاءه بغداد وطهران وأنقرة ودمشق بينما اختار الامريكيون والدول الاوروبية عدم إثارة الدول العربية وعدم تفكيك العراق في الوقت الراهن فضلا عن مصالحهم الحيوية مع المحيط العربي؟ مع مراعاة التوازنات الاقليمية خاصة مع الجانب التركي والعراقي وأن المنطقة برمتها لا تتحمل أكثر  ما هو عليه الان من حروب وهيجان سياسي خاصة في العراق وسوريا والتذرع بانشغال الكل بمحاربة داعش وذلك لصرف الانظار عن هذه الخطوة الكردية الاحادية الجانب لذا تمخض موقفهم باعتبار الاستفتاء قرارا في غير توقيته ولا يخدم واقع الاكراد في العراق وأنهم لا يتحملون تداعيات قرار بارزاني المليء بالمخاطر باعتباره رئيسا لإقليم كردستان آنذاك بينما تحدى بارزاني الخطوط الحمراء و الاملاءات والنصائح الغربية ودقت ساعة الصفر الخطيرة بإجراء الاستفتاء في موعده المحدد محاولا بذلك دق المسمار الاخير واللمسات الاخيرة على نعش سايكس بيكو بإصرار قل نظيره في مسيرة حياة بارزاني السياسية ويجب القول أن الغالبية العظمى من الاكراد كان مع الاستفتاء كما برهنت نتائجه على ذلك بنسبة 93% لكن التخطيط لتداعيات ما بعد الاستفتاء لم يكن موفقا وحدث ماحدث باستئصال كركوك من قبضة الاكراد نتيجة تعاون فئة معينة داخل الاتحاد الوطني مع الايرانيين وما خفى أعظم؟ اضافة الى عدم  أخذ الوضع الداخلي في كردستان بالاعتبار من حيث تأزم العلاقة بين الاحزاب والجانب الاقتصادي للمواطنين والذين كانوا يترنحون تحت وطأة ظروف مالية صعبة بعد قطع الميزانية عن الاقليم من قبل بغداد ويبدوا أن ذلك القرار كان ايرانيا بحتا لتركيع بارزاني أمام الاملاءات الايرانية يضاف الى ذلك تذمر المواطنين والكادر الوسطى والمتقدم داخل الاحزاب ومن صفوة المثقفين بالذات داخل الاقليم من تصرفات بعض المسؤولين في الطبقة الحاكمة من حيث الفساد الاداري والحزبي وتكديس الاموال بطرق غير شرعية دون أن تكون هنالك إجراءات رادعة لمحاسبتهم بطرق قانونية ممنهجة ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب بما ينسجم مع كفاءات الفرد بعيدا عن الاملاءات الحزبية والمحسوبية والمنسوبية المنتشرة في دوائر الاقليم وداخل المراكز الحزبية ناهيك عن أن الوريد الاقتصادي للإقليم معتمد بشكل شبه كامل على بغداد وتركيا وإيران بحيث لم تستطيع السلطات الكردية طيلة 27 سنة من عمر حكومة الاقليم العمل على تأمين وتوفير الاكتفاء الذاتي لمواطنيها من المواد والسلع الغذائية الاساسية اضافة الى سيطرة بغداد على حركة مطارات الاقليم والذي اغلقت فيما بعد نتيجة الاستفتاء فضلا عن لجوء السلطات في كردستان الى رفع العلم الاسرائيلي أثناء الحملة الدعائية للاستفتاء والترويج للدولة الكردية مما أثار حفيظة الايرانيين والعرب والأتراك باعتباره عملا استفزازيا يعكر مزاجهم وخطرا يلوح في الافق على كيان دولهم، مع هذا يمكن اعتبار خطوة بارزاني لنيل الاستقلال وثيقة تاريخية أو سند قانوني مدعوم من الشعب لترجمة الدولة الكردية المنشودة الى واقع مرئي رغم التداعيات والدليل على ذلك عندما قام الزعيم العربي الراحل جمال عبدالناصر بتأميم قناة السويس في 26 يوليو من عام 1956 قام البنك الدولي بوقف التمويل لبناء السد العالي في مصر وتعرض المصريون لعدوان ثلاثي غاشم مثلما تعرض له اقليم كردستان لكن صمود المصريين مثلما هو الحال في كردستان ترجمة خطوة عبدالناصر في تأميم القناة الى الواقع وسيترجم استفتاء اكراد العراق بقيادة بارزاني الى مثال حي نراه قريبا وذلك مرهون بمفاجآت الايام الحبلى في وقت تتوعد فيها الادارة الامريكية الجديدة الاخطبوط الايراني بمزيد من الاجراءات الوقائية الرادعة حفاظا على أمن اسرائيل ودول الخليج.

 

ملحوظة: هذه المقالة تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تتبناها كوردستان 24 بأي شكل من الأشكال.