بارزاني من منظور أمني (ح/2)

Kurd24

محاربة بارزاني نفسياً

بحكم مكانة بارزاني في الحركة التحررية الكوردية، ودفاعه المستميت عن حقوق هذا الشعب المسلوب من ابسط حقوقه المشروعة، فأنه كان دائماً عرضة للتهديد والمؤامرة من قبل الأعداء لذا كان لزاماً اتخاذ كافة التحوطات الأمنية وان ظروف حياته كانت عاملاً وحافزاً مهماً لتنمية الحس الأمني لدى بارزاني بالإضافة الى الصفات الامنية المتوفرة في شخصية بارزاني الخالد لدوره القيادي والخبرة المكتسبة.

إن بارزاني قد واجه في حياته أشكالاً مختلفة من المؤامرات والدسائس من قبل الأعداء، وقد حاربوه بالحرب النفسية في سبيل التأثير عليه، وعلى الشعب الكوردستاني برمته.

منذ ظهور بارزاني كقائد قومي ووطني، أدرك الأعداء حقيقة أن بارزاني قد اتخذ له موضعاً بين جميع طبقات، وشرائح المجتمع الكوردستاني، فحاولوا زعزعة هذا الموقع الجماهيري، وعكسه خلال مرآتهم المظلمة وتصويره من خلال هذه المرآة.

ومن أجل هذا الهدف شرعوا في بث الدعايات، والتهم المسمومة، وكانوا يسعون لإفهام الناس بأن بارزاني هو عميل الأجانب.

وكانوا دوما يناهضون بارزاني، ويغيرون السبل التي يسلكونها، فسلكوا طريقا ’خر لمناهضة بارزاني، والوقوف ضده، وكان هذا الطريق، طريق تفكيك موقعه الجماهيري .

كثيرا ما أعلنت الحكومات العراقية في العهدين الملكي، والجمهوري كذباً بأن بارزاني قُتِلَ، أو جرح في المعارك، هذا فضلا عن المحاولات التي جرت لتسميمه، واغتياله بشتى الأساليب، وقد نشرت السلطات العراقية خبر "مقتل" بارزاني وجرحه في الصحف، والاذاعة بثت "مقتله"، أو جرحه في تشرين الأول ١٩٦١، ونبأ قتله في تشرين الثاني ١٩٤٧. وفي سنة ١٩٦٢ نشرت الصحف العراقية نبأ موته ست مرات متتالية، وعندما لم تتمكن السلطات العراقية من أن تناله، وهو على قيد الحياة حاولت في ٥ حزيران ١٩٨٠ إخراج جثمانه من القبر في مدينة شنو في كوردستان إيران، لإخفاء أي أثر له، إلا أنه و بمساعدة المخلصين لم تنجح خطة تلك السلطات، واليوم يزار ضريحه في مسقط رأسه وهو محط احترام و اعتزاز كل كوردي، ينظر إلى الملحق رقم واحد. إن نشر هذا البيان كان له وقعه السلبي على معنويات الجماهير المظلومة، لأن بارزاني كان رمزا للنضال، والكفاح، وهذه الإشاعة قد فعلت فعلها السيئ في أذهان الناس، وخلقت جوا كئيباً، وفي الحقيقة كان بارزاني في ذلك الوقت في قرية (بردانكه) بالقرب من (رانيه)، وشعر بتأثير هذه الإشاعة على الجماهير لذلك انتقل بنفسه الى منطقة خوشناو، وفي تلك الأثناء كانت فرقة أعلام ثورة أيلول حاضرة هناك..... توجه بارزاني إليهم وقال "انتم الحاضرون هنا لابد، وإنكم سمعتم بالخبر، و من أجل إزالة الهموم من نفوس الجماهير الكوردية أذيعوا في إعلامكم وبرهنوا على كذب الإشاعة لطمأنة الجماهير، وكشف ادعاء العدو الكاذب، على كل حال فإننا اليوم أو غدا سنلقي ربنا ونموت، و الشيء المطلوب منكم أن تكتبوا إيضاحا و تنشرون".

وجاء في كلمة بارزاني يوم افتتاح إذاعة صوت كوردستان العراق في ٢٠/٨/١٩٦٣ "(أيها الشعب الكوردي العزيز .... قبل كل شيء أفتتح المحطة باسم العلي القدير داعياً أن يهبنا العون، لكي ننتصر في سبيل الحق، والعدل، والصدق،.... لا تصدقوا أكاذيب العدو، وأراجيفه، ولا يرهبكم التهديد، والوعيد وكونوا على حذر من خداعه، وأضاليله، فمهما يكن أمر هذه العصابة، فإنهم خلفاء أقزام لسلفهم المقبور (قاسم)، وإن نضالنا الثوري الجبار الذي زعزع أركان الحكم القاسمي، كفيل بعون الله تعالى بإلحاق الهزيمة، والاندحار الحميمي بالمعتدين الجدد أيضا".

ومن الأساليب الأخرى التي لجأت إليها السلطات العراقية في محاربة بارزاني في مسيرته النضالية نفسياً من أجل التأثير على روحه المعنوية، وزعزعة ثقة الجماهير الكوردستانية به، هو خلق قادة و كتل كارتونية من أجل زرع بذور التفرقة، وتجزئة صفوف الجماهير بصورة عامة، والمناضلين على وجه الخصوص ودفعوا بهؤلاء القادة، وهذه الكتل بين الجماهير وقدموا لهم شتى صنوف التعاون، ليحلوا محل بارزاني، ويصبحوا بديلاً له، حتى يصبحوا هم و عن طريق هؤلاء اصحاب القضية الكوردية.

وحاولوا التقليل من دور بارزاني بترويض القادة المصطنعين، وتوجيههم لأجل مصالحهم، وتعريفهم كقادة للشعب، وساقوهم إلى ميدان المنافسة مع القائد الأصيل، وذلك بغية التقليل من قواه، وبقدرته، وتفكيره واشغاله بالمشاكل الداخلية، والتقليل من قيمة دوره التاريخي.

وفي رد بارزاني للسؤال الموجه اليه عند تصريحه لإذاعة صوت كوردستان العراق في يوم ٣/١٢/١٩٧٤ وأذيعت في برامج يوم ٥/١٢/١٩٧٤ (سؤال: تحاول السلطة بشتى الوسائل خلق كتل كارتونية، وفرضها على الناس، بأنها تمثل الشعب، وتدعى أن الحكم الذاتي لكوردستان العراق قد تحقق بواسطة تلك الكتل الكارتونية، وبهذا تنكر السلطة للقوى والجماهير الكوردية الرئيسة، علما بأن النظم السابقة أيضا كثيراً ما كانت تلجأ إلى مثل هذه الأعمال) .

الجواب من بارزاني: "إن تكوين الكتل الكارتونية، والتشدق باسم الحكم الذاتي ما هو إلا هراء، وعدائي، ولا يمكن لتلك الكتل تمثيل الشعب الكوردي بأي شكل من الأشكال، وإن هذه الكتل، ومعها السلطة الحاكمة ليسوا أعداء العرب والكورد فحسب، بل يعملون ضد مصالح الشعب العربي عامة، و الجدير بالذكر إن الأنظمة السابقة كثيرا ما حاولت خلق مثل هذه الفئات و لكن دون جدوى".

يبدو جليا للقاصي والداني بأن البيئة، والظروف التي يعيشها الإنسان يؤثر في سلوكياته، و تصرفاته، و كثيراً ما يلعب الحاجة دوراً كبيراً في بناء شخصية الانسان، و درجة التهديدات الموجه إليه، وإن العوامل الموضوعية المذكورة كأسباب لتنمية الحس الأمني عند بارزاني، هي نتاج لتحليلنا للواقع الذي عاشه بارزاني، ودرجة إدراك أعداء الكورد لخطورته على مصالحهم عند المطالبة و الدفاع عن حقوق شعبه، وإنها عوامل شاملة، وإذا وجدت عوامل أخرى فإنها تدخل ضمن نطاق المذكور منها،  وجعل بارزاني قائداً أمنياً ذا بعد أمني في تعامله مع رجاله وضيوفه وأعدائه.

المقال مقتبس من مؤلفنا غير المنشور (بارزاني من منظور أمني).

 

ملحوظة: هذه المقالة تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تتبناها كوردستان24 بأي شكل من الأشكال.