أمن العالم في منعطفات تاريخية

Kurd24

الامن حاجة بشرية قديمة ترتبط حياة الانسان بوجوده بعلاقة حميمة تزداد تشابكاً وتفاعلاً يوماً بعد آخر، إن الجهود التي يبذلها الانسان في هذا الجانب لا يضاهيه ما يبذله في الجوانب الاخرى، لأنه يعد الاساس المتين والسند القوي الذي تستند اليه كافة الانشطة الانسانية.

إن الخطط والاستراتيجيات الامنية التي تعتمد عليها الدول والمجتمع الدولي بأكمله تتنوع وتتغير اعتماداً على مصادر التهديد الموجه الى امن تلك الدولة ودرجة ثقافة وتماسك مكونات ذلك المجتمع وقوة الترابط فيما بينهم، وذلك لأن مصادر التهديد تبحث عن اضعف الحلقات الموجودة لاختراقها وتحقيق اهدافها، لذا فان اختلاف الاجراءات الامنية بين دولة وأخرى أو بين فترة واخرى داخل الدولة الواحدة يشكل حالة طبيعية مألوفة.

بعبارة اخرى إن الاستراتيجية الامنية التي تضعها دولة معينة ليست بالضرورة أن تكون صالحة لدولة اخرى اوان التي تضعها في فترة محددة من غير الممكن ان تكون مناسبة لفترة اخرى، وان كانت تعتمد على اسس مشتركة أو وجود اوجه الشبه بينهم وان القصد من المنعطف التاريخي لأمن العالم هو تغيير في مصادر التهديد مما يستدعي تغيير في اليات مواجهة تلك المصادر.

إن تحقيق الامن وتأمين حياة خالية من الخوف والإرهاب يعد مطلباً انسانياً رغم وجود عناصر تحمل الكراهية والحقد الدفين لأسباب متعددة تحاول الانتقام وتنشر الفزع بعمليات ارهابية تذهب ضحيتها العشرات من الابرياء .

تتكاتف الجهود الدولية سواء بإصدار القرارات او اقامة المنظمات والأحلاف العسكرية والأمنية وعقد المؤتمرات المتوالية وتوقيع الاتفاقات الثنائية والثلاثية او اكثر من اجل الحد من الجريمة المنظمة والإرهابية والاتجار بالبشر وغسل الاموال وكل فعل يمس بحياة الانسان وكرامته واحواله، ولكن طبيعة الحياة وتطورها كثيراً ما يفسح المجال امام الجناة لارتكاب افعالهم الدنيئة، ومن المنعطفات التاريخية التي أثرت على طبيعة الاجراءات الامنية بل تؤدي الى تشديدها وانتقلت بتلك الاجراءات الى مرحلة اخرى وان هذه المنعطفات تمثل الفاصل بين مرحلتين تختلف اجراءاتها الامنية وتصوراتها ومصادر تهديدها وطريقة التعامل معها ومعالجتها ومنها :-

1- انتهاء الحربين العالميتين اللتان كانتا تمثلان اكبر كارثة انسانية في القرن العشرين من حيث عدد القتلى والمشردين والدمار والتي انتهت بانتصار دول على اخرى لتضع الدول المنتصرة استراتيجية امنية مناسبة لها وللواقع الجديد كانت تختلف عن استراتيجياتها قبل الدخول الى الحروب وأثناءها حيث تم انشاء منظمة الامم المتحدة (مجلس الامن) بعد فشل عصبة الامم سعياً منهم لحفظ الامن والسلم وكذلك تم انشاء العديد من الاجهزة الامنية المحلية التي كانت تلعب دورها ولا تزال، ودخل العالم الى حرب باردة بين القطبين الشرقي السوفيتي والغربي الامريكي كانت حروب بالوكالة والحصول على المعلومات اعتماداً على قوة الاختراق وزرع المصادر سمات تلك المرحلة واستمرت لحوالي نصف قرن كانت الدول تأخذ ما تشاء من اجراءات لحماية امنها تحت ذريعة السيادة الوطنية .

2- انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1990 وتقسيمه الى عدة دول ودخول العالم الى احادية القطبية وبروز مصطلحات جديدة على الساحة الدولية منها العولمة بجميع انواعها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والامنية والتي تعني بأبسط معانيها ازالة الحدود ومبدأ التدخل الانساني الدولي والتي اثرت بشكل كبير على سيادة الدول واضعفتها فلم تعد مسؤولية امن الفرد مسؤولية الدولة التي تنتمي اليها مسؤلية الجميع فلم تعد الاجراءات الامنية تضع بعيداً عن التطورات الدولية بل يجب ان تنسجم معها وتتناسق عن طريق تبادل المعلومات وتسليم المتهمين وعقد الاتفاقيات الامنية خاصة بعد ظهور مصادر تهديد عالمية لا تعرف الحدود منها الارهاب والجريمة المنظمة والاتجار بالبشر وغسل الاموال وغيرهم مما يستوجب جهود دولية مشتركة للحد منها والوقوف بوجهها.

3- احداث 11 سبتمبر عام 2001، بعد تفرد امريكا بقيادة العالم لحوالي عقد من الزمن انهار منظومتها الامنية امام قيام مجموعة من الارهابيين بخطف عدة طائرات مدنية والهجوم بها على وزارة الدفاع وبرجي التجارة العالمية ذهبت ضحيتها الآلف فقد كانت الصدمة والمنعطف الذي يستدعي المراجعة واعادة التنظيم اضطرت امريكا الى اعادة الهيكلة وتحولت الى حالة الهجوم بعد الدفاع ووضعت استراتيجية امنية اتخذت من النقاط التالية انطلاقاً منها نحوحماية امنها :-

أ‌- ضرب الجماعات الارهابية اينما كانت بالتنسيق مع الدول الاخرى اوبشكل منفرد أي محاربة الارهاب خارج حدودها .

ب‌- تقديم المساعدات اللوجستية والمادية للدول والشعوب التي تقف بوجه الجماعات الارهابية خاصة في العراق وافغانستان .

ت‌- محاربة الدول التي تساعد الجماعات الارهابية مادياً ومعنوياً مثل ايران باعتبارها المصرف المركزي للارهاب وفرض العقوبات الاقتصادية عليها لأضعافها .

ث‌- الدخول في تحالفات امنية وعسكرية عالمية لمحاربة الارهاب وعقد المؤتمرات للوقوف على مناطق القوة ومعالجة نقاط الضعف.

ج‌- تشديد الاجراءات الامنية الداخلية في المطارات والمنافذ الحدودية وتحديد المشكوكين واجراء المتابعة اللصيقة عليهم ومراقبة الاتصالات وحجز المشتبهين وفق قانون باتريوت الصادر بعد احداث (11) سبتمبر .

4- الربيع العربي عام 2011 وما تلته من تداعيات سياسية واجتماعية وعسكرية وامنية اثرت بشكل كبير على الخطط الامنية لدخول المنطقة الى فوضى عارمة .

هذه اهم المنعطفات التي اثرت في شكل الاجراءات الامنية المتخذة بشكل عام وان كانت هناك منعطفات محلية او اقليمية لا ترتقي الى العالمية .

 

ملحوظة: هذه المقالة تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تتبناها كوردستان 24 بأي شكل من الأشكال.