لماذا استفتانا الرئيس؟

Kurd24

المستفتي لا يسأل إلا في أصعب حالاته، ولا يطلب الإفتاء لغير أهله. أما إذا كان المستفتي يطلب من الشعب بكامله أن يفعل ذلك، فان المعادلة تتغير بالتأكيد، فيصبح الاستفتاء لمصلحتهم هم، لا لمصلحته هو، هذا هو حال الاستفتاء الجماهيري التي تطلبه سلطة ما أو شخص معين لعامة الناس، كما كان استفتاء كوردستان الذي دعا إليه الرئيس مسعود بارزاني قبل عامين.

ولكن لماذا استفتانا الرئيس، هل كنَا فعلا بحاجة اليه؟ إذا نظرنا الى تأريخ كوردستان، البعيد منه والقريب، سيظهر لنا عنوان واحد وهو: إن استمرارية الاستبداد الذي عاشه الشعب الكوردي عبر السنين، ليس إلا نتيجة كوننا جزءا من غيرنا ظلما وجورا ولم يكن لنا خيار في هذا التمزق الذي خطه الاستعمار فتم إلصاقنا بغيرنا دون ان نكون وإياهم يوما مواطنين متساويين في الحقوق. بعد سقوط صدام ونظامه البائد، تمنينا من العراق الجديد، ما يتمناه الظمآن في البيداء، لكن قلوبهم كانت جوفاء أكثر من صحرائهم. فإن أتباع الإمام علي (كرم الله وجهه) انتزعوا اللقمة من أفواه الناس، وفرقوا بين أبناء العراق الى أقوام وطوائف عدة. فمثلا نحن الكورد، حاربونا بسلاحين، القومية والطائفية، لأننا لسنا منهم في كليهما.

وبعد الاستفتاء، هؤلاء الذين يجددون العزاء سنويا من ظلم دم الحسين (رضي الله عنه) تلطخت أياديهم بدماء الكورد في كركوك وخورماتو، فقط لأنهم قالوا كلمة واحدة: نريد أن نكون جزءا من شعبنا.

يقول الرئيس بارزاني قبل الاستفتاء في مقابلة مع "الشرق الأوسط": "أنا محبط بشكل كبير. بعد عام 2003، في البداية الكل يعرف إننا قمنا بعمل كبير في التهيئة لإسقاط النظام عام 2002 والاشتراك في العمليات العسكرية، ولسنا نادمين، لكننا كنا نتصور أننا سنحصل على فرصة مناسبة أو فرصة العمر في عراق جديد، عراق مبني على المحبة والتآخي عراق ديمقراطي فيدرالي، وبذلنا جهوداً كبيرة في سبيل تحقيق هذا الهدف من مجلس الحكم إلى موضوع الدستور وصياغته ومن ثم التصويت على الدستور، ولولا شعب كردستان ما كان الدستور سينجح. هيأنا الأجواء وقمنا بدور كبير، وعندما فاز الدستور في الاستفتاء قلنا: الحمد لله، الآن أصبح كل طرف يعرف حقوقه وواجباته. ولكن بعد فترة رجعنا مرة أخرى إلى المزاج الشخصي وإلى احتكار السلطة.

النقطة الرئيسية أو عمود الاتفاق الذي صار بيننا وبين الأطراف الأخرى هي الشراكة الحقيقية، وطبعا هم أنهوا هذه الشراكة بالكامل. وهناك نقطة مهمة أخرى هي أننا اتفقنا على تشكيل دولة مدنية ديمقراطية، ومن الواضح جداً أنه يوماً بعد يوم اتجهت الدولة نحو أن تكون دولة دينية طائفية في بغداد. هذا هو الواقع لمن يريد أن يرى، ولمن لا يريد أن يرى فذلك شأنه. حرّكوا ضدنا الجيوش وقطعوا ميزانية الإقليم. كيف يمكن فعل ذلك حتى لو كانت هناك خلافات بين الإقليم وبين بغداد؟ لنفرض أن التقصير من الإقليم، ولكن كيف يجوز لرئيس وزراء أن يقطع، بجرة قلم، رزق شعب بكامله، ويقطع حليب الأطفال؟ هذه عملية أنفال بشكل آخر".

قبل الاستفتاء وبعده، ناشدوا من هنا وهناك، بأن هدف الرئيس مسعود بارزاني شخصي، ولكنه كان على العكس من ذلك تماما، فهو قبل الاستفتاء رئيسا للإقليم، وبعده تخلى عن كرسيه لأنه انجز مهامه على أكمل وجه، والكرسي هو من يحتاج اليه وليس العكس، فهو كان ومازال الزعيم الأوحد لكوردستان، ولن يُنسى فضله في التأريخ أبدا. لماذا استفتانا الرئيس؟ لأننا كنا قاب قوسين أو أدنى من الانهيار الاقتصادي، فأراد أن يسأل الشعب أهذا الذي تريدونه ممن يحكمكم، كي يرى العالم ما بداخل صدورنا ومن ثم تبدأ المراحل التي تليها وتنتشل الشعب من السنوات العجاف. فما كان هدف الرئيس اعلان دولة بعد يوم من الاستفتاء، غير أن الأيادي التي أبدا لا تشبع، أنزلت النار علينا وكان هذا خارج توقع الرئيس بارزاني، حيث قال حينها: "الظروف تغيّرت والعالم تغيّر، الآن ليس زمن حلف السنتو (أي حلف بغداد) ولا الستينات ولا زمن حلف سعد آباد (معاهدة عدم اعتداء وقعتها تركيا، إيران، العراق وأفغانستان). الدنيا الآن غير تلك الدنيا. ولكن للأسف، العالم كما هو".

وبالرغم من كل ذلك، فإن الاستفتاء، ورقة ضمان لمستقبل قريب أو بعيد لكوردستان ولن يذهب سدى لأنه كشف للعالم إرادة الشعب الكوردي، والدليل بأن أحوال كوردستان الآن أفضل من أيام بعد 16 أكتوبر (تشرين الاول) بل وأفضل من قبل الاستفتاء، وسيكون القادم مشرقاً، فالقدر يستجيب لنا، لأننا نحب الحياة.

 

ملاحظة: هذه المقالة تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تتبناها كوردستان 24 بأي شكل من الأشكال.