أزمة رئاسة مجلس النواب.. صراع سياسي أم نزاع قانوني؟!

Kurd24

شهد يوم الخميس 14 نيسان حالة جديدة لم يشهدها النظام السياسي الجديد في العراق، عندما اعتصم مجموعة من النواب واعلنوا عن اتخاذهم قرارا باقالة رئيس مجلس النواب ونائبيه وانتخاب رئيس مؤقت جديد الاكبر سناً، مع تأكيدهم على انهم قاموا بهذه الخطوة بعد تحقق النصاب القانوني لمثل هذا القرار بل وادعائهم ان 173 نائباً حضروا هذه الجلسة (الثورية) للاصلاح.

بالمقابل كان رئيس مجلس النواب (الذي تمت الاشارة اليه في العديد من تصريحات النواب المعتصمين بالرئيس السابق) هو الآخر يعلن ان جلسة يوم الخميس غير قانونية وتمت خارج السياقات الدستورية والقانونية لعمل المجلس.

وقد هلل البعض لهذه الخطوة والتي وصفها بعض ممن يحمل صفة خبيرقانوني، واعتبروا قرارالاقالة قانوني لاستناده على نص المادة 11 من النظام الداخلي لمجلس النواب من دون اي قراءة موضوعية وقانونية لما حدث وما يمكن ان يترتب على مثل هذا الاجراء من آثار وتداعيات خطيرة على الاوضاع بشكل عام وعلى العملية السياسية بشكل خاص في العراق.

ان الموقف القانوني وبعيداً عن التأثراوالتخندق لصالح اي جهة اوشخص هو ان قرار السادة النواب المعتصمين باقالة هيئة رئاسة المجلس وقيامهم بانتخاب رئيس مؤقت جديد (الاكبر سنا) هو قرار معدوم في لغة القانون، والقرار المعدوم هو القرار الذي يصدر من جهة غير ذات اختصاص ومن غير اتباع الاجراءات القانونية التي حددها القانون لاصداره، ولا يترتب عليه اي اثر او مركز قانوني لمن يتمسك به لانه لم يتبع السياقات القانونية والدستورية في اقراره.

فقد استند النواب المعتصمون على نص المادة 11 من النظام الداخلي لمجلس النواب والمنشور في الجريدة الرسمية (الوقائع العراقية) العدد(4032) بتاريخ (5/2/2007) والمكون من (152) مادة، والتي تنص على (اولا: في حالة تعذر قيام الرئيس او نائبيه بمهامهم يتولى رئاسة المجلس من يتم انتخابه بشكل مؤقت باغلبية الحاضرين للجلسة ذاتها.ثانيا : يدعو الرئيس او النائبان مجتمعين الى عقد الجلسات بموجب برنامج الجلسة المتوافق عليه في هياة الرئاسة.ثالثا : ترفع الجلسات بالتوافق او باتفاق الرئيس مع احد النائبين).

فهل تحققت حالة تعذر قيام الرئيس ونائبيه بمهامهم حتى يٌصار الى تولي رئاسة المجلس من قبل من تم انتخابه بشكل مؤقت باغلبية الحاضرين في جلسة يوم الخميس؟، كما ان رئيس مجلس النواب كان موجوداً يوم الخميس وافتتح الجلسة ثم اجلها نصف ساعة بعد حدوث اضطراب ومشادات بين بعض اعضاء المجلس والتي اخلت بانضباط وامن الجلسة، ثم من يثبت تحقق النصاب بعد ان اختلفت الروايات في عدد الحاضرين؟ ولماذا لا يقوم السادة النواب المعتصمون اذا كان عددهم 165 نائباً باتباع الطريق القانوني الصحيح الذي رسمه الدستوروهو طلب اقالة هيئة الرئاسة في جلسة قانونية؟

ان الامر لا يعدو ان يكون سوى صراع سياسي بين عدة جهات واجندات ركبت موجة الاصلاح وارادت ان تضرب ضربتها اولاً وتجرب فرض سياسة الامر الواقع او ما يشبه الانقلاب واعلان البيان رقم واحد، الذي يُدغدغ عواطف ومطالب الجماهير الواسعة من العراقيين المعذبين بنار الارهاب والفساد والذي مع الاسف يقف الكثير من رموزه واركانه في الجانب الاعلى صوتاً ومنادياً بالاصلاح والتغيير.

ان ما جرى يخالف نصاً وروحاً الدستور العراقي لعام2005 والذي تنص المادة(6)منه على (يتم تداول السلطة سلمياً عبر الوسائل الديمقراطية المنصوص عليها في هذا الدستور)، فهل ان الاعتصام واحتلال قاعة الاجتماعات وفرض الامر الواقع حتى ان كانت النيات سليمة والغايات مشروعة يجعل ما ينتج عن هذا الفعل واقعاً مشروعاً ومقبولاً؟ ولماذا يعتصم اعضاء مجلس النواب وهم المختصون باصدار القوانين في البلد؟ وهل هم بحاجة للاعتصام لتحقيق مطالبهم وهم ممثلوا الشعب؟.

ان شرعية اوعدم شرعية الجلسة وما نتج عنها من قرارات أمر واضح لأن النظام الداخلي هو في منزلة ادنى مرتبة ودرجة من القانون والدستور، وبالتالي لا يمكن الاستناد على مادة من مواده من اجل تقرير امر أواصدار قرار يمكن اقراره عن طريق مواد الدستور، وهو ما يفسر عدم تقدم اي طرف من الاطراف طعناً امام المحكمة الاتحادية.

وقدنصت المادة (49/ خامساً) من الدستورعلى (يقوم مجلس النواب بسنِ قانونٍ يعالج حالات استبدال أعضائه عند الاستقالة أو الإقالة أو الوفاة), وصدر قانون استبدال أعضاء مجلس النواب رقم (6) لسنة 2006 المنشور في الوقائع العراقية بالعدد (4024) في 19/7/2006. حيث عددت المادة الأولى من هذا القانون صور انتهاء العضوية في مجلس النواب, فذكرت في البند (3) أن من صور انتهاء العضوية هي(قبول الاستقالة أو الإقالة من مجلس النواب)، ولم يبين القانون طريقة وآليات الإقالة، ثم صدر قانون التعديل الأول لقانون استبدال أعضاء مجلس النواب رقم (49) لسنة 2007 والمنشور في الوقائع العراقية بالعدد (4049) في 27/9/2007. ونص في المادة (1/ثانيا) على(لمجلس النواب اقالة اعضاء هيئة الرئاسة من منصبه بالأغلبية المطلقة لعدد اعضاء المجلس بطلب مسبب من ثلث اعضاء المجلس).

فهل اتبع النواب المعتصمون نصوص الدستور والقانونين المُشار اليهما اعلاه؟ كما يتوجب مراعاة نص المادة (12/ثانياً) من النظام الداخلي لمجلس النواب العراقي (إذا خلا منصب رئيس المجلس أو أي من نائبيه لأي سبب كان ينتخب المجلس بالأغلبية المطلقة خلفاً له في أول جلسة يعقدها لسد الشاغر وفقاً لضوابط التوازنات السياسية بين الكتل).

ان الموضوع في حقيقته ليس نزاعاً قانونياً بل صراعاً سياسياً وهو جزء من حراك سياسي دخل الى قلب مجلس النواب، فلأول مرة رفض بعض النواب الانصياع لاوامر كتلهم وقرروا موقفاُ خاصاً لهم، بل وصرح بعضهم بانهم ليسوا اشخاصا يتم التحكم بهم عن بعد من قبل رؤساء كتلهم واحزابهم،وهو ما يعطي لهذا الموقف رغم سلبياته الكثيرة وجهاً ايجابياً جديداً وهو ظهور واقع جديد في الطبقة السياسية يؤمن ويعمل من اجل القضاء على المحاصصة الطائفية وضرورة اصلاح الاوضاع عامة وخصوصاً في الرئاسات الثلاث واستعادة دور البرلمان الحقيقي الذي كان مُصادرا من قبل رؤساء الكتل السياسية وبما يمكن ان يحقق جزءاً من متطلبات الاصلاح التي هي مطالب أغلبية العراقيين.