كورونا.. تغيير في المفاهيم الأمنية

Kurd24

التاريخ البشري مراحل ومنعطفات يحكمها قانون ثابت لكل زمان ومكان وهو قانون التغيير، أو أن دوام الحال من المحال، أي أنها ستمر بحلوها ومرها وحزنها وسرورها بسعتها وضيقها، وتبقى مجرد ذكريات في الذاكرة أو في بطون الكتب والقليل من يعتبر ويأخذ منها الدروس.

ظهور الفيروس كورونا رغم بشاعته وسرعة انتقاله ونزعته القاتلة ونتائج الإصابة به مرعبة وقدرته على تغيير نواميس الحياة على الكرة الأرضية، ولم يعد التقدم العلمي والقوة العسكرية والبعد والقرب والحالة الاقتصادية وهشاشة الروابط الاجتماعية وقوة صلابتها والأنظمة الاشتراكية أو الرأسمالية قادرة على الوقوف بوجهه والحد من انتشاره والوقاية منه، يبدو أن عدالة السماء كانت أقدر واشمل.

الجانب الأمني لم يكن بمنأى عن هذا التغيير الذي خلفه الفيروس، بل كان اكثر الجوانب تأثراً وحاجة الى المراجعة ومراعاة رسم استراتيجية أمنية لمرحلة ما بعد الفيروس، لأن غالبية المفاهيم الأمنية التي كانت متداولة على الساحة العالمية لم تعد ذي نفع أو فعالية، بسبب التغييرات الحاصلة في المجتمعات في المجال الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والثقافي، فالأمن الصحي الذي هو جزء مهم من امن أي دولة ويتمثل في الإجراءات التي تتخذها الدولة في سبيل حماية الجانب الصحي لمواطنيها لم يعد مي مأمن وان الإخفاق في تأمين هذا الجانب من الأمن يتطلب إعادة النظر في الخطط والاستراتيجيات السابقة التي لم تستطع أن تقف بوجه فيروس لا تراه العين المجردة وقادر على قتل آلاف من المواطنين وبات تهديداً فعلياً لأمن العالم باعتباره الوباء المتفشي.

إن المفاهيم الأمنية دائماً في تغير وتجدد حسب الضرورة والحاجة وتعدد واختلاف في نوعية وعدد مصادر التهديد لأمن الدول، فبعد الحرب العالمية الثانية ظهر مفهوم الأمن القومي (ظهوره كمفهوم وإن كان موجودا منذ وجود الخليقة) الذي كان يعتمد على القوة العسكرية للدولة، أي أن الدولة التي تمتلك قوة عسكرية وأسلحة تستطيع أن تحمي امنها، لذا كان سباق التسلح نظاماً قائماً بين الدول لمدة (45) سنة الى انهيار الاتحاد السوفيتي السابق الذي لم تستطع قوته العسكرية الدفاع عنه والحفاظ عليه من التفكك ودخل العالم الى نظام القطب الواحد الذي افرز مجموعة من المفاهيم الأمنية الجديدة و بات الأمن الاقتصادي هو الأساس، أي أن الدولة التي تستطيع حماية امنها الاقتصادي من التهديدات هي الآمنة خاصة ضد الجرائم الاقتصادية من غسيل الأموال والاتجار بالبشر والبطالة والفقر والجرائم الإلكترونية... الخ ، إلا أن ظهور فيروس كورونا اثبت أن القوة الاقتصادية لا تستطيع أن تقف ضد هذا التهديد، فنرى أن الدول العظمى الغنية تعاني منه اكثر من الدول الفقيرة والأمر ليس ببعد الدول أو قربها فقد أصاب الفيروس من اقصى العالم الى أقصاه.

العالم والأجهزة الأمنية بصورة خاصة بحاجة الى مراجعة سياساتها القائمة بالاستفادة من خبرة الخبراء والأكاديميين ومراكز الدراسات الأمنية المتخصصة في العمل الأمني في إعادة صياغة سياسة أمنية تناسب الظروف الآتية التي تحمل معها الكثير من المفاجآت.

باختصار، الأمن الإنساني الذي كان محكوماً بمجموعة من المبادئ والمفاهيم بحاجة الى تقييم جديد بعد هذا الفيروس الذي هز العروش والجيوش، وان الأجهزة الأمنية مطالبة الى إعادة رسم سياساتها الأمنية المعمول بها سابقا، لأن أمن الفرد بات مسؤولية الجميع.

 

ملاحظة: هذه المقالة تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تتبناها كوردستان 24 بأي شكل من الأشكال.