هل سيلقى رامي مخلوف، مصير حسين كامل؟

Kurd24

في عام 1995، قرر صهر صدام حسين وابن ابن عمه حسين كامل والذي كان يشغل منصب وزير الصناعة والتصنيع العسكري، الانشقاق عن نظام عمه والتوجه مع شقيقه صدام كامل وزوجتيهما الى العاصمة الاردنية عمان وهناك تبنى مشروع اسقاط النظام العراقي، لكنه وبتخبط في التفكير بعد ان فقد ثقة الجميع، قرر العودة الى العراق ولاقى مصيره المتوقع والمحتوم في عملية نفذها عمه وابن عم صدام انتهت بموته ومن معه.

 

السرد التاريخي الذي بدات به هو بمثابة المدخل لتوضيح شكل وطريقة وثقافة البعث وتصفية الخصوم ان كان في سوريا ام العراق ان كانت بطرق سرية او علنية او كانت التصفية مجرد ابعاد عن السلطة او تصفية جسدية يعترف بها البعث كبطولة او يسير قياديوها في جنازة من تتم تصفيته في حادثة تلخص بكلمتين : قضاء وقدر.

 

ولايمكن لمتابعي التاريخ السياسي تناسي او تجاهل ماحصل في ظل حكم الدولة البعثية السورية وتصفياتها التي اخذ العديد منها طابعا وجانبا اقتصاديا مبطنا وان كان في اطار سياسي ضعيف هش لاقيمة له، هذا الكلام ينطبق على ابعاد صلاح جديد بعد ماسمي بالثورة التصحيحية للاستيلاء على السلطة والحكم، مرورا بمقتل النجل الاكبر لحافظ الاسد باسل وصولا الى روايتي انتحار محمود الزعبي وغازي كنعان وختاما بانشقاق وهروب النائب السابق لرئيس الجمهورية عبدالحليم خدام والذي كان محظوظا اكثر من زملائه ورفاقه لانه لم يعتقل او يعدم، كل من اتى ذكرهم لم يكن سبب ابعادهم وتصفيتهم الا اختلاف في النفوذ السياسي والعسكري والمالي وتوزيع المصالح، والاخير كان دوما هو الخلاف الاهم.

 

هذا الموضوع يؤدي بنا الى آخر مستجدات الوضع السوري والذي انفجر كمفاجأة غير متوقعة، على اثر الفيديوهات التي ظهر فيها ابن خال رئيس النظام السوري بشار الاسد رامي مخلوف وهو يتمسكن على الغدر الذي الحق به (كما يقول)، منبئا بوجود خلاف عميق وقوي في اطار العائلة من شانه ان يفجر ازمة على مستوى الدولة في ظل وجود اكثر من ازمة سياسية كانت ام انسانية ام صحية تتعلق بالتعامل مع فيروس كورونا وتاثيراته الاقتصادية، ولكن لم الازمة وماهو سببها؟

 

يعتبر رامي مخلوف البالغ من العمر 51 عاما احد اهم رجال الاعمال في سوريا والمنطقة ونفوذه العائلي جعله يمتد الى الجانب الاقتصادي وحتى السياسي، فهو يمتلك شركة سيريا تيل للاتصالات و شركات اخرى لها علاقة بالاتصالات السلكية واللاسلكية، ولم يهمل مخلوف المدعوم عائليا وحزبيا جوانب النفط والغاز، والتشييد، والخدمات المصرفية، وشركات الطيران، بالاضافة الى نفوذه الممتد للقطاع المصرفي والعقارات والصناعة وحتى الاعلام بامتلاكه صحيفة الوطن وقناة دنيا الفضائية وشركة بروميديا للاعلانات .. باختصار يعتبر هذا الرجل هو المرجع الذي تعود اليه جميع الموافقات المتعلقة باي مشروع استثماري في سوريا لاي شركة، عربية كانت ام اجنبية.

 

وبمتابعة ماقاله مخلوف من كلام حمل نفسا طائفيا شكل دوما هوية النظام، من الممكن ان نفسر بانه اتخذ الخطوة الاولى من محاولة الابتعاد عن هذا النظام الذي بات مهددا بالسقوط والامر ليس الا مسألة وقت مع انه لم يجهر بصراحة حول هذا الموضوع ولم يلمح لهذا القرار ولكن، هو يخاطب قريبه الرئيس باسم القرابة والمذهب والاخلاص الذي قدمه للدولة، ويخاطب الشعب ملمحا بوجود فساد في الدولة ويجب على الدولة السيطرة عليه وعلى الفاسدين، بدليل انه استخدم لغة ناعمة وكانه يقدم برنامجا دينيا، اي انه يريد وبكل صراحة استعطاف الناس لما يحصل في الدولة، في وقت تفرض عليه الدولة تسديد مبالغ مالية مستحقة لمصلحة خزينتها تبلغ 233.8 مليار ليرة سورية.

 

ومن الواضح ان حركات الاستعطاف لم تفد (الباب العالي) لدولة البعث السورية خصوصا بعد ان اكد بان الاجهزة الامنية بدات حملة اعتقالات ضد اعوانه الذين وصفهم بالمخلصين للدولة والبعث، اي ان مخلوف قد خسر جانبه الاقوى، جانب القرابة والحزب والدولة، لذلك بين ولاكثر من مرة بانه لن يلتزم بالقرارات (المجحفة) التي تتخذ ضده وضد شركاته ومن يعمل معه، ومن جانب آخر لايمكن ان نجزم بان الجانب الدولي سيأخذ رسالته على محمل الجد (على الاقل في الوقت الحالي)، لان الوثائق الدولية التي تم جمعها عن هذا الرجل تبين بانه يحتل مكانا ضمن قائمة العقوبات الدولية لاعوان النظام السوري، بالاضافة الى كشوفات اخرى تبين حجم ثروته من جراء صفقاته الاحتكارية للشركات التي يمتلكها والتي تشكل نسبة ستين بالمئة من الاقتصاد السوري.

 

وبالعودة الى عنوان الموضوع : ماهي اوجه العلاقة بين مايحصل الان وماحصل في تسعينيات القرن الماضي لصهر صدام؟ الجواب واضح، فقد كان حسين كامل يتحكم بالحركة التجارية وصفقات الاستيراد والتصدير في العراق، لكن المنافسة العائلية وخصوصا من قبل عدي النجل الاكبر لصدام، وضعت حسين كامل في قلق مستمر وخصوصا بان اسمه ورد ايضا ولاكثر من مرة في قوائم المخربين لوضع العراق سياسيا وعسكريا واقتصاديا واعتبر شريكا في برنامج التسليح النووي العراقي، وبانشقاقه عن النظام السابق لم يلق الاهتمام الذي كان ينتظره لامن الجانب الدولي ولامن المعارضة العراقية، فكان مصيره بعد اتخاذ قرار العودة تصفيته بابشع الطرق التي عرفناها عن البعث .

 

ومع ان مخلوف لم يطالب باسقاط النظام، الا انه يلمح بوجود خلل كبير في النظام وهذا يشكل ذنبا كبيرا بالنسبة لدولة يحكمها حزب بمبدأ نفذ ولاتناقش، والانتقاد يعتبر جريمة يعاقب عليها قانونهم، اي ان المخلوف الان في اطار (نيشانهم) وينتظر دوره في التصفية في اي وقت ستأمر به قيادة الحزب بنفوذها العائلي، هذا ان لم يكن محظوظا واتخذ قراره بالانشقاق عن النظام والسفر بعيدا (مع ان الامر صعب اليوم بسبب انتشار الفيروس)، الا انه ليس مستحيلا ومن الممكن ان يتحقق عندما يضيق عليه الخناق ويساهم في بناء تيار سياسي يعارض الاسد على الرغم من الخلافات العميقة بينه وبين رفعت وريبال الاسد الذين سيعيقان عمله.ومن الطبيعي جدا ان تتدخل اطراف اخرى في طرح تسوية يعفى من خلالها عن المخلوف ، لكن الراي هنا سيكون مابين الدولة والعائلة، اي ان الدولة ستعفو عنه، لكن للعائلة رأي آخر كما حصل مع حسين كامل، وهذا ايضا متوقع.

 

الخلاصة هنا، ان رامي مخلوف لايريد ان يتحمل نصيبه من الاعباء الاقتصادية التي اثقلت وستثقل كاهل سوريا بسبب المستجدات الاقتصادية الاخيرة، وهو يعلم جيدا بانه هالك لامحالة ان دفع ماعليه، او لم يدفع . واراد في نفس الوقت ان يرسم لنفسه صورة مزدوجة ومتناقضة ليكسب بها طرفي الخصومة، الدولة التي يقودها البعث، والمعارضة الصامتة الغير راضية عن اداء البعث مع الاحتفاظ بصراحة لم نشهدها لدى اي منتقد لهم من العراق وسوريا، بالتمسك بالمذهب، لكن كل مافعله وقاله لايروق المزاج العام للحزب، فان سكت عليه من الممكن ان يعني هذا الموقف اجازة مؤقتة قبل تطبيق العقوبة التي من الممكن ان تصور في اطار القضاء والقدر او التآمر على الدولة، وان نفذت عقابها فهذا امرا طبيعيا ليس بالغريب على هذا الحزب، وبقراءة عامة للموضوع، فان ثقافة وتربية البعث ثابتة لاتتغير، ولايمكن توقع عودة مخلوف لسابق عهده واوانه، ومن الطبيعي جدا ان نتوقع له نفس مصير حسين كامل حتى وان هرب لدولة اخرى وابتعد عن سيطرة الاسد.