مغامرة احتلال الكويت.. وجهة نظر كوردية

Kurd24

ثلاثة عقود مرت على احتلال النظام العراقي السابق للكويت، في خطوة خطيرة رسم صدام حسين من خلالها وللعراق النقطة الأولى لبداية النهاية لنفسه ولبلد صنف جيشه في يوم من الأيام كخامس أكبر جيش في العالم من حيث التسليح والعدة (بالسكوت عن الجرائم الداخلية التي ارتكبت بحق شعب كوردستان وبقية الجرائم الأخرى في أنحاء العراق كافة)، ولا بد أن نسمع وبعد ثلاثة عقود ، العديد من التبريرات حول هذا الغزو من قبل المتعاطفين مع البعث وصدام أو المستفيدين من نظام صدام أو من الحاقدين على ما عاشه الخليج من تطور لم يعشه العراق في ظل سياسات فاشلة من حكومات لم تهتم إلا بتصفية الحسابات، ولكن من حقنا أيضا أن نسال وبعد مضي كل هذه السنين، هل كانت المعطيات التي تحدث بها النظام السابق لتبرير قيامه بهذا التصرف، مقنعة لتغاضي وتناسي ما حصل؟

بعد انتهاء الحرب العراقية الإيرانية والتي خلفت اكثر من مليون قتيل وجريح، خرج صدام للعرب مبينا بانه المنتصر الذي يحق له طلب كل شيء واي شيء، فهو بنظره صاحب الفضل عليهم لأنه حماهم من شر ايران التي كانت تريد أن تدخل الى المحيط العربي وتتحكم بالحكومات والشعوب العربية، لذلك سارع في دعوة الرؤساء والزعماء العرب للاحتفال معه بهذا النصر، وليبدأ بعد هذه الشكليات بمبادرات لاتفاقيات سياسية وعسكرية كاتفاقية الدفاع المشترك مع المملكة العربية السعودية وتأسيس مجلس التعاون العربي مع مصر والأردن واليمن، ثم طلب صريح ومباشر بأموال بالمليارات بحجة إعادة أعمار العراق وبناء اقتصاده من جديد لكنه لم يلق أذانا صاغية لطلبه.

الجزء الآخر من مناورة صدام تلخصت في اتهام الكويت بتعمد خفض أسعار النفط مع أن الأخيرة أكدت بانها ملتزمة بحصص أوبك، كما اتهمها أيضا بالتنقيب غير المرخص في الجانب العراقي من حقل الرميلة (هي أصلا أي الرميلة منطقة متنازع عليها بين الجانبين) وطالبهم جزيرتي وربة وبوبيان، هذا أيضا لم يتحقق ليتخذ صدام قراره الحاسم باجتياح الكويت ودخولها بجيش خارج لتوه من حرب استمرت ثمانية أعوام أحرقت الأخضر واليابس في العراق.

كنت قد أجريت لقاء مع المفكر والسياسي العراقي حسن العلوي وطرحت عليه سؤالا حول هذا الموضوع، العلوي لم ينكر بان صدام كانت له نية الدخول الى الكويت وغزوها وضمها للعراق بل كان يقول إن صدام كان دوما يردد: إن لم ينصاعوا الي فـ(راح اذبحهم).

إذن فان كل التبريرات التي اطلقها لا قيمة لها ولا يمكن اعتبارها أسباباً مقنعة لان النية لهذا الفعل موجودة حتى قبل أن يتسلم صدام السلطة بعد انقلابه على البكر وقضائه على آخر محاولات الوحدة العربية بإلغاء ميثاق الوحدة بين جمهوريتي البعث السوري والعراقي، لأنه وباختصار كان سيتحول الى الرجل الثالث بعد الأسد والبكر وهذا ما كان سيفقده كل ما خطط له للوصول الى الكرسي الأول وهو كان قد بدا فعلا بإجراءاته ليكون الرجل الأول في العراق بنقل مقر عمله كنائب لرئيس الجمهورية الى بناية المجلس الوطني وصنع دولة داخل دولة وتحوله الى ند للبكر.

وجاء وقت انعقاد القمة العربية في بغداد، فقد كشف صدام فيها عن جميع أوراقه أمام الحاضرين من قادة ورؤساء وممثلين عن الدول العربية، هو بين بان العراق اصبح آمنا بعد الخروج من حرب الخليج الأولى وهو قادر على أن يحمي الأمة العربية وباستطاعته جمع العرب على كلمة واحدة وسيتمكن من بناء جبهة موحدة للوقوف بوجه الولايات المتحدة وإسرائيل، فبدا بتوجيه التهديدات المبطنة للكويت وعن طريقهم للخليج، وكيف لا وهو يتراس ويقود مجلس التعاون العربي الذي كان قد تأسس منذ ثلاثة اشهر في ذلك الحين وهو الذي بين استعداده لتحرير فلسطين، ومنذ ذلك الحين بدأت جميع الأطراف تشعر بنواياه الحقيقية، بدليل أن مصر وعلى لسان عمرو موسى كانت أول من انسحب من مجلس التعاون العربي، وأخذت دول الخليج الحذر والحيطة من أي طارئ من صدام، إلا انهم لم يتوقعوا أن يدخل بهذا العدد الهائل من الجنود ويفعل فيها ما فعل.

دخلت القوات العراقية الى الكويت على أساس ما سمتها بالتحرير من العائلة الحاكمة وشكلت فيها حكومة مؤقتة برئاسة العقيد علاء حسين لتكتمل التمثيلية بطلب رسمي من حكومة حسين (الكارتونية) بالانضمام للعراق وتسمية الكويت بالمحافظة التاسعة عشرة واعتبار ما حصل بانه عودة للفرع الى الأصل، أي أن الكويت كانت أصلا "جزءا" من العراق واقتطعت بفعل البريطانيين، شعار ردده دوما الملك غازي وكرره عبد الكريم قاسم واكد عليه البعث العراقي في اكثر من مناسبة بشكل مباشر أو غير مباشر.

تبريرات صدام لم تتوقف عند هذا الحد، فقد اتهم مسؤولين من الحكومة الكويتية بالتطاول على العراق وكرامته وعلى حرمة المرأة العراقية (وكل ذلك كان أصلا مستباحا في زمنه)، وان الغيرة العراقية لم تسمح بهذا التطاول لذلك كان هذا القرار انتقاميا ليضع حدا أمام ما سماها بالتجاوزات، وليكسب لنفسه تعاطفا من الكثيرين ولينسي هول الكارثة التي تنتظر العراق على اثر هذا القرار وهذه المغامرة، ولكن هل كانت هذه الأسباب الحقيقية لهذا التصرف؟

لقد اخرج صدام وبهذا التصرف أسوأ ما بداخله وفي نفسية أعضاء حزبه وحكومته وكل المتعاطفين معه، فقد ظهر للجميع بان غالبية من سرقوا ونهبوا الكويت لا يمتلكون ما يستحقون لكنهم طامعون لتملك ما ليس لهم، فكيف لجيش يدخل محررا لمكان هو جزء من أرضه وبلده على حسب اعتقادهم، أن ينهب ويسرق ويقتل بهذه الطريقة البشعة؟ وهل تسمح روح الوحدة العربية بهذا التصرف؟ أم أن مسألة الأنفال التي كان لها حكم مؤقت وبشروط وقوانين نص عليها القران الكريم كانت موجودة في أدمغتهم؟ بالتأكيد حيث لم تكن دماء شهداء الأنفال قد بردت في حينها لان الحادثة لم يكن قد مر عليها أكثر من عامين. ولكن، كيف خرج صدام من الكويت؟ بل كيف اخرج منها؟

اخرج جنود خامس أكبر جيش في العالم من الكويت، مذلولين ومهانين، مهزومين، مجبرين على سماع جملة (يا محلا النصر بعون الله) التي كانت تزيد كآبتهم. ولا يمكن لاي جندي كان في الكويت تناسي طريق الموت الذي تسبب بمقتل مئات من الجنود العراقيين حرقا جراء القصف الأمريكي. لكن صدام لم يتب، هو انتقم لهزيمته في الكويت من الشعب الذي تخلت عنه القوى الدولية واقنع (المنتصر-المهزوم) الجميع بانه قد طوى (صفحة الغدر والخيانة) وثار من الخونة.

داخليا، تسبب هذا التصرف برجوع العراق قرونا الى الوراء، حيث أصبحت الكهرباء وخطوط الهواتف والتواصل مع العالم وابسط حقوق الإنسان من مأكل وملبس ودواء حلما لكل مواطن عراقي، وتصاعدت نسب الأمية ووصلت لمرحلة مرعبة بعد ان كان الجميع يتباهى بان العراق نال وساما من اليونيسكو لقضائه على الأمية، مع أن صدام حكم على وزير التربية محمد محجوب والذي كان سببا مهما في هذا الوسام، بالإعدام مع رفاقه الذين اعدموا عام 1979، وزاد تعريف الدولة الدكتاتورية عمقا حيث اصبح كل مواطن يشعر بان في كل شبر يمر منه يوجد عميل للمخابرات يترقب خطواته وخصوصا بعد الانتفاضة الربيعية لعام 1991 والتي قمعت بأكثر الأساليب وحشية،(مع أن الوضع لم يتغير الآن كثيرا في العراق).

بعد احتلال الكويت، وفرض الحصار السياسي والاقتصادي عليه، اصبح العراق منبوذا بين اغلب الدول العربية وغير العربية وحرم من عضويته في العديد من المنظمات الدولية وتحول الى بلد يعتاش على المساعدات الإنسانية من مواد غذائية وأدوية (قسم منها كان يباع في الأسواق والآخر منها كان يصل الى المواطنين حاملا أنواعا من السموم)، اصبح اقتصاده مدمرا اكثر مما كان بعد حرب الثمانية اعوام، اغرق العراق في ديون مازالت الحكومة تدفعها ومن الطبيعي جدا ان تتضاعف لسبب او لآخر، ومازالت الثقة معدومة بعقلية من يحكم ومن يدير دفة العملية السياسية ومازالت التهديدات تنطلق بين الفينة والاخرى ضد الكويت وكان هذه الحادثة اعادت للعراق كرامته.

هذا التصرف فتح الباب امام تدخلات زادت تعمقا يوما بعد يوم في الشأن العراقي بحجج كانت دولية وأصبحت اليوم ذات طابع فوضوي وبرعاية دولية ايضا، واصبح كل من يريد التعاون مع العراق يأخذ العشرات من التعهدات ويتعامل معه بريبة وخوف دون نسيان ما حصل، وخصوصا مع ظهور وبروز شخصيات تلمح أحيانا لتكرار هذا التصرف بشكل مباشر او غير مباشر.

لم يكن تصرف صدام الا استقواء على الخليج ورسالة قال من خلالها بانني استطيع ان افعل اي شيء في ظل وجود سكوت دولي في البداية، لكنه دفع الثمن ودفع شعبه الثمن، فهل كان من المنطقي ان يكون هذا التصرف مقبولا في ظل وجود قوانين دولية تحفظ للدول سيادتها وامنها وتعترف بحدودها؟ الم تكن هناك طرق اخرى لحل المشاكل بين البلدين بوجود وسطاء دوليين وعرب ام ان نشوة الانتصار الزائفة على ايران افقدت حكومة البعث التفكير بالعقل والمنطق؟

ومن المهم ان نسال المهللين والمحتفلين بما يسمونه (عودة الفرع الى الأصل)، ما الذي استفاده العراق من هذا التصرف؟ هل ما تبقى من هذه الفعلة هي فقط شعارات رنانة تحتفي بـ(شجاعة حامي البوابة الشرقية) ام أمنيات بزوال ما يمتلكه الغير ولا يمتلكه العراق؟ بالطبع لم يستفد اي عراقي من هذا التصرف لان من فعل ذلك تسبب بفرض العقوبات الدولية عليه، وفتح باب التدخل في شؤونه ووضع أساسا لانهيار اقتصاده وزيادة في والأمية وانقطاع تواصله مع العالم ثم احتلاله واستباحة حدوده والدخول والخروج منها بكل سهولة، كل ذلك من اجل ان يضحك راس الدولة ارتياحا لبشر يذبحون ويقتلون أمامه لمجرد الاستقواء.

 

ملاحظة: هذه المقالة تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تتبناها كوردستان 24 بأي شكل من الأشكال.