استفتاء شعب كوردستان في الميزان

Kurd24

فلسفياً يقال إن العقل الجدلي ليس إلا دينامية الفكر، والفكر يكون جدلياً إذا ما كان يميل باستمرار إلى أن يتجاوز نفسه سواء في ذهابه إلى أقصى حد تسمح به المتضّمنات المنطقية لما سبق له أن اكتشفه، أو بانتقاله إلى وجهات نظر جديدة تعارض القضايا التي كانت قائمة في البداية.

مسألة استفتاء شعب كوردستان بقيادة الرئيس مسعود بارزاني (الذي أجري في الخامس والعشرين من أيلول سبتمبر) هي بجانب حقوق طبيعية لشعب ناضل زهاء قرن من الزمان، مجرد تفاعل شعب كوردستان مع الواقع السياسي والأمني غير المستقر في محيطه.

من حق الكوردستانيين، الذين يتمتعون بلغة وحضارة وتاريخ وعادات تختلف عن البقية الباقية من الشعب العراقي، أن يسعوا إلى المحافظة على هويتهم وحقوقهم ويظل حلم الدولة الكوردستانية المستقلة حاضراً في أدبيات ذاكرتهم السياسية.

نعم لا يزال شعب كوردستان متمسكاً بمخرجات الاستفتاء، وليس من حق أي جهة رسمية (حكومة وبرلمان الإقليم) أن تلغي نتائج الاستفتاء وبطلانه، بل تجميده فقط، هذا الذي حدث.

قانونياً لا يمكن أن تلغى النتائج إلا باستفتاء جديد، لكن هل تجرؤ جهة ما أن تقف ضد رغبة هذا الشعب المناضل، الذي يمكن أن يطالب بتفعيلها في المستقبل؟

بعض نظريات العلاقات الدولية تقول لا تحارب الديمقراطيات بعضها البعض، ونحن نقول إن السلم والاستقرار السياسي والاقتصادي والثقافي مهما كان نوعه وشكله لن يعم في العراق وفي الشرق الأوســط دون إيجاد حل سياسي جذري ونهائي للقضية الكوردستانية، التي اتخذت طابعاً دولياً وتحولت إلى قضية ساخنة في الشرق الأوسط والأدنى، أو دون الاعتراف الكامل بحقوق شعب كوردستان، الذي وصفهم المفكر الأرمني خجاتور أبوفيان (1805ـ1846) في مقالته تحت عنوان "الأكراد"، بـ"فرسان الشرق".

يعتبر إقليم كوردستان الواقع في قلب الشرق الأوسط اليوم نقطة التقاء المصالح الدولية والإقليمية بسبب موقعها الجيوبوليتيكي، وهو عامل مؤثر أساسي في التحولات الديمقراطية في الشرق الأوسط، حيث يشكل طاقة أساسية اقتصادية وبشرية، لا يمكن الاستفادة منها إلا بعد حل قضيتها القومية.

أما قادة الإقليم رئاسةً وحكومة، فلهم بحكم عقلانيتهم في التعامل مع الواقع وسياستهم المعاصرة وعلاقاتهم المتعددة والمتشعبة في المنطقة وعلى الصعيد الدولي، تأثيرهم على الفواعل الدولية ومراكز صنع القرار الإقليمي والدولي والنفوذ السياسي.

إذن من مصلحة الأطراف الداخلية في العراق والإقليمية والدولية الاستفادة من هذه العلاقات التاريخية وحل هذه القضية ليعم الأمن والسلام والاستقرار في المنطقة.

نعم إن استمرار تحكم الأنظمة الإقليمية بالسلطات القائمة بالعراق وسيطرتهم على القرار السياسي والأمني والعسكري العراقي، وعلى كافة المستويات الحكومية والحزبية والعسكرية والأمنية والاقتصادية والتجارية وضياع السيادة واستقلال الدولة والحكومة فيه، كلها عوامل غير مساعدة لتهيئة الظروف والمناخ الملائم لحل المشاكل العالقة بين الإقليم والعراق الاتحادي، لكن مع كل هذا نرى بأنه من الضروري الآن الاتجاه إلى مفاوضات سياسية للاتفاق على إعادة تعريف العلاقة بين الإقليم والاتحاد والاتفاق على تنظيم العلاقة بين حكومة العراق الاتحادية وحكومة إقليم كردستان للحفاظ على النموذج الفدرالي للعراق وإخراجه من بُوتَقة ونفوذ وتدخلات الدول المجاورة وإرساء مقومات نهضة تنموية وصحوة تقدمية وفق منظور إستراتيجي جديد وفق معطيات واقعية ودستورية وإقامة نظام ديمقراطي واقتصادي عادل يخدم الشعوب في العراق الاتحادي.

ختاماً: على الفاعل الكوردستاني في عصر التكامل الذي يضاعف الفرص وطاقات القيادة الشجاعة والحكيمة في تسطير تاريخ زاهر العمل على تماسك الجبهة السياسية الداخلية وبناء هيكل سياسي متين قادر على ترشيد إدارة الإقليم ودفعه نحو عقلانية وبراغماتية سياسية أكثر للوصول إلى التمثيل الداخلي القوي وإرساء العلاقات الجيدة بدول الجوار والدعم الدولي المبني على المصالح المتبادلة للحفاظ على مكتسبات الإقليم الدستورية والتقرب من حلول ناجعة تدعم مطالب شعب كوردستان والاستقرار والسلام.

 

هذه المقالة تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تتبناها كوردستان 24 بأي شكل من الأشكال.