الإسلام - المسلمون.. أين تكمن الأزمة؟

Kurd24

لم يكن من السهل تحمل ما شهدناه من عرض صور مهينة لرسول الله محمد (ﷺ) لدى آلاف مؤلفة من المسلمين المؤمنين بكتاب وسنة ورسالة الإسلام، ولم يكن الطرح الفرنسي حول هذا الموضوع موفقاً حيث كان وبحق استغلالاً سيئاً للحرية المطلقة للتعبير عن الرأي والديمقراطية الفرنسية التي لطالما كانت ملهمة للكثير من شعوب المنطقة للخروج من حياة العبودية إلى الحرية حيث شكلت طريقة المقاومة الفرنسية والتمرد على الظلم أساساً لتشكيل وتأسيس العديد من الدول في المنطقة، ولكن!

لم يكن الطرف الآخر الممتعض من هذه التصرفات موفقاً في الدفاع عن نبي حمل رسالة سماوية وتعاليم ألهمت أيضاً العديد من دول العالم على السير على خطاها، لان غالبية من صبوا غضبهم تجاه هذا التصرف هم من ابعد خلق الله عن أخلاق هذا الدين ورسالته الحقيقية التي عمت الإنسانية لانهم وعلى مر التاريخ لم يتسببوا إلا بالحاق الدمار بالإنسانية، مما جعل الطرف الذي يتسيّد العالم اليوم سياسياً واقتصادياً يصدر أحكامه بالإرهاب على هذا الدين وأصحابه بوجود حججه المقنعة بنظره ونظر الآلاف من مناصري العالم الحر، ولكن، أين تكمن المصيبة ؟؟ المصيبة عندما تطالبني ككوردي وكوردستاني أن اصرخ بذات طبقة صوتك متفقاً معك فيما تريد وتقول لا ثبت لك حسن نيتي!!

لنتمعن في التاريخ قليلاً، كثير من منتقدي الغرب وتحديداً فرنسا، يذكرون العالم دوما بجرائم حصلت في فترة استعمارهم لدول الشرق وتباهيهم بالتقاط الصور مع رؤوس بشرية مقطعة وجثث محروقة متفسخة لمن لم يكن راضيا عن بقائهم كمستعمرين، وهذا بحد ذاته خطا لا يمكن لاي كائن قبوله، ولكن فلنسأل: هل كانت مواقف من كانوا يقبعون تحت سيطرة استعمار واحتلال هذه الدول معاكسة تماما لهم، أي هل تغيروا إلى أقوام إنسانية ترحم وتتراحم فيما بينها بغض النظر عن القومية والعرق والدين والمذهب والتوجه السياسي والاختلاف في الراي؟ هل طبقوا حقا مبدا (إن أكرمكم عند الله اتقاكم)؟

لقد كانت لفرنسا مواقف مشرفة من قضية شعب كوردستان، هي التي احتضنت آلافاً من اللاجئين الكورد منذ ستينيات القرن الماضي في فترة طلب فيها رئيس العراق (ذو الأغلبية المسلمة) عبد السلام عارف (المسلم المؤمن) من سماحة السيد محسن الحكيم أن يكفر الكورد لأنه اختلف معهم سياسياً ولم يقابل طلبه إلا برفض قوي من سماحته لان الإسلام يرفض ذلك، في ذلك الوقت كان لفرنسا فريق طبي متكامل في اطار منظمة أطباء بلا حدود في جبال كوردستان أثناء ثورة أيلول عندما كان الجيش العراقي يخوض معركة تحت مسمى (توكلنا على الله) ، وتراس الفريق الطبي وزير الخارجية الأسبق بيرنار كوشنير يرافقه أول قنصل فرنسي في أربيل فريدريك تيسو . ولا ينسى شعب كوردستان موقف الجنرال ديغول من بإلغاء تزويد الجيش العراقي لسربين من الطائرات الفرنسية بعد رسالة البارزاني الخالد التي أكد فيها على أن هذه الطائرات ستقتل نساء وإطفال وشيوخ الكورد.

وكيف لشعب كوردستان أن يتناسى مواقف الرئيس الأسبق فرانسوا ميتيران وزوجته التي لقبت بـ"أم الكورد" في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي عندما أُبيد آلاف من أبناء شعب كوردستان بالأسلحة المحرمة دوليا وبدفنهم أحياءً في صحاري وسط وجنوب العراق وبتنفيذ سياسة التعريب والتشريد والإقصاء ومسح الهوية تحت مسمى (سورة الأنفال)، حيث جابت مدام ميتيران مشارق الأرض ومغاربها لضمان إجماع دولي لحماية كوردستان ولم تهدا إلا بعد أن ضمنت حماية دولية لإقليم كوردستان بعيداً عن إجرام وبلطجة حكم البعث، ولم تتوقف فرنسا عن دعم كوردستان حتى بعد سقوط صدام بل سارعت ليكون لها موطئ قدم في الإقليم تجسد في افتتاح قنصليتها في أربيل واستقبال الرئيس بارزاني والرئيس نيجيرفان بارزاني لأكثر من مرة من قبل ساركوزي وهولاند وماكرون ودعم قوات البيشمركة في الحرب ضد إرهابيي داعش وزيارة هولاند للإقليم في ذروة المواجهة مع الإرهابيين هذا بالإضافة الى كسر الحصار الجوي المفروض على كوردستان بعد استفتاء الاستقلال واستقبال نيجيرفان بارزاني في قصر الإليزيه من قبل ماكرون كتحد واضح لسياسات العبادي اللاإنسانية تجاه الإقليم.

ولنسأل بعد هذا المرور السريع على صفحات تاريخ كوردستان: كم من دولة ذات أغلبية مسلمة سلكت هذا الطريق من قضية شعب لم يرد إلا الحياة وسط غابة من الجريمة باسم الدين والمذهب واجتهادات لا تفسر إلا بمزاج الحكام الذين لا يفكرون إلا بمصالحهم الشخصية الضيقة؟

إن تصرفات من يسمون أنفسهم بحماة الدين، لم تختلف عن الذين كانوا يستعمرون بلدانهم، بل وتطورت أساليبها لخلط الدين بالجريمة، حيث قتل الكوردي في العراق باسم سورة الأنفال وفي تركيا وسوريا باسم سورة الفتح وفي إيران باسم مقاومة الكفرة والزنادقة وسط تصفيق وتهليل ومباركة من قبل دول تدعي بانها حامية لحمى الإسلام، وبعد كل ما ذكر يطالبون بموقف يتحد مع أهوائهم مع التذكير باننا (في خندق واحد) لأننا من نفس الدين وواجب علينا نصرة هذا الدين، ولكن، أين حقي كاي إنسان ينتمي لهذا الدين؟

يقول لنا التاريخ بان الكورد من الشعوب التي دخلت الدين الإسلامي بكل طواعية وبدون أي تهديد بالسيف، هم لم يختاروا الإسلام لإغراءات ووعود ذكرت، بل اختاروا سماحة هذا الدين، لان اغلب من يؤمن بهذا الدين يرى إنسانيته في هذا الاطار ولا يصنع من اجتهادات لبشر قابل للسهو والخطأ فتاوى تبيح الذبح والسبي والقتل والتمثيل بالجثث وان كان من بين الكورد من هذه الأنواع فهم ليسوا إلا مقلدين لأطباع اكتسبت من الذين امنوا بإغراءات الإسلام لا سماحته، بدليل أن اغلب ثوار الكورد هم في الأصل رجال دين وعلماء إجلاء شرحوا وأوضحوا حقيقة الإسلام وإنسانية هذا الدين في أجزاء كوردستان الأربعة، لذلك لا يحق للمصفقين للجرم باسم الإسلام والدين أن يطالبوا بأي مواقف لان الأخلاق هي التي تبين المواقف والجميع يعرف سماحة وإنسانية أخلاق الكورد وخصوصا بعد انتفاضة عام 1991 وبعد استقبال الإقليم لملايين من اللاجئين والنازحين على الرغم من وجود اكثر من أزمة ومشكلة.

ومع كل ما مر وذُكر، تبقى مسألة احترام المشاعر وعقلانية رد الفعل هي الفيصل في حسم الأزمة وأسبابها وتشخيص المتأزم، فلا يمكن القبول بذبح إنسان مهما كانت عداوته معك، ولا يمكن أيضاً الاستهانة بمشاعر أمة لا دخل لرسالتها بمن يطبقها فكل الأديان فيها ما لا يعد ولا يحصى من فتاوى واجتهادات تحرض على الإرهاب، كما لا يجوز ولا يصح أن يفرض اللاجئ الذي هرب من حكامه (المسلمين) الذين يحكمون بكتاب الله وسنته أن يفرض مالم يستطع حتى أن يتحدث عنه في الغرف الضيقة المغلقة خوفاً من جدران لها عيون وآذان تسجل وتصور ويعاقب عليها الحاكم شعبه باسم الله والدين.

إن للرسائل السماوية فكرة واضحة لا تتغير ولا تتأزم، فيها من التسهيل والتيسير ما يجيز لمريديها تطبيقه، والأزمة هنا تكمن فيمن يجتهد ويقرر ويصنع التأويلات والتفسيرات التي تناسب مزاج من يتحكمون به، الأزمة تكمن في التطبيق وقبول التطبيق ومنع أو إصلاح هذا التطبيق، هذه هي حقيقة الأزمة لمن يخونه التعبير ويسطر أسباب ودوافع الأزمة ويشخص المتأزم فلا الأفعال تمت للمنطق بصلة، ولا الردود عليها معقولة، ويجب أن نعترف بان الخطأ لا يعالج بخطأ ولا يمكن حل كل هذه التراكمات إلا من خلال بحوث علمية مستقلة توضح للجميع أين تكمن أزمة التطبيق ولم الأزمة أصلاً؟ والا لا يمكن أن نتوقع الأفضل في مستقبل التعايش بين الشعوب والأمم التي خلقت لتتعارف لا لتتقاتل، لان صاحب الرسالة يصر على تشويهها والطرف المقابل غير مجبر على البحث في مكامن الرسالة وإيجابياتها والفصل بين النظرية والفكرة الثابتة، والتطبيق الذي يصنع وينشر الأزمة.

 

هذه المقالة تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تتبناها كوردستان 24 بأي شكل من الأشكال.