العنف ضد المرأة في كردستان العراق.. الحكومة تسعى والمجتمع لا يزال يعتبره طقساً!

Kurd24

خلال عام 2019، أصدرت المديرية العامة لمناهضة العنف ضد المرأة والعنف الأسري في وزارة الداخلية في حكومة إقليم كردستان العراق، تقريراً، عن حالات العنف ضد النساء، والتي سجّلتها المديريّة، وكانت الأرقام في تصاعد مخيف؛ حيث أنّ الأرقام المسجّلة كانت كالتالي: 8 آلاف و509 دعاوى قضائية تتعلق بحوادث عنف ضد المرأة، و30 حالة قتل و46 حالة انتحار، و125 حالة حرق، و81 حالة إحراق النفس، و93 حالة اعتداء جنسي.

لا تبدو هذه الأرقام طبيعيّة في حالةٍ مثل حالة إقليم كردستان العراق، رغم أن الأرقام ربما تكون في سياقها الطبيعي قياساً مع طبيعة المجتمعات الشرقية، لسببين؛ أنّ هذه الحالات هي جزء فقط، وهي تشمل فقط النساء اللاتي تمكن من توثيق الانتهاكات الحاصلة بحقهن لدى مديريات إقليم كردستان العراق، والآخر أن حكومة إقليم كردستان تستنفر سنوياً في حملات حكومية رسمية وتوعية بهدف التّقليل من العنف الموجّه ضدّ النّساء.

على ما يبدو أنّ الحملات التي تُطلقها حكومة إقليم كردستان العراق، سنوياً، لا تحصد نتائج طيبة، ولا تتمكن من الحصول على منسوب منخفض من العنف نحو المرأة، وهذا مرتبط بعوامل متعددة؛ إذ أنّ المجتمع الكرديّ، لا يزال، في أجزاء كردستان، يحمل إرثاً مريباً من العنف الممنهج ضدّ النّساء وهي تشمل الاعتداء الجنسيّ وختّان الإناث والإجبار على الزّواج والقتل بداعي "الشرّف"، والّتي بغالبها تكون ذات خلفية دينيّة أو عشائريّة وعادات وتقاليد مجتمعيّة، ربما لم تكن موجودة قديماً لدى المجتمع الكردي، واكتسبها من خلال ظروف مُختلفة.

وبخلاف العراق، يبدو إقليم كردستان العراق أكثر انفتاحاً نحو قضايا المرأة، إذ أن الحكومة الكردستانية تملك إستراتيجية وطنية لمناهضة العنف ضد المرأة ولديها هيئة لرصد حقوق المرأة، وهذا يدل على مدى التزام حكومة كردستان العراق برفع مستوى الجهود المبذولة من أجل الحد من العنف الممارس بحق النساء.

لكن، بالمقابلٍ من ذلك، ثمّة نتائج إيجابيّة تمكنت حكومة إقليم كردستان العراق من حصدها في الحملات التي عمِلت على الحدّ من تفشّي العنف ضد النظام في مجتمع إقليم كردستان، وهو من الزيادة الكبيرة في عدد الشكاوى المقدمة إلى المؤسسات المختصة لدى حكومة الإقليم، وهذا ربما يفسّر الزّيادة الكبيرة في نسبة حالات العنف المسجلة لدى وزارة الداخلية، ويفسّر أن الحملات التوعوية التي قامت بها حكومة إقليم كردستان العراق قد أفضت إلى نشر الوعي لدى النساء بضرورة الاحتكام إلى القانون وأجهزته من أجل وقف العنف الممارس بحقهن، عوضاً عن السكوت الموجود منذ مئات الأعوام.

وبالرغم من أن إقليم كردستان، في عام 2019، في الوقت الذي سجّل فيه أرقاماً مرعبة في العنف ضد النساء، سجل بالمقابل قفزة نوعيّة في تسلّم المرأة مناصب قيادية ورفيعة في الحكومة، حيث أنها استلمت منصب رئيس برلمان الإقليم ونائبة رئيسة البرلمان، وحصلت النساء على ثلاثة مواقع وزارية، كما زادت المبادرات النسائية والشعبية والإعلامية التي تعمل من أجل القضاء على الثقافة الجندرية والعنف الموجه ضد النساء.

وربّما يمكن أن نعزو هذا الأمرين المتناقضين إلى استمرار وجود نزعة قبلية واجتماعية تقليدية لدى جزء كبير من المجتمع المحلي، والتي تكون بدورها مؤسسة للثقافة الذكورية التي تقوم بالدرجة الأولى من خلال العنف ضد النساء والتسلط عليهن وسلب إرادتهن وأفكارهن. أمّا الأمر الأخر، ربما، يعود إلى الظروف الاقتصاديّة التي مر بها إقليم كردستان العراق، ما بين عامي 2014 و2020، بسبب الهجمات الإرهابية التي استهدفت الإقليم، وأوقفت سوق العمل.

كذلك، تشكل الظروف الاقتصادية، غير المستقرة، لموظفي حكومة إقليم كردستان، بسبب قطع الحكومة الفيدرالية في بغداد، الرواتب عن الموظفين في الإقليم الكردي، سبباً مباشراً في تنامي ظاهرة العنف ضد النظام، فالعامل الاقتصادي من أهم العوامل التي تنشأ من خلالها العنف والصّراعات عموماً.

ختاما؛ كي يتمكّن إقليم كردستان العراق من الوصول إلى مجتمع مُخفف فيه حالات العنف ضد المرأة وسيادة القانون لا الأعراف في هذه القضيّة، ثمة حاجة ضرورية وملحة إلى أن تكون هناك برامج تعليميّة تقوم بتدريس مبادئ حقوق الإنسان والمساواة وحقوق النساء في المجتمع الكردي، وهذا الأمر لا يقتصر على التعليم في المدارس والجامعات، بل يجب أن تشمل القرى والبلدات والمجتمعات الكردية المحافظة، وكل الطبقات الاجتماعية، لأن توعية فئة معينة، ربما يقوّض العنف، لكنه بالتأكيد لا يُمكنه أن ينهيه.