مشروع الشام الجديد بين واقع صعب ومستقبل مجهول..

Kurd24

هل يكفي الشام الجديد لإعادة العراق الى محيطه العربي؟

إرتأيت أن أفتتح مقالي بهذا التساؤل الذي أصبح يتردد كثيراً في وسائل الإعلام العراقية والعربية في الآونة الأخيرة. ولعل القمة الأخيرة التي عقدت قبل أيام في بغداد بين أقطاب المشروع الجديد الثلاثة وأقصد بها : العراق ومصر والأردن, قد جعل هذا التساؤل يطفو على السطح ويطرح نفسه بإلحاح, وكغيره من الموضوعات الحساسة الكثيرة التي تعيشها المنطقة، فقد خلقت هذه القمة انقساماً واضحاً في الشارع العراقي بين مرحب ومتفائل وبين رافض ومتشائم. وسأعرض هنا وجهات نظر الفريقين علنا نخرج برؤية واضحة لهذا الحدث الذي جمع قيادات البلدان الثلاثة للمرة الرابعة خلال عامين، الأمر الذي يعكس اهمية هذا المشروع الاستراتيجي عند هذه الدول.

وقبل أن انتقل الى بيان الأسباب التي جعلت المتفائلين يعلقون آمالاً كبيرة عليه، أحب أن أذكر بنود هذا الاتفاق أو هذا المشروع الذي يوصف في وسائل الإعلام بالاستراتيجي والعملاق والكبير، بل ذهب رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي الى وصفه باللحظة التاريخية الفارقة، أحب أوضح بنود هذا المشروع.

تعود جذور مشروع الشام الجديد الى الى دراسة قدمها البنك الدولي في آذار من العام  2014، وقد شملت هذه الدراسة فضلاً عن العراق كلا من سوريا ولبنان والأردن وفلسطين ومصر وتركيا، وكانت البداية الحقيقية لهذه المشروع قد تم طرحها في القمة التي جمعت قيادات العراق ومصر والأردن في القاهرة في شهر آذار من العام 2019، عندما أطلقت الدول الثلاث آلية جديدة للتعاون المشترك في كافة المجالات، ثم اعقبتها قمة ثانية عقدها الزعماء الثلاثة في نيويورك في أيلول من العام 2019, على هامش أعمال الجمعية العمومية قبل أن يجتمعوا مرة ثالثة في عمان في أيلول من العام 2020، لتتبلور وتصبح واقعاً في قمة بغداد الأخيرة.

يقوم المشروع على أساس التعاون وتبادل الخبرات بين الدول الثلاث، ويتعلق بشقين رئيسيين :  

- سياسي: يتمثل بتعزيز التفاهمات  السياسية وتكوين رؤية موحدة للقضايا العربية والإقليمية والعالمية الأساسية، وهو الجانب الذي يركز عليه المرحبون بهذا المشروع، ويعتبرونه بداية حقيقية لعودة العراق الى محيطه العربي، وأخذ دوره في صياغة القرار العربي بعد أن ابتعد عن هذا المحيط طويلاً حتى كاد –حسب رؤية البعض- أن يفقد شخصيته العربية.

- وشق آخر اقتصادي يقوم على جملة من التفاهمات الإقتصادية المشتركة، وإنشاء مشاريع اقتصادية واستثمارية كبيرة، تستفيد منها كل دولة من الدول الثلاث، والواقع أن هذا هو الجانب المادي المهم من المشروع، وهو الذي أثار موجة من الرفض عند بعض السياسيين العراقيين والمحللين السياسيين الذي يرون بأن هذه الاتفاقية تجري بين دول تعيش أزمات اقتصادية، وأن العراق سيكون الخاسر الأكبر من هذا المشروع.

والفكرة الأساسية للمشروع: هي أن يقوم العراق بتصدير نفطه الى مصر بسعر تفضيلي عبر خط النفط (الأردني- العراقي) المقترح إنشاؤه، وحصول العراق والأردن بالمقابل على الطاقة الكهربائية والغاز من مصر. ويمثل هذا الأمر العمود الفقري للمشروع، كما يتضمن أيضا بعض البنود الأخرى المتعلقة بجوانب اقتصادية تتضمن حصول الدول الثلاث على إعفاءات جمركية (جمركية)، وتقديم تسهيلات في تبادل الخبرات الإقتصادية، وفتح سوق العمل العراقي أمام العمالة المصرية، للمساهمة في بناء المدن العراقية كما فعلت ذلك إذبان الحرب العراقية الإيرانية في ثمانيات القرن الماضي.  

وإذا عدنا الى الطبيعة السياسية لهذه الاتفاقية فسنجد أن كل دولة من الدول الثلاث تحاول ان تفيد منها بأكبر قدر ممكن. وإذا بدأنا من العراق فإنه سيستفيد منها من خلال تحقيق أرباح متبادلة مع الشركات المصرية التي تبحث عن سوق لها في العراق، كما أن استيراد الكهرباء من مصر بأسعار معقولة سينهي واحدة من أكبر المشاكل التي طالما اعترضت طريق الحكومات العراقية المتعاقبة والمتمثلة بمعالجة النقص الحاد في إمدادت الطاقة الكهربائية، والتي تقدر ب: 26 الف ميكا وات، خاصة في مدن وسط وجنوب العراق، فضلاً عن الإفادة من الغاز المصري، كما أنه سيخرج العراق من رحمة إيران التي تمد العراق بكميات محدودة من الكهرباء لا يلبي الحد الأدنى من احتياجاته، وتلوح في أحيان كثيرة بقطعه تحت ذرائع شتى. يضاف لذلك إيجاد منفذ جديد لتصدير النفط العراقي عبر ميناء العقبة، كل ذلك قد يجعل من  العراق مركزا للجذب العالمي في الشرق الأوسط، وهو ما يضمن للعراق وبقية الأطراف تحقيق العديد من المنافع والأرباح المتبادلة.

هكذا يرى المتفائلون، أما المتشائمون فيرون أن العراق هو الخاسر الأكبر من هذه الاتفاقية، فهو بحاجة الى اتفاقيات استراتيجية مع دول ذات قدرات اقتصادية عملاقة، لكي يستطيع تجاوز أزماته الاقتصادية العديدة والمستفحلة، كما أن إغراق السوق العراقية بالبضائع المصرية لن يخدم سوى الجانب المصري، الذي يعاني اقتصاده من ركود كبير، ناهيك عن التخلص من آثار الدمار الكبير الذي تشهده مدن الموصل وتكريت، ومحاولة إعمارها من جديد، أمر لن تستطيع العمالة المصرية ذات الامكانات المحدودة القيام به، بل يحتاج الى إمكانيات عملاقة لشركات عالمية لها باع طويل في هذا المجال كالشركات التركية والصينية على سبيل المثال، خاصة وأن الصين كانت قد حاولت توقيع اتفاقية استراتيجية  مع العراق تعهدت بموجبها ببناء هذه المدن المدمرة، والقيام بالعديد من المشاريع العملاقة كإنشاء شبكة أنفاق المترو وغيرها من المشاريع الاستراتيجية العملاقة. كما إن جلب العمالة المصرية سيعمق حالة البطالة التي يعاني منها العراقيون بخلاف الشركات العملاقة، التي كانت ستسفيد من هذه العمالة، وبالتالي فإن جلب العمالة المصرية سيزيد من تفاقم هذه المشكلة ولن يسهم بأي شكل من الأشكال في حلها, وفي المقابل ستضرب مصر عصفورين بحجر واحد فهي من جهة ستسد النقص الحاد في حاجتها للبترول، خاصة بعد أن رفعت السعودية والإمارات دعمهما لأسعار النفط المصدر الى مصر، وإشغال الرأي العام المصري وتهدئة الشارع الناقم على الحكومة بسبب تداعيات سد النهضة من جهة اخرى. كل هذا يجعل من مصر المستفيد الأكبر من هذه الإتفاقية.

ولا يختلف الحال بالنسبة للأردن التي تعاني أزمة اقتصادية صعبة, بعد أن رفعت كل من السعودية والإمارات العربية دعمهما عنها, بعد توتر العلاقات بينها حول موقفها من صفقة القرن, اضطرت الأردن على أثره رفع الدعم عن السلع الأساسية كالمحروقات والخبز وغيرها, وتسبب في مظاهرات عارمة, ورفض شعبي عارم, أدى الى تغيير الحكومة لأكثر من مرة، والعديد من الإجراءات الأخرى, يضاف لذلك المشاكل التي بدأت تطفو على السطح بين أبناء الأسرة الحاكمة، ومن خلال هذه الاتفاقية ستحقق رخاءً اقتصاديا في المنظور القريب من خلال خط أنابيب البترول المقترح, هذا من جهة ومن جهة أخرى ستستفيد من تصدير مصر للغاز الطبيعي لها, وهو ما سيخلصها من سطوة الغاز الإسرائيلي, ناهيك عن تصدير العراق لنفطه لها بأسعار تنافسية, وهو ما سيعالج الكثير من مشاكلها الاقتصادية.

وبغض النظر عن هذه التفاصيل الكثيرة, فإنّ هناك فريقاً آخر يرى صعوبة نجاح هذه الإتفاقية في الاستمرار, وأنها خطوة اعلامية ومحاولة لدول تعيش أزمات اقتصادية وسياسية, وهي لا تعدو أن تكون محاولة للركض نحو الأمام, وأن العديد من المعوقات الأمنية ستحول دون إتمام تنفيذ بنود هذه الإتفاقية, فالوضع الأمني الهش الذي يعيشه العراق, ناهيك عن الخلاف الذي بدأ يستفحل بين الميليشيات المسلحة من جهة والحكومة العراقية من جهة أخرى, وموقف الحكومة الضعيف في الكثير من الملفات، والفساد المستشري في كل مفاصل البلد، ناهيك عن الدور الإيراني الرافض لمثل هذه التحركات في المنطقة, كل ذلك سيؤدي حسب وجهة نظر هولاء الى فشل هذه الاتفاقية, وعدم وصولها الى بر الأمان.

وفي النهاية أرى أن التشظي الذي أصاب وجهات النظر هذه, يعكس الصراع الكبير بين القوى المتصارعة على الساحتين العالمية والإقليمية من جهة والساحة العراقية الداخلية من جهة أخرى, ولعل الدور السعودي الغامض من هذه الإتفاقية يكون بيضة القبّان في حسم هذه المسألة, فقد تكون هذه الانتفاقية جزءاً من توافق مصري سعودي أردني عراقي, تكون الخطوة الأولى بهذا الشكل, أما الخطوة الثانية فتشمل انضمام السعودية بعد ذلك لهذه الاتفافية وهو ما قد يغيّر شكل هذه الاتفاقية، ويجعلها تمهيدا لعقد العديد من التحالفات السياسية المستقبلية في المنطقة.