الوحدة العراقية وأكثر من منظور، يا ترى أي منها الأصح؟

Kurd24

تصادف يوم غد 29 أيلول الذكرى الخمسين لمحاولة اغتيال القائد الخالد مصطفى بارزاني في مقره الخاص بقصبة حاج عمران وعن طريق عدد من رجال الدين المفخخين ومسلحين كلفوا بقتله مع وجود خطة لإنزال جوي عراقي وتقدم بري لدبابات الجيش العراقي لتطويق مقر البارزاني، في عملية خطط لها مدير الأمن العام في ذلك الوقت ناظم كزار وبعلم وبمباركة من صدام، بعد عام ونصف من توقيع اتفاقية الحادي عشر من آذار في إطار سلام اريد له ان يكون دائماً (على الأقل كورديا) ليضمن (وحدة العراق).

وجاء هذا السرد كمدخل اساسي للموضوع الذي نريد توضيحه أي (وحدة العراق) الذي لم تعجب طريقته النظام السابق على الرغم من الاتفاق عليها حيث حاول الغاء الاتفاق بشتى الطرق ولم يتمكن من ذلك الا بعد ان باع نصف شط العرب للخصم الإيراني اللدود، للتخلص من القيادة الكوردية ولحماية (وحدة العراق).

ومن خلال هذه المناسبات الثلاث التي ذكرتها، لابد أن نسأل سؤالا ملحا يتكرر لدى الجميع وكل من يريد ان يرى عراقا موحدا مستقرا الا وهو: كيف سيتوحد العراق فعليا ولا تكون وحدته في إطار الخطوط الجوية العراقية فقط كما قال الامين العام للحزب الاشتراكي الديمقراطي الكوردستاني محمد حاج محمود؟

لقد رأت الحكومات العراقية السابقة في وحدة العراق تكريسا لجهة واحدة، لطرف واحد وهوية واحدة بمحو الهويات الاخرى او تحويلها الى هويات باهتة باستغلال لغاتهم ولهجاتهم وتجمعاتهم الاجتماعية من اجل القائد الحاكم وقوميته وطائفته وخصوصا مع الجانب الكوردي وعلى اثر الخسائر التي منيت بها القوات العراقية اثناء سنوات ثورة ايلول وخصوصا بعد مجيء البعث الى السلطة اثناء مرحلة القوميين ومابعد انقلاب 1968، سارعوا لاحتواء خسائرهم بشتى الطرق حتى ان اضطروا الى تهدئة الامور بتقديم مايسمونه هم بالتنازلات وهذا ما ادى الى توقيع اتفاقية الحادي عشر من اذار والمجاهرة بان البعث هو الذي من على الكورد  بحقوقه بعد ان (لوثت البنادق ارض العرب) وتم توحيد صفوف الشعب.

لكن أصحاب عقلية محو الآخر، لم يكفوا عن محاولاتهم في انهاء الوجود الكوردي شعبا وقيادة لذلك حاولوا اغتيال الشهيد ادريس بارزاني مرتين، وخططوا لاغتيال الرئيس مسعود بارزاني مع عدة محاولات لاغتيال البارزاني الخالد باءت كلها بالفشل ولم يكن امام الحكومة العراقية الا ان تشجب وتدين وتستنكر وتحمد الله على سلامة من أرادت اغتيالهم.

واخذت الامور فيما يتعلق بمصطلح (وحدة العراق) منحى اخر بعد عام 1975 بالتهجير القسري والقصف بالاسلحة الكيمياوية والجرثومية والتغيير الديموغرافي في كوردستان وتجفيف مصادر المياه في جنوب العراق وتسميمها وتخريب البيئة بالكامل، في عمليات عسكرية اتخذت تسميات دينية كالأنفال وغيرها، وجميع البيانات العسكرية التي كانت تتغنى بـ(انتصاراتهم) في هذه المعارك كانت تؤكد بان الهدف منها هو تطهير العراق من المتمردين المخربين والحفاظ على وحدته وكيانه.

بالمختصر فقد كانت الوحدة العراقية في نظر نظام البعث تعني تكريسا لنهجه الاوحد الذي لايقبل اية شراكة مع نهج اخر تحت عباءة قومية مذهبية بوجود بعض الحقوق المحدودة لبقية المكونات شرط ان تهلل وتصفق له وتمجد لانتصاراته الوهمية، نعم لقد عرف هذا النظام هوية العراق الواحدة في إطار حزبه الذي فرض اهدافه وبشكل مقنن على العلم العراقي وشعار الدولة.

ولم يتوقع المتضررون من النظام السابق من الذين انتظروا حكما ديمقراطيا يفتح المجال امام حرية التعبير عن الراي وقبول الاخر والشراكة الوطنية، بان يتكرر هذا السيناريو مرة أخرى ولكن بطريقة مختلفة، فقد وافقت الأطراف السياسية المتنفذة في بغداد على الفدرالية (على مضض) لتمشية سير العملية السياسية لحين جمع ورص الصفوف، ووصفوا ومازالوا يصفون الدستور بالقنبلة الموقوتة في حين ان هذا الدستور هو الضامن الوحيد لبقاء العراق موحدا في إطار وطني.

وما زلنا نتذكر تفاصيل محاولة اقتحام مقرات البيشمركة بين اعوام 2007-2010 في خانقين وكركوك ومحاولات استهداف اربيل بطائرات الـ F16 وصولا الى قطع حصة الاقليم من الموازنة العامة العراقية والسكوت عن دخول داعش واحتلاله لخمسة محافظات وتغييرات ديمغرافية شهدتها هذه المحافظات بعد تحريرها والتهديد باجتياح الاقليم ودخوله تحججا بالاستفتاء ونجاح هذه العملية وخصوصا بعد خيانة السادس عشر من أكتوبر لعام 2017.

اي ان الهوية العراقية خضعت في هذه المرة ايضا الى تعريف منقوص بفرض هوية معينة على بقية المكونات واجبارها على الخضوع لكل ماتراه هي وفصائلها المسلحة صحيحا وان لم يكن كذلك اي ان يكون الجميع بمختلف تسمياتهم تحت امرهم والا فان الصواريخ وحرق المقرات والاجبار على السكوت سيكون هو الحل الأمثل، بمعنى: أنت عراقي أصيل وطني تحب بلدك ان سرت على دربنا الذي نرسمه لك، على غرار (كل عراقي بعثي وإن لم ينتم).

ولكن.. هل من شرح وتوضيح للرؤية الكوردية للوحدة العراقية؟ هل للقيادة السياسية الكوردية اي مشروع للحفاظ على الوحدة العراقية؟ وان كان هناك من مشروع ورؤية حول هذا الموضوع، فلماذا الامتعاض دوما من اي موضوع يطرحه الكورد ورفض قاطع لكل فكرة يطلقها هذا الجزء المهم من العراق؟

إن القيادة الكوردستانية ومن ضمنها الحزب الديمقراطي الكوردستاني، كانت أول من طالب بالديمقراطية كافضل وانجح صيغة لحكم العراق ورفعت ثورة ايلول شعار الديمقراطية للعراق قبل الحقوق القومية والثقافية لشعب كوردستان ، وقد بادرت الجبهة الكوردستانية الى تشكيل معارضة عراقية قوية تضم كافة الاطراف دون اي تمييز، وبعد انتفاضة عام 1991 استضاف الاقليم العديد من اجتماعات المعارضة العراقية وكانت مدن ومحافظات الاقليم تعج بمقرات احزابهم وتنظيماتهم وكل ذلك في سبيل تنفيذ الرؤية الكوردستانية التي تؤكد على شراكة الجميع دون فرض اية هوية او صيغة معينة.

ومع اقتراب سقوط النظام السابق بادر الرئيس الراحل مام جلال والرئيس مسعود بارزاني في اطار قيادة كوردستانية موحدة الى عقد مؤتمرات دولية للمعارضة العراقية في باريس ولندن وصلاح الدين في اربيل وكان الرئيس مسعود بارزاني اكثر من اكد على ضرورة وجود دستور يحمي كافة المكونات القومية والدينية في اطار يضمن المشاركة الحقيقية والفعالة لكافة الاطراف دون ان يقف احدهم ضد الاخر ودون فرض اية هوية جانبية.

اي ان النظرة الكوردستانية كانت دوما شاملة تريد انهاء كافة المشاكل وفرض هوية وطنية دون المساس بالخصوصيات القومية والدينية والمذهبية، وكانت ومازالت تؤكد على شراكة حقيقية ضمنتها ديباجة الدستور والتي تؤكد بان بقاء العراق موحدا مرهون بتنفيذ هذا الدستور (في حين أن أكثر من خمسة وخمسون مادة من هذا الدستور متجاوز عليها).

اذن، مابين محاولة لاغتيال السلام قبل خمسين عاما، وتسميم وتهجير وتخريب قبل أكثر من ثلاثين عاما، ومحاربة شعب كوردستان في قوته كسلاح يستخدم للضغط على القيادة الكوردستانية وفرض هوية معينة بمحو الاخرى وعدم تحملها، لابد لنا ان نسأل: أي من الصيغ التي ذكرت في المراجعات التاريخية هي الافضل والانجح والابقى لوحدة وسيادة العراق؟ وهل كان العراق موحدا بصيغة ماقبل 2003؟ وهل هو الان موحد بصيغة مابعد 2003؟ وهل من امل ولو كان ضعيفا بوحدة على اساس المواطنة؟ وهل سيظل المواطن العراق مكررا لهذا السؤال لسنين وعقود أخرى؟