دهوك، مدينة جميلة ومنتدى للسلام والأمن

Kurd24

غالبا ما تقيم الدول أو المدن المتقدمة، مؤتمرات أو منتديات لحصاد آراء وخبرات الفقهاء والباحثين وذوي الخبرات والتجارب الملفتة للانتباه والاحترام معا. وغالبا، وبالأخص في العقدين الأولين من هذا القرن، ومع العطب التدريجي الذي يتعرض له السلام، فقد استحوذ موضوع الأمن على الجزء الأكبر من برامج المؤتمرات، يليه طبعا موضوع الاقتصاد.

اليوم وفي دهوك (المدينة الجميلة) وفقا للتسمية الفائقة في الرفعة والذوق التي أطلقها رئيس حكومة إقليم كوردستان مسرور بارزاني، انطلقت فعاليات منتدى السلام والأمن في الشرق الأوسط، متضمنة هذه الفعاليات إضافة إلى موضوعة الأمن والاقتصاد، موضوعات أخرى تتعلق بمشاكل لم تدرج لا في جداول الكثير من الحكومات ولا في تفكيرها أيضا، أمن المياه والتغير المناخي.

في خطابه الذي القاه على هامش المنتدى، صاغ  الرئيس مسرور بارزاني عبارة عالية الأفق تستحق القراءة والبحث، تلك الاستعارة اللفظية المهمة للعلاقة بين السياسة والمناخ عندما قال "إلى جانب الأجواء السياسية فإن المناخ الطبيعي أيضاً شهد الكثير من التغير الذي يمكن أن يؤثر من أوجه عدة على العلاقة بين الدول في المنطقة ودول العالم)"، داعيا الحضور إلى التعاطي مع الموضوع والتباحث فيه بجدية "أرجو أن يكون هذا الموضوع أيضا واحدا من المواضيع المطروحة للبحث"، لان الرئيس يرى أن هناك علاقة غير مرئية ولكنها ملموسة للتأثير الذي يمكن أن تحدثه مشكلة المياه على العلاقات بين الدول، "وقد لمسنا بوضوح أن مشكلة المياه مثلا واحدة من المشاكل التي تستطيع التأثير على العلاقات بين الدول".

في الإقليم الكوردي الذي تنمو مدنه فيما تذبل مدن العالم، هنا يفكر الحاكم والمواطن بشكل مختلف، مختلف لأنه إيجابي، إيجابي لأنه مثمر، ولأنه معتدل ومحايد وخالي من الأوبئة والشوائب، ولأنه يرغب بالحياة للآخرين بقدر ما يرغبها لنفسه، لذلك فإن الكل صادق هنا وصريح، ليس هناك شيء في الخفاء، وليس هناك خطاب ملّغز، ولا يذكر أن مسؤولا كورديا خطب خطابا اجبره على الاعتذار والتراجع، هنا كل شيء موزون ودقيق، نقول هذا ونحن نتابع كمراقبين الخطاب الكوردي حول الإرهاب على مدى سنوات طويلة، هذا الخطاب الذي اتسم بعقلانية وشفافية كبيرتين، مكنت الكورد من إحراز انتصارات حقيقية على الإرهاب والعنف بأكمله دون أي ضجيج إعلامي أو أحداث الفوضى للحصول على مكاسب من الآخرين. لذلك تنجح المؤتمرات في كوردستان وعلينا الإصغاء لنتائجها. فالكورد عندما يتحدثون عن الأمن يصدقوا ويفقهوا مخاطره أكثر من غيرهم.

لم يخادع نفسه والعالم أحد من قادة الكورد يوما، ويقول ضعوا البنادق جانبا فقد انتهى الإرهاب، لذلك بقي الجميع متمنطقا بالبنادق دون أن يعيقهم ذلك من مواصلة العمران والازدهار، فيما كان الآخرون يملأوا خطاباتهم بالخديعة للتباهي وكم خلفوا من خسائر فادحة بعد أن هيأوا بذلك لحل الانطقة والبنادق.

لم يخفِ الزعيم الكوردي مسعود بارزاني في أي من خطاباته رؤيته الواقعية للمخاطر التي تحيط بالعالم بأكمله وليس مدن الشرق الأدنى والأوسط وما حولهما فقط، بل وخلت خطاباته بالكامل من التعبيرات المجازية التي اعتادت عليها خطابات الكثير من الرؤساء والسياسيين المعاصرين. إن الكورد صادقون وواقعيون جداً.

حين اصطحب مسعود بارزاني رئيس الإقليم آنذاك ضيفه الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند إلى أطراف الجبهة شرق الموصل إبان سيطرة تنظيم داعش على ثلث العراق ووقفا معا عند المتراس، قال مسعود بارزاني، "صحيح إن القتال والمعارك الآن في عقر دار الإرهابيين، لكن هذا لا يعني أن داعش إذا خسر المعارك العسكرية واندحر، ستنتهي التهديدات الإرهابية، فهناك احتمال أن يظهر لنا الإرهاب تحت مسميات أخرى".

الزعيم الكوردي البيشمركة العتيد الذي رأى من الحروب ما رأى، لم تقلقه الانفجارت التي تقع على بعد مئات الأمتار عن الجبل الذي أوقف عليه ضيفه، وهي بالنسبة لمحارب عتيد مثله لا تعدو أن تكون مجرد بالونات يطقطقها الصبيان، لكن ضيفه من البلاد الناعمة والعطور النادرة يحتاج الى تطمينات حول ما إذا كنا فعلا نقف على المتراس الذي يفصل بين العالم وداعش. والتطمينات حاضرة في ذهن البارزاني البيشمركة الحازم المقدام، يؤكد لضيفه على صلابة وقناعة البيشمركة بخوض هذه الحرب المفروضة وإمكانية النصر بالتعاون مع الحلفاء ولكن هذا لا يعني أن نقول انتصرنا وكفى، الإرهاب لم ينته، فيبارك الرئيس الفرنسي النصر لمضيفه البارزاني، مجددا تعاون بلاده مع الإقليم.

كل المسؤولين الكورد يعرفون المخاطر ويفقهون معالجتها أيضا، وجميعهم تقريبا يمتلك خطابا شفافا وصريحا، في منتصف سبتمبر (أيلول) الماضي، وفي زيارته الى بريطانيا اتفق نيجيرفان بارزاني الرئيس الحالي للإقليم الكوردي خلال اجتماعه مع وزير الدفاع البريطاني على أن داعش مازال خطراً حقيقيا، واليوم تحديدا في منتدى دهوك، أشار وبجرأة وشفافية عاليتين كما هو دائما، إلى أن "داعش استغل استياء الشعب، وبات خطراً على العالم والمنطقة، والأسباب التي أدت إلى ظهور داعش لم يقض عليها" متسائلا ومجيبا معا "هل الأسباب التي أدت الى ظهور داعش تم القضاء عليها؟.. كلا".

رئيس حكومة الإقليم أيضا، مسرور بارزاني، بطل مقالنا السابق كأحد رجال العالم الذين تكفلوا بملف امن بلادهم لسنوات ثم صاروا رؤساء ناجحون.

وفي رده على سؤال بشأن هجوم إرهابي في ديالى أواخر تشرين الأول (أكتوبر)، قال "لا يزال داعش يشكل تهديداً رئيسياً على أمن كوردستان والعراق والمنطقة". والرئيس اليوم يوصي ضيوفه بجدية الاهتمام آملاً "أن تحمل نتائج الحوار وتبادل الآراء في منتدى السلام والأمن في الشرق الأوسط على محمل الجد وتدرج في برنامج العمل الذي يجب أن نعمل عليه مستقبلاً".

هذه التصريحات لا تعني أبدا تسمين العدو بقدر ما تعني احترامنا لتضحياتنا على اعتبار أننا لا ننازل الضعفاء وأننا ننتصر دائما على العتاة والوحوش، ومن هنا نستطيع القول إن معرفة إمكانيات العدو تمكن من النصر عليه، ليس نحن من يقول هذا، هذا يقوله الكاتب الصيني سون تزو مؤلف كتاب فن الحرب قبل 2600 عام، وهذا ما جربه الكورد وأحرزوا انتصارات شهد لهم بها القريب والبعيد، الكورد الذين ظل خطابهم منطقيا وواقعيا وشفافا خاليا من الشوائب والأوبئة وما فوق ذلك وما دون ذلك وما بين بين، ومن هنا أيضا.

يمكننا القول إن ثلاثة مشاكل عميقة تحيط بالمنطقة، الإرهاب، التغيير المناخي، والمياه، حكومات بطواقمها لا تدري ما المناخ ولا امن المياه، ليس الحكومات وحدها، يتبعها في ذلك رؤساء مراكز بحوث على شاكلة المتاجر المعاصرة المترفة بالأضواء، لكن المؤتمرات التي يقيما الكورد في مدنهم الفاتنة هي مؤتمرات ناجحة لا شك، منصات رفيعة يتم الحديث عبرها حول مواضيع وجودية مثل التعامل الجدي مع موضوع الإرهاب وعدم النظر إليه برؤى ضيقة، تجنب الحروب التي ليست أفراناً لصناعة الخبز إنما آفة تأكل الأفراد والمدن والوجود، معالجة أمن المياه التي ترتبط بالسلام بين الشعوب والدول، معالجة التغير المناخي الذي يهدد مستقبل العالم، الاقتصاد والسلم المجتمعي وحل المشاكل الداخلية بين الإقليم والمركز وغير ذلك كثير، كل هذه الملفات يتم التباحث حولها في منتدى السلام والأمن في الشرق الأوسط الذي تقيمه دهوك في جامعتها الأمريكية منذ صباح اليوم.