هل فعلاً أزاح " بايدن " زعيم تنظيم داعش من ساحة المعركة ؟ - واقعة الحسكة
ما حدث في الحسكة منذ أسبوعين لم يكن وليد المصادفة واللحظة، بل كان مخططاً ومدبّراً وبمشاركة العديد من الجهات التي تستفيد من نشر الفوضى في ربوع سوريا، مستخدمين (داعش) كسلاح فتاك، تارةً من خلال نشر الفوضى والتهجير الممنهج وإجراء تغيير ديمغرافي في المناطق التي انتفضت ضد النظام في دمشق، تارةً أخرى من خلال استخدام منظومة "داعش" في معركة تصفية الحسابات الدولية والإقليمية على الجغرافيا السورية.
الوضع في سوريا ما بعد واقعة الحسكة لن يكون كما قبله، فبعد وقوع أكثر( 500 ) ضحية بين مدني وعسكري في معركة سجن الحسكة.. دخل من خلالها اللاعبون الكبّار في دوامة جديدة عنوانها (القضاء على داعش) لكن جوهرها هو دفع المنطقة نحو المزيد من التوتر والفوضى وإثارة النعرات الطائفية والمذهبية وتعميق الشرخ من خلال الاعتماد على المنظمات المصنفة ضمن قوائم الإرهاب الدولية خدمة لمشاريع باتت مكشوفة للجميع، لكن في الحقيقة لم تتشكل منظمة ارهابية في الشرق الاوسط إلا وكانت مبرمجة وفق سياسات الدول التي لها مصلحة في تواجدها على الأرض.
هل فعلاً أزاح الرئيس " بايدن " زعيم تنظيم داعش في عملية "أطمة" ؟
الكثير من النخب السياسية باتوا يتساءلون اليوم هذا السؤال ومن الصعب الحصول على جواب محدد في هذا التوقيت بالذات.
من الواضح أن قوات الكوماندوس الأمريكية استخدمت خمس مروحيات “أباتشي " انطلاقاً من كوباني، توجهت نحو ادلب مروراَ بعفرين ، وعادت مخيبة للآمال بعد ان خسرت اثنتين منها رغم التضخيم الإعلامي لنجاح لهذه العملية ودخول الرئيس "بايدن" مع البنتاغون على الخط معلنين عن إزاحة "القرشي" من ساحة المعركة لكنهم تجنبوا الحديث عن الخسائر البشرية والعسكرية لهذه العملية لتضليل الرأي العام الغربيوحرمانهم من معرفة الحقيقة.
كشعوب المنطقة صحيح كنّا في مرحلة ما في حالة الفوضى والجوع والقمع والاستبداد والفقر الممنهج لكن التطور الحاصل في العديد من الأصعدة انعكس إيجاباً على ذهنية هذه الشعوب وتفكيرهم وبالتالي زمن التضليل من خلال أخبار كاذبة قد ولى، ولم يعد بإمكان أحد عرض مسرحيات امنية في الشرق الأوسط وإلا يكون السيناريو مكشوفاً للجميع.
الإزاحة التي يتحدث عنها الرئيس" بايدن " اليوم هي مبالغة فيها وبعيدة نوعاً ما عن الحقيقة والواقع، لا يخفى على أحد بأن العشرات من قيادات حزب العمال الكردستاني المدعوم (أمريكياً) تحت عنوان ( قسد ) باتوا في أمان، يمارسون الترهيب بحق المخالفين لهم وتحت انظار الجيش الأمريكي وعلى مقربة منهم ، بينما أسطوانة داعش المشروخة باتت بمثابة العصا الغليظة تضرب فيها برأس الشعوب كلما دعت الحاجة، لإركاع كل من رفض ووقف في وجه مشروع تقسيم المقسم وتجزئة المجزأ، الاختراق الحاصل في الحسكة غيّر الكثير من القواعد و السيناريوهات المحتملة ، مهّد وشكل غطاءاً لنقل المئات من عناصر داعش إلى ريف دير الزور، ومنهم من تم نقله إلى داخل العراق لاستخدامهم في المرحلة اللاحقة، بناء على كل ما ذكر فإن الكثير من المراقبين يوجّهون اليوم السؤال التالي للرئيس" بايدن":
إذا كنتم فعلاً جادّين في إنهاء داعش، لماذا لا تنقلونهم إلى مكان آمن وسجن تشرف عليه المنظمات الحقوقية الدولية وتجدون لهذه القضية حلاً جوهرياً؟
ولماذا لا تؤمنون لأهالي المنطقة الأمن والاستقرار ودعم البنية التحتية حتى لا يستغل هذا التنظيم الإرهابي القضايا الحياتية والمعيشية لهذه الحاضنة ويستغلهم في حروبه العبثية؟
يبدو أن مسألة عودة" داعش" بإصدار جديد بات قاب قوسين أو أدنى، وفي هذه الجزئية ليس مستغرباً اليوم ان يعلن الرئيس "بايدن" على الملأ إزاحة ( القرشي) من الساحة لأن هذه الورقة على ما يبدو تلزمه في الانتخابات النصفية المرتقبة كما فعلها سلفه ترامب ومن قبله باراك أوباما.
عموماً، أهالي المنطقة هم المعنيون والمتضررون من هذه الحروب العبثية التي تستهدف البنية التحتية لمناطقهم ومؤسسات التربوية والحكومية، تاركين المستبد والدكتاتور في دمشق وملفات قانون القيصر في طي الكتمان ليفعل ما يشاء بحق هذا الشعب الذي خذّله التاريخ قبل الجغرافية.
بالمحصلة، اليوم نحن أمام معادلة جديدة يتم ترتيب الأوراق في منطقة شرق الفرات وفق أسس وقواعد جديدة من خلال استخدام قوى الشر لإسكات أصوات العقلاء، وهناك ترابط مباشر ما بين الوضع داخل العراق وسوريا وبين جبهة القوقاز و التصعيد الحاصل من قبل موسكو في جبهة أوكرانيا وردود أفعال غاضبة من الناتو حول نوايا " بوتين " في هذا البلد، بينما في سوريا تعتمد واشنطن اليوم على منظمة مصنفة إرهابية في القوائم الدولية المتمثلة بالحزب العمال الكردستاني لضرب منظومة داعش الاستخباراتية المعقدة في الأجندات والأهداف، وبات "الأول" هو المستفيد بل الرابح من هذه المناورات والمعمعة ويحاول الاصطياد في المياه العكرة على حساب معاناة أبناء المنطقة ومطالبهم المحقة ، وبات واضحاً ايضاً أن واشنطن تدفع الأمور لشرعنة قسد ( سورياً) وبالتالي لإيجاد مخرج وغطاء لتسويق "العمال الكوردستاني" دولياً وبالتالي لاستخدامهم يوماً ما كعصى غليظة داخل العمق التركي بعد انتهاء مهمتها داخل سوريا، كل ذلك بعد تثبيت أمر واقع جديد في شرق الفرات وجعلها دويلة ضعيفة متشتتة ومتصارعة فيما بينها لاستخدامها ضد إرادة الشعوب وخدمةً ل تل أبيب ومشروعها التوسعي المرن في الشرق الأوسط.
عموماً، من الواضح اليوم أن كل من غضّ النظر عن توسُّع المنظمات "الإرهابية" داخل الجغرافية السورية والعراقية بعد 2011 واضعاف المعارضة السورية وتقزيم دورها في مناطق معينة بات مطلوباً منه دفع الفاتورة، لأن الساسة في واشنطن لم يغدروا بالشعب السوري فحسب بل بالشعب العراقي والكوردي داخل إقليم كوردستان ايضاً.
الخلاصة:
إذا كان الرئيس "بايدن " يهمه ان يكون خير خلف لذلك السلف، ويترك بصمات إيجابية في المنطقة عليه أن يكون واضحاً وشفافاً مع شعبه قبل غيره وصريحاً في نهجه وتوجهه مع شعوب المنطقة الذين أصبحوا لا حول لهم ولا قوة ، وأن يكّف عن دعم المنظمات الإرهابية للقضاء على منظمات أخرى إرهابية، وما يحدث بين جماعة الحوثي وابتزاز الاماراتيين من خلال هذه الجماعة دليل آخر على تواطئ الغربي مع هذه الحوادث التي باتت تتكرر بشكل شبه يومي، ربما هذه الاستراتيجية على المدى القريب تحصد النتائج لصالح مشاريع انتخابية لكن على المدى البعيد، ستنقل صورة سيئة عن الشعب الأمريكي الحر، ويعتبر إهانة لتمثال الحرية في نيويورك وخاصة هناك عشرات من المعتقلات السرية داخل القواعد العسكرية الأميركية تستخدمها كوادر حزب العمال الكردستاني ضد المعارضين لهم في منطقة شرق الفرات وتغض واشنطن النظر عن هذه الممارسات لأسباب غير معروفة لدينا حتى الآن.
شعوب المنطقة باتت اليوم تنتظر من الرئيس "بايدن" الكثير لتحقيقه على الأرض الواقع والتواصل مع ممثليهم الحقيقيين لبحث عن الحلول الجذرية لإعادة الأمن والاستقرار إلى ربوع المنطقة والعمل على وقف نزيف الهجرة نحو المجهول لأن اللعب بثعبان المنطقة وجعلهم سلاحاً ذا حدّين لضرب الدول والمنظمات ببعضها البعض باتت استراتيجية خاسرة والرهان عليه و على المدى البعيد خاسر أيضاً، وهنا لا بد من الإشارة، أن السيدة "نادين ماينزا " رئيسة المفوضية الدولية الأمريكية لحرية الأديان تلعب اليوم دوراً رائداً في منطقة شرق الفرات داخل سوريا وبرنامجها لدعم أهالي المنطقة، تفتخر شعوب المنطقة بوجود هكذا اشخاص بينهم للعمل سوياً لدعم التنمية المستدامة في هذه المنطقة.
على الرئيس" بايدن" ان يدرك تماماً بان سوريا كدولة ليست أفغانستان ولا الصومال ولا حتى كوبا ، الشعب السوري شعب عريق وحر وواعٍ، ويدرك تماماً لما يجري على الأرض ومن حوله ، فلا شك أن هناك الكثير من القوى تتصارع اليوم على سوريا، وتنهش بجثتها، وتقف عائقاً أمام تطور هذا الشعب من خلال المحافظة على النظام القائم في دمشق ، وكل ذلك يجعل من هذه الدولة والمجتمع بيئة خصبة لنمو الإرهاب ، وما يحصل داخل مخيم الهول بريف الحسكة خير دليل على ذلك بالتالي لا بدّ من البحث عن الحلول الجذرية لإغلاق الطريق أمام هذه الفوضى التي تجتاح المنطقة التي قلبّها راساً على عقب، ومن هنا نستطيع القول إن ما حصل في بلدة " أطمة " بريف ادلب وواقعة سجن الحسكة منذ أسبوع ووقوع أكثر من 500 شاب كردي ضحايا لأجندات حزب العمال الكردستاني تحت مظلة ( قسد ) كل ذلك نقلت صورة سيئة ومشوشة عن الأمريكيين وتواجدهم العسكري في سوريا، فالاستخبارات العاملة في شرق الفرات باتوا ينقلون الصورة المعاكسة لإدارة الرئيس" بايدن" وما يحدث في الميدان، وبناءً عليه لا بدّ من إعادة النظر في الإستراتيجية الأمريكية في سوريا العراق والاعتماد على العقل والمنطق والكف عن إثارة الفوضى ونشر الرعب بين الشعوب المنطقة ، فبروز دور موسكو وبكين في الساحة الدولية وتمددهما نحو شرق أسيا والتخبط في السياسة الامريكية في الشرق الأوسط كل ذلك سيخلق توازنات جديدة و ستغير قواعد اللعبة التي خلفتها الحرب الباردة في المنطقة.
يبدو أنه بات جلّياً سيأتي يوم تدفع فيه أوروبا العجوزة ثمن صمتها و فاتورة غباء حيتان البيت الأبيض في شرق آسيا وفي سوريا والعراق وخاصة لعبة أوكرانيا باتت بمثابة الكرة الثلجية، كلما تدحرجت تغيرت حجمها وقوتها على أرض الواقع ، فالكرة باتت اليوم في ملعب الرئيس "بايدن " لوضع النقاط على الحروف قبل فوات الآوان واستباقاً مع الزمن لتطويق هذا الفلتان داخل سوريا لمنع تكرار تجربة ( الفلوجة ) في العراق، وتجربة السوفييت المريرة في أفغانستان في أواخر الثمانينات من القرن الماضي، وحتى لا تتكرر هزائم الجيش الأمريكي في الشرق الأوسط وتحديداً داخل سوريا وينسحبوا منها أمام عدسات المصورين والصحافة مذلولين باعتبارها قوة جاءت لحماية أهالي المنطقة من إرهاب داعش وتتحول مع الوقت الى قوة "الاحتلال والغزو "بسبب تغيير في البرنامج والاهداف والإستراتيجية ومحاولة فرض وقائع جغرافية جديدة على الأرض رغماً إرادة عن الجميع .
ملاحظة: الآراء التي ترد ضمن قسم المقالات تمثل آراء الكتّاب ولا تعبر بالضرورة عن رأي كوردستان 24.