ما بعد الخلافات.. عبور وتجاوز للخلافات

Kurd24

كثيرا ماتكون مقرات الاحزاب السياسية او المؤسسات الرسمية مكانا للحديث حول الخلافات بين حزبين او طرفين سياسيين وللاعلام ايضا دور في تهدئة الخلاف بل واحيانا تاجيجه، ولكن ان تكون القنوات الاعلامية منابر لانتقادات هادئة ولتشخيص مناطق الخطا في عملية سياسية يراد لها التطور والاستمرار، وان يبدا البرنامج وينتهي بعقلانية وبدون اية مشادات كلامية او تراشق لفظي وبمشاركة نخبة مختارة من المهتمين بالشان السياسي، فهذا بحد ذاته خطوة مهمة لتغيير الفكرة عن الاعلام الشعبوي المعتمد على الفوضى والاستفزازات واثارة الروح العدائية.

اتحدث هنا عن برنامج مابعد الخلافات والذي سيقدمه الزميل احمد الزاويتي ، والمنتظر عرضه عبر قناة كوردستان 24 في بداية موسمها الجديد والذي استضاف خلال حلقتين كلا من هوشيار زيباري عضو المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكوردستاني ، وملا بختيار عضو المجلس الأعلى للسياسة والمصالح في الاتحاد الوطني الكوردستاني بمشاركة خمسة من نخبة المجتمع من صحفيين ونشطاء وكتاب، ليكون المشاركين شركاء حقا مع مقدم البرنامج في طرح اسئلة واستفسارات تخص مواضيع الحلقة.

من الممكن يناقشني البعض حول طريقة تقديم البرنامج ووجود ضيوف يشاركون المقدم في طرح الاسئلة نظرا لوجود الكثير من هذه البرامج ولكن، في هذه الحالة اختلفت الطريقة حيث عدد المشاركين محدود وجميعهم من المتخصصين في موضوع الحلقة وهذه هي النقطة الاهم التي تميز البرنامج عن غيره من الفقرات والبرامج واللقاءات التلفزيونية.

الحلقتين تناولتا تاريخ العلاقة بين الكورد والدولة العراقية خلال مامضى من قرن والتغييرات التي طرات على هذه العلاقة والصراعات والثورات والاتفاقيات السياسية بين الحكومة العراقية والثورة الكوردية، وناقشت ايضا تجربة الحكم في اقليم كوردستان والعلاقة بين الاحزاب الحاكمة وتحديدا الاتحاد والديمقراطي والخلافات وتشخيص الايجابيات والسلبيات في تجربة الاقليم بكل صدق ومسؤولية وشفافية.

في فترة كان فيها التراشق الاعلامي بين البارتي والاتحاد على اشده، من الممكن ان يتوقع اي شخص بان البرنامج سيسوده جو من القلق والمشادات الكلامية والانتقادات اللاذعة بوجود قياديين مخضرمين من الحزبين، الا ان هذا التوقع لم يحصل بل على العكس، حاول الطرفين ان يبينا مدى نسبة تسبب كل حزب منهما بالسلبيات التي نراها اليوم من خلال التجربة السياسية في الاقليم وتحديدا في فترة الحرب الداخلية التي كان الطرفان متفقان على انها اسوا مامر به الاقليم لكن المشتركات كانت سببا في اللجوء الى الحوار واستمرار العملية السياسية وتطورها في الاقليم.

قدم الضيفان تطمينا لايقبل الخطا حول مايخص تطور الخلافات بين حزبيهما مؤكدين بان هذه الخلافات ليست معقدة ولايمكن ان تتطور الى المواجهات المسلحة وبذلك قطعا الطريق امام كل كانوا يراهنون على العودة الى الاقتتال الداخلي، من شخصيات عراقية وعربية ومؤسسات اعلامية كانت تمهد لهذا الموضوع وتثيره في تقاريرها ونشراتها الاخبارية وبرامجها النقاشية.

واثبت الضيفان ومن خلال النقاشات والرد على اسئلة الحضور بان العقلية السياسية الكوردية ومهما كانت الخلافات اصبحت اكثر نضوجا من ذي قبل وان الخلافات لايمكن ان تقفل ابواب الحوار وان استمرار تجربة الاقليم وتطورها واستمرار المكتسبات هي الهدف الاساس والاسمى والاكثر الحاحا لدى كافة القوى السياسية الكوردستانية وان اية خلافات سياسية لايمكن ان تعيد الوضع الى نقطة الصفر، الا انهما لم يخفيا بان التجربة السياسية في اقليم كوردستان مازالت مستهدفة من قبل اطراف وفصائل سياسية ودول لاتستطيع هضم ماوصل اليه اقليم كوردستان من تطورات سياسية لايمكن ان تتحقق في دولهم او في اطرهم السياسية ، ولم يتناسيا ايضا التغييرات الدولية والمعطيات الجديدة التي من الممكن ان تطرا على اساس الظروف التي تتيح هذه المعطيات.

انتخابات اقليم كوردستان شكلت جزءا مهما من الحوار بذكر اولى العمليات الانتخابية في عام 1992 ومقارنتها ببقية العمليات التي تلتها وضرورة اجرائها في هذا العام بوجود اتفاق سياسي يجمع كافة الاطراف على طاولة واحدة للخروج بحل يحفظ للاقليم مسيرته الديمقراطية ويبطل الحجج عن كل من ينتقد الاقليم والوضع السياسي فيه.

ولم تكن الحلقة بعيدة عن مبادرات ومقترحات لحلحلة الخلافات السياسية بين الحزبين قدمت من قبل زيباري وملا بختيار قلما تواجدت في برامج تلفزيونية وهذه النقطة ستكون وبكل تاكيد قوة للبرنامج ان استمر على هذا النمط الهاديء دون اللجوء الى مايمكن ان يعكر صفو الحلقة وطريقة النقاش.

ان وجود برامج حوارية بهذا الشكل، تشخص الخطا وتقترح الحلول للاخطاء وتفتح الطريق لانتقادات بناءة بغض النظر عن الانتماء الحزبي او المنهجي سيعيد ويصقل التعريف الشائع في الوقت الحالي بان البرامج السياسية ليست الا صراخا وتبادلا للشتائم والاتهامات حيث يبريء كل نفسه ويلقي بالاتهامات على الطرف الثاني، لان الرسالة الحقيقية للاعلام وانتشار البرامج وتفاعل المشاهدين معها، لن يكون باهمال المسؤولية الاجتماعية وعدم مراعاة طبيعة المجتمع والاخلاقيات الحقيقية للعمل الاعلامي.

ومن المهم جدا ان تستمر هذه الحوارات الاعلامية بهدف الحل، اي ان يكون الاساس في هذه الحوارات توضيح صورة الخلاف السياسي وبيان النقاط التي تقرب وجهات النظر من خلال اسئلة المقدم والمشاركين في الحوار من الضيوف واتمنى ان لايزيد عددهم عن خمسة، لان الوقت لن يتحمل اكثر من هذا العدد ومن الممكن ان يسود جو من الفوضى سيكون من الصعب السيطرة عليها ولن تسير الحلقة على النمط المطلوب والذي خطط له من قبل فريق الاعداد للبرنامج.

لكنني ارى من الضرورة بان لايقتصر تقديم هذه البرامج على اللغة الكوردية فقط، بل اقترح على ادارة القناة وفريق الاعداد للبرنامج ان تكون هناك حلقات خاصة تبث عبر منصات التواصل الاجتماعي باللغة العربية لكي يتسنى للمتابع العربي الاطلاع على مايحدث في اقليم كوردستان والتطورات السياسية التي يشهدها وان يتلمس الحقيقة من الفرد الكوردستاني ضيفا كان ام مشاركا وان يرى الواقع الذي تعمل العديد من المنابر والاوساط السياسية والاعلامية على تشويهها للجانب العربي، اي ان الاقليم يحتاج الى ان تكون هناك حوارات حول الشان الكوردي باللغة العربية وبنمط هاديء على اساس اعلامي بحت يراعي الاخلاقيات الاعلامية والصحفية واصول الحوار وطريقة النقاش دون ان يلجا الطرفان الى اساليب لاتمت باية صلة للاعلام.

وفي كل الظروف والاحوال، يبقى للمشاهد حق التقييم الاول والاخير وبالتاكيد سيرى المتابع الكوردي او من يتقن اللغة الكوردية طريقة التقديم وادارة الحوار والنقاشات التي شهدتها الحلقتين وهو من سيحكم على البرنامج وستكون لاحكام المشاهدين اهمية كبيرة في استمرار ماهو ايجابي واهمال السلبيات التي من الممكن ان تؤثر على سير البرنامج، لكن مايهم حقا ان الجميع سوف يرى جوا ايجابيا بعيدا عن النمط الفوضوي للحوار اساسه التمسك بنقاط التقارب الايجابية.