بغداد ، كوردستان - بارزان.. مشاكل وعقد نفسية – سياسية

Kurd24

قد يستغرب البعض من هذا التشبيه الذي ورد في عنوان المقال ولكن وللأسف هذه هي الحقيقة في تفسير العلاقة السياسية (وليست الجماهيرية) بين الحكومات العراقية المتعاقبة وحتى اليوم، مع القيادات السياسية في كوردستان وتحديدا الحزب الديمقراطي الكوردستاني وشعبية وجماهيرية البارزاني والانتماء الروحي الكوردستاني والانساني لنهج البارزاني.

من خلال ما تحدث عنه الرئيس بارزاني في مراسيم افتتاح الصرح التاريخي للبارزاني، تبيّن للجميع مدى الشر الذي كانت تكنّه القوى العراقية والأجنبية المحتلة للعراق في تلك الفترة قبل وبعد تأسيس الدولة العراقية لكل من كان ينتمي للبارزانيين انتماء روحيا أو من خلال القرابة بدليل محاولات الاغتيال لزعماء بارزان منذ أيام الشيخ الشهيد عبدالسلام البارزاني وصولا للزعيم الخالد مصطفى بارزاني والمحاولات المتكررة لاغتيال الرئيس بارزاني والشهيد ادريس بارزاني، حيث أعدم الشيخ الشهيد عبدالسلام في الموصل على يد العثمانيين، واستخدم البريطانيون ولأول مرة قنابل موقوتة في بارزان واعتقلت ونفت الشيخ احمد البارزاني وكانت تهدّد كل من يسير على دربه وطريقه والقصص في هذا الموضوع كثيرة.

وعلى الرغم من وجود أكثر من تفاهم واتفاق بين الحكومة الملكية العراقية وقيادة ثورة بارزان، الا أن جميع هذه الاتفاقيات ضربت عرض الحائط إما بضغط من بريطانيا او بضغوط داخلية من القوى التي كانت تحسب نفسها قوى وطنية في العراق واصدرت الدولة ولأكثر من مرة احكاما بالإعدام لقادة ثورة بارزان وبحجة مشاركة الملا مصطفى بارزاني في تأسيس جمهورية كوردستان في مهاباد حكم على الشيخ احمد بالإعدام ولم ينفذ وطولب ولأكثر من مرة بأن يعتذر الشيخ للدولة العراقية في مقابل تحريره، لكن الشيخ لم ينصع لمطالبهم وقضى فترة سجنه مقيدا بالسلاسل والأصفاد ولم يكن مستعدا للاعتذار واستمر الحال على هذا المنوال لحين اسقاط الحكم الملكي في العراق وقيام الجمهورية.

وبعد عودة البارزاني ورفاقه من الاتحاد السوفييتي سابقا والتعهد ببدء صفحة جديدة، وعلى الرغم من أن عبدالكريم قاسم والذي شارك في وأد ثورة بارزان ونال تكريما من الوصي عبدالاله نظير مشاركته في هذه المعارك كان يعلم جيدا من هم قادة بارزان، الا ان قراءته للواقع الروحي والسياسي للقادة لم يكن صحيحا أو أن جنون العظمة أعماه وأراد ان يبني لنفسه زعامة كاريزمية تضاهي زعامة البارزاني لكنه فشل في ذلك فشلا ذريعا فكانت ردة فعله ان يأمر باجتياح بارزان لتبدا شرارة ثورة ايلول.

ولم تكن فترة عبدالسلام عارف (الصديق اللدود) لقاسم والذين قيل عنهما (احدهما نصف مجنون والاخر نصف عاقل) بأفضل من فترة من سبقه على العكس، كان عبدالسلام يتباهى بجولاته في المناطق الجبلية في كوردستان ولم تكن الصحف اليومية تخلوا من صوره وهو في الجبهات ولم يكن يمر يوم الا وهذه الصحف تنشر عن تقدم في (الشمال ضد المتمردين والعصاة) ، ولم تمر أية فرصة إلا واستغلها للتهجم على البارزاني وقيادة الحزب الديمقراطي وثورة ايلول، الى أن انتهى به الأمر مقتولا في حادثة طائرة في البصرة في عام 1966 .

أما شقيقه عبدالرحمن والذي خلفه في الرئاسة، فقد كان مقتنعا تماما بمكانة البارزاني وتصرف ببراغماتية مع قيادة ثورة كوردستان إلا أنه أيضا لم يقدّم حلا مرضيا للازمات بدليل اسقاط حكومة عبدالرحمن البزاز وعدم الإيفاء بما جاء في بيان التاسع والعشرين من حزيران لعام 1966، ليستمر التخبّط في تلك الفترة ايضا لحين مجيء البعث الى سدة الحكم.

وللبعث نصيب الأسد من العقد النفسية والتي أنتجت مشاكل سياسية وازمات مازالت اثارها مستمرة الى يومنا هذا، وجميع هذه الازمات كانت إما بفكرة او بالمشاركة في الفكرة والتخطيط من قبل صدام حسين والذي كان نائبا لرئيس الجمهورية، وهذا بحد ذاته قصة لا يمكن التغاضي عنها، لأنها كشفت كل النوايا والاهداف الحقيقية لحكومة دولة لم تبدل موقفها تجاه شعب كوردستان على الرغم من تغيير مواقفها تجاه الكثير من الامور.

وفي حديثي مع العديد من شهود العيان على زيارة صدام ووفد مجلس القيادة الثورة في عام 1970 لقصبة حاج عمران والتوقيع على اتفاقية الحادي عشر من اذار مع البارزاني الخالد وقيادة الحزب الديمقراطي الكوردستاني، الجميع كان يؤكد على ان صدام كان منبهرا بالشعبية التي كان يتمتع بها الزعيم الخالد مصطفى بارزاني، هو كان يسترق النظر لطريقة تعامل البيشمركة واعضاء المكتب السياسي للبارتي والقياديين وعامة الشعب معه، وتفاجا بتواضع البارزاني مع الجميع بغض النظر عن السن والمنزلة الاجتماعية والمقام الذي تمتع به البارزاني، بل كان يسأل كثيرا : هل إن هذا هو التعامل الحقيقي للملا مع اتباعه ام هناك وجه اخر؟ ليصدم بالحقيقة التي كانت سببا في عقدته، عقدة النقص في الشخصية والتي ولدت منه هذا الشخص الذي ادار حكم العراق بالحديد والنار لأكثر من ثلاثة عقود نتجت عنها ثلاث حروب دامية والعشرات من المناوشات والمواجهات الداخلية امتدت من كوردستان الى جنوب العراق وحصدت ارواح الالاف من الشهداء الابرياء .

كان صدام مستعدا للتنازل عن شط العرب لإيران وفعلها، لأنه كان يرى من وجهة نظره الضيقة بأن عدم تنفيذ مطالب البارزاني يعني ازاحته من العملية السياسية وانهاء شعبيته، لذلك عمد الى توقيع اتفاقية الجزائر والتي تسببت في نكسة ثورة ايلول في عام 1975 ، وبدأت ماكنته الاعلامية بكيل التهم الباطلة ضد البارزاني وقيادة الديمقراطي لكن الصدمة كانت هي النتيجة الحتمية لان الانتماء لنهج البارزاني كان نهجا روحيا امتد لأكثر من قرن واصبح يتجدد يوما بعد يوم، ولذلك ارتكب جريمة الانفال ضد ابناء بارزان واعترف ودون اي تردد بفعلته متباهيا بها أمام عدسات الكاميرات.

وفي ثمانينيات القرن الماضي الف مدير الامن العام العراقي في ذلك الوقت فاضل البراك (والذي قتل على يد صدام) كتابا اطلق فيها تهما على البارزاني لم تكن الا في مخيلة الكاتب المريضة، ظنا منه بانه سيتمكن من تغيير افكار مواطني كوردستان تجاه البارزاني ونهجه، لكن المفاجأة هنا كانت ان الكتاب حقق نسبة خيالية من المبيعات، لا للموضوع او الاقتناع بالموضوع، بل لان صورة البارزاني كانت تتوسط الغلاف الاول للكتاب، وكان شراؤها بهدف الاحتفاظ بالصورة، والتخلص من الكتاب بحرقه أو دفنه تحت الارض، اي ان أبناء كوردستان كانوا متشوقين لصورة البارزاني لدرجة أنهم حققوا مبيعات لم يصدق حتى المؤلف نسبتها.

وعلى الرغم من التفاؤل الذي عاشه شعب كوردستان بعد اسقاط نظام البعث في التاسع من نيسان لعام 2003، إلا أن العقلية وبكل أسف لم تتغير، حيث سلكت كل الحكومات العراقية التي تشكلت بعد السقوط ذات السلوك مع اقليم كوردستان وان كانت بطرق او تصرفات اخرى، بتنصل حكومة الجعفري عن تنفيذ بنود المادة 140 والتهديد باجتياح اقليم كوردستان من قبل المالكي بطائرات الـF16 وقطع حصة الاقليم من الموازنة العامة العراقية والحرب التي اعلنها العبادي ضد الاقليم في 2017 وعدم الايفاء بالعهود والاتفاقيات المبرمة بين بغداد والاقليم في فترتي عبد المهدي والكاظمي، ومحاولة النيل من الاستحقاقات المالية الدستورية القانونية للإقليم في مشروع قانون الموازنة للأعوام 2023-2025 .

وفي كل مشكلة أو أزمة، نرى من خلال الاعلام الذي يعرف نفسه بتصرفاته بانه إعلام مضاد، تهجما غير مبرر على الحزب الديمقراطي وعلى الرئيس مسعود بارزاني وقيادة الحزب دونا عن غيره من الاحزاب، لا بل ترجح التصريحات كفة كل من يعارض البارتي او يختلف معه ليوصفوا من قبلهم بحماة الوحدة العراقية.

لقد اثبتت جميع هذه المراحل التاريخية التي عرجت عليها باختصار، بان المشكلة والعقدة بين اقليم كوردستان وبغداد هي الانتماء الصميمي والروحي لنهج بارزان الذي لا يتقبل الكذب والخداع والنفاق، لان اغلب القيادات السياسية هناك لا يمكنها استيعاب هذا الترابط التاريخي ، هي لا يمكنها ان تكون صادقة في نهجها ومسيرتها بدليل الالاف من الوعود التي اطلقت على الشعب العراقي دون ان ينفذ اي منها، فان كان اقليم كوردستان هو السبب في الفساد المستشري في العراق كما يروجون، فقد اثبتت جميع الحسابات المالية بان الاقليم لم يستلم اكثر من نسبة 5% من الموازنة العامة في حين ان الفساد في مؤسسة واحدة في أية محافظة عراقية يتجاوز الاربعين مليون دولار.

ان السياسة العامة في بغداد تتعامل مع اقليم كوردستان على هذا الأساس، هم يرون بانهم يجب ان يكونوا دوما اعلى من الإقليم ولا يمكنهم تقبل وجود شراكة حقيقية دستورية قانونية، لأنهم تعوّدوا على الإنفراد بالحكم والقرار، فان استمرت هذه السياسة على هذا النحو، تأكدوا بان العراق لن يخلو من الازمات ولن يكون بعيدا عن المشاكل والاستقرار سيكون حلما بعيد المنال.