الكرسي بين السلطة والخدمة

Kurd24

الكرسي مجموعة من القطع الخشبية او الحديد او أي مادة اخرى ترتبط ببعضها بمسامير او مادة لاصقة وغالباً ما تكون مغلقة بغلاف ناعم من الاسفنج تخصص للجلوس.

يعد الكرسي أهم جزء من الاثاث في المؤسسة او البيت حتى اعلى مراتب السلطة، و هذا ما يدفع صانعيها الى التفنن في صنعه وزخرفته و طلائه، في حين انه لا قيمة له عندما يكون خالياً ولا يلتفت اليه احد، اذاً لابد من ملئه بإنسان سواء كان ذكراً او انثى بحيث لا يصلح ان يجلس على الكرسي غير هذين، أي يجب ان يكون من بني آدم، وحينها يتحول الكرسي من مجرد كرسي اعتيادي الى منصة و مكاناً لإصدار القرارات والحكم، فإذا افترضنا جلوس شيء اخر (حيوان مثلاً) فانه لا يتحول الى منصب وان كان بعض ممن يجلسون عليه ابعد ما يكونون من بني آدم في سلوكه وتصرفاته .

على كل حال فان سر اهمية الكرسي يكمن في تحويله الى منصب، وهذا ما يدعو الى التنافس عليه بين اصحاب الشأن والطامعين بالمال والجاه فالكل يجر وراء المناصب فعندما يشغل الكرسي رئيس دولة وامبراطورا يتحول الى عرش وكم من حروب دامية حدثت للحصول عليه واعتلائه او للحفاظ عليه من السقوط وعندما يشغله رئيسا او مدير مؤسسة معينة يتحول الى مركز للإدارة وصنع القرار وتحديد مصير تلك المؤسسة او الاشخاص العاملين فيها.

إن الكرسي هو الوحيد الذي سجل له من الوقار والهيبة ومحل التنافس من بين ما يجلس عليه الانسان من الحصير والسجادة والفراش والمخدة وانه يمنح راكبه وجالسه صفة الشخصية المتميزة والمؤثرة (في غالبها) إلا ما رحم ربي من يكون في اصله كذلك وهو يمنح الكرسي الهيبة والاحترام، هذا الداء ليس محصوراً في الشرق دون الغرب بل ان بطون التاريخ ممتلئة بالحكايات شرقاً وغرباً، شمالاَ وجنوباَ مع الاختلاف في درجة الحب للكرسي والهدف من اعتلائه ولكنه يبقى الداء المقيت والمرض القاتل .

صحيح أن سبل الوصول اليه متعددة بين الانتخاب والانقلاب والثورة والعلاقات الشخصية والتملق للأعلى مرتبة واخيراً بالخبرة والمهنية وان الاختلاف في طرق الجلوس عليه يؤثر سلباً في الهدف منه، فان الذي يصل اليه بالانتخاب يجعل من الكرسي اداة لخدمة الشعب وخاصة في الغرب لان الانتخابات في الشرق لا تخرج من اطار اجراء قانوني بحت ليبدأ الفائز فيها باستغلاله لجمع المال وتكوين الجاه ومع خدمة طفيفة تمهيداً للحصول عليها ثانية او البقاء عليها اطول فترة ممكنة .

اما اذا كانت الثورة والانقلاب طريقاً للوصول الى الكرسي فان الطريق الوحيد لانتزاعه من صاحبه يكون بالثورة وبالتالي نهايته في انجس الصور وفق القاعدة المعروفة (الجزاء من جنس العمل) وفي المستويات الدنيا، فان كان حصوله مبنياً على العلاقات الشخصية والمدح والثناء والتملق الفاضح فانه يحاول البقاء عليه طالما يكون ماهراً في طريقة الوصول اليه ويجد الاذان الصاغية لكلماته الرنانة وعباراته البراقة، اما من وصل اليه بخبرته وبذكائه فانه يجعل منه وسيلة للخدمة والنفع العام لانه لم يأت ليبقى عليه.

باختصار فان طريق الوصول الى الكرسي يحدد الهدف منه بين ان يكون اداة للسلطة وفرض الذات وبين تقديم الخدمة وبشكل عام فان طول البقاء عليه يفرز العديد من الازمات وضعف الكفاءة وقلة الانتاج والابداع بالإضافة الى تنمية فكرة امتلاكه للأبد، وهذا ما يدفع اصحابها الى بناء اسوار من الحماية حولهم والركوب في السيارات المصفحة ذات الزجاجات السوداء، وهذا ما نعاني منه في اقليم كوردستان، املاً من الحكومة الجديدة ان تشخص الداء وتقدم العلاج المناسب له ليكون الكرسي اداة للخدمة العامة وتقديم الافضل اليهم دون ان يكون وسيلة لكسب المال والجاه من قوت الشعب المسكين الذي ينظر الى الكرسي بعين الشك والريب .

ان التمسك بالكرسي بات داءً تفشى في معظم الاوساط، ومن اجل الحصول عليه يكون مستعداً للتنازل عن اهم ما لديه من القيم و المبادئ، لأنه الطريق السهل المعبد في تأمين مستقبله ولعائلته والتباهي به والالتحاق يركب نظرائهم من أمثاله دون أي اعتبار لنضاله السابق ووعوده.

وفي سبيل معالجة هذه المعضلة المستعصية نقترح :

1- تحديد سنوات اعتلاء الكراسي لأربع سنوات مثلاً .

2- اعتماد معيار الكفاءة و الخبرة في اختيار الاشخاص .

3- اجراء التقييم الدائم والمستمر لعمل اصحاب الكراسي من قبل اشخاص يتمتعون بالنزاهة والاخلاص.

 

عبدالله جعفر كوفلي

ماجستير قانون دولي

 

 ملاحظة: هذه المقالة تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تتبناها كوردستان 24 بأي شكل من الأشكال.