الديماغوجية والسياسة

Kurd24

لو أمعنا النظر في مفهوم السياسة من الناحية النظرية نجد إنّ مصطلح السياسة لغوياً يعني يسوس أي يعالج الأمور، وهكذا ساس أي سير، نظم، ورتب شؤون أمرٍ ما، أما اصطلاحاً فتُعرف بمفهومها العام على أنّها مجموعة الإجراءات والطرق والأساليب الخاصة باتخاذ القرارات من أجل تنظيم الحياة، مما يعني أنها بشكل عام تدل على فن ادارة الدولة او فن ادارة الجماعة وهذا مما لاشك فيه ليس بأمر سيئ بل هو أمر مسموح به بل أكثر من ذلك هو ضروري لادارة الدولة والجماعات والأحزاب السياسية، فلا الدولة ولا الجماعات السياسية بإمكانها الصمود والاستمرار بدون السياسة فالسياسة هي الوجه الذي يتظاهروا بها في البيئة التي يعيشون فيها وهو الغطاء الذي يتلونون به تجاه الآخرين، إلا أن السؤال الذي يدور في الأذهان هو إذا كانت هذه سياسة فلماذا يرفض تسييس الامور حتى في مجال السياسة نفسها حيث أن الواقع اضهر لنا شئ مختلفا تماما، وقد تحول هذا المفهوم من أمر محمود الى أمر قبيح ومرفوض، واصبحت مسالة تسييس الامور مرفوضة حتى من قبل الجماعات السياسية نفسها، الا يدل هذا على التغيير تدريجي طرأ على مفهوم السياسة حيث لم يعد يحمل مفهوما إيجابيا بل مفهوما سلبيا مرفوضا، فعندما يتهم القضاء بتسييس الأحكام فهذا اتهام كبير يجلب النضر، والحالة نفسه تتكرر عندما تتهم الحكومة بتسييس الادارة واللجان فهذا ايضا امر مرفوض ويوجب المحاسبة والعقاب؟؟

هذا السؤال يقودنا إلى اثارة موضوع آخر وهو ماهية الديماغوجية، وما معناها وماعلاقتها بالسياسة، الديماغوجية كلمة يونانية مركبة و تتألف من كلمتين (ديموس)، بمعنى الشعب، و(غوجية) بمعنى العمل وهي تعني الاستراتيجية او القدرة على إقناع الآخرين بهدف الحصول على السلطة والكسب الخاص بالقوة السياسية وهذا عن طريق مناشدة جميع التحيزات الشعبية و عادة يكون  من خلال الخطابات والدعاية الحماسية لاستثارة العواطف الخاصة بالجمهور. أما معناها الاصطلاحي او السياسي ويعني مجموعة من الطرق و الأساليب التي يستخدمها السياسيون لخداع الشعب وإغراءه ظاهرياً للوصول للسلطة وخدمة مصالحهم. إذا فما يقوم به اغلب ساسة اليوم ليس الا نوع من الديماغوجية أي استخدام أساليب مظللة لكسب ود الناس بهدف الاستئثار بالسلطة والقرار وحماية المصالح الشخصية والضيقة باسم السياسة وحتى ان لم يكن باسم السياسة فالناس يعتبرونه سياسة كون السياسيون يقومون به.

 فإذا سلمنا بأن ما يقوم به السياسيون هو نوع من الديماغوجية، وكون الديماغوجية لا تعدو من كونها استراتيجية إقناع الآخرين وكسبهم وتوظيفهم لمصالح خاصة، فإن هذا أصبح مكتوبا على السياسة وباسم السياسة وجزءا لا يتجزأ من عمل السياسيين، وفي نهاية المطاف أصبح سياسة، اذا فلم تعد السياسة فن إدارة الأزمات، معالجة، تسيير، أو تنظيم الأمور، فلم يعد لهذا المفهوم أي وجود في أذهان الناس، وتم الخلط بين الديماغوجية كخداع والسياسة كفن وعلاج، وان مفهوم السياسة تم تلطيخه بسبب سوء الاستخدام وأصبحت السياسة فن جلب المصالح الخاصة للجماعة ضد جماعات اخرى وعلى حسابها، وفي مجال الدولي جلب المصالح ولوكان على حساب دول الاخرى او الجماعة الدولية باكملها.

وخلاصة القول إن ما يعتبر ديماغوجية اصبحت سياسة وطغى مفهوم الديماغوجية على السياسة وسلب السياسة معناه وفحواه وأصبح مصطلح السياسة يطلق على مفهوم الديماغوجية واصبح اسم الديماغوجية سياسة، (الديماغوجية و السياسة) فقد الاول اسمه والثاني محتواه

والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هل ستأخذ السياسة مفهوما جديدا مختلفا عما هو سائد، ويقوم فقهاء السياسة بإعطاء تعريف جديد وهجر التعاريف التقليدية، أم ستثور السياسة وفقهائها بوجه الساسة والواقع السياسي وينقذون السياسة ومفاهيمها الحقيقية والاصيلة من عبث ما يسمى السياسيين او السياسة.

 

ملاحظة: هذه المقالة تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تتبناها كوردستان 24 بأي شكل من الأشكال.