مابين التناقض وكرم الاخلاق، جبال شاهقة

Kurd24

قرأت قبل ايام رسالة مرسلة الى الرئيس مسعود بارزاني من احد السياسيين العراقيين وهو يعترض على اساءة تعرض لها سماحة آية الله العظمى السيد علي السيستاني في احدى القنوات الكوردستانية بأربيل، من قبل احد رجال الدين (من مرتدي العمامة السوداء)، ولمكانته ولعمامته ايضا جزيل الشكر والاحترام، الرسالة كتبت بلهجة شديدة فيها من الغضب مايكفي لاشعال حروب مختلفة بين اكثر من طرف بسبب طريقة الاعتراض وشرح الاسباب التي ادت الى هذا الغضب، وفي المقابل كان رد الرئيس بارزاني هادئا، واقعيا، فيه الكثير من الاحترام لسماحة السيستاني ولكل رجال المرجعية الاجلاء وخص منهم العلامة السيد محسن الحكيم والذي سمت حكومة اقليم كوردستان شارعا باسمه لمواقفه المشرفة مع الكورد.

 

بالتأكيد لايمكن لأي كان ان يسمح بالاساءة الى اي شخص حتى لو كان في اطار الاعتراض والنقد ان كان في ذلك الرأي تجاوزا للحدود والخطوط الحمراء وخصوصا لاشخاص لهم ملايين من المريدين والتابعين ومن يسيرون على دربهم ونهجهم،ولن يسكت الرئيس بارزاني بالتأكيد عن هذه الاساءة وسيبين موقفه، لأنه وكما تعود الجميع عليه لايمكن ان يقبل بالاساءة حتى للعدو (بشهادة القاصي والداني)، ولكن ألا يجدر بنا ان نراجع الكم الهائل من التناقضات التي يحملها هذا الموضوع الذي يحز دوما في نفس كل من عاش في كوردستان، لالشيء إلا لمن يريد ان يبين بأن مقدسات ومحترمات الاخرين لاتساوي شيئا امام اناس واشياء يقدسها ويريد فرضها على الاخرين.

 

منذ اكثر من مئة عام وشخصيات من الكورد يُذبحون ويُقتلون ويُغتالون ويُهانون ويُشتمون، من قبل كل الحكومات التي تعاقبت على حكم العراق، ولم تكن الاهانة تأتي من طرف واحد، بل ان الدولة العراقية ودول اخرى عربية واسلامية بمنظماتها وشخصياتها واحزابها وتنظيماتها المدنية ونشطائها (المدافعين عن حقوق الانسان) وحتى ابسط المواطنين، والاتهامات كانت دوما جاهزة في قوالب اعلامية تعودنا عليها، فنحن من كنا دوما بنظرهم الانفصاليون الصهاينة، مفرقي الجماعات والمتسببين في زعزعة (الوحدة العربية) والكفار والمرتدين الذين لايستحقون الا القتل والذبح والسبي باستغلال آيات من القرآن الكريم وفتاوى من اناس محسوبة على الانسانية والدين.

 

ان من تطاول على سماحة السيد علي السيستاني لم يكن الا شخصا ينتمي الى ذات الطائفة التي ينتمي اليها سماحته ومريديه، اي لم يكن كورديا او كوردستانيا، وجاءت هذه الاساءة في فترة تشهد فيها اغلب مدن ومحافظات العراق نقما شديدا على الطبقة السياسية وكل من يدعم من قبل المرجعية وعلى الدول التي تساند المرجعية في دعم هؤلاء السياسيين، ووصل الامر الى حد تمزيق صورهم وحرقها وحرق مكاتب تابعة للمرجعية ولأحزاب تأسست بدعم من رجال دين اجلاء ثاروا على الدكتاتورية والطغيان البعثي الصدامي، لماذا لم نسمع ماسمعناه تجاه هذا الذي اساء بكلامه لسماحته؟

الم يتهم البارزاني الخالد بالعمالة لهذه الدولة وتلك؟ الم تمزق صور الرئيس مسعود بارزاني بحجة المطالبة بحق شرعي قانوني لاتعترض عليه اي من الاديان السماوية؟ ألم يظهر على المنابر الدينية اناس تلفظوا باكثر الكلمات النابية ضد ممثلي شعب كوردستان وقياداتهم بنعتهم باكثر الكلمات قبحا مما لايتحملها القاموس الانساني؟ فهل من يحترم لديهم (ولدينا ايضا بلاشك) خطوط حمراء، ومن نحترمهم نحن لايساوون شيئا؟

الرئيس مسعود بارزاني هو سليل عائلة عرفت بالتدين والتقوى وبقيادتهم للنضال القومي الانساني، دينيا طريقتهم نقشبندية ومنهم خرج خيرة علماء المسلمين في مختلف الجوانب الدينية، حيث يظهر الاسلام الحقيقي بصورته الانسانية من هذه البقعة الجغرافية الصغيرة التي قصفت ودمرت منذ زمن العثمانيين وحتى انفال عام 1983 اكثر من سبعة عشر مرة . القائد الراحل مصطفى بارزاني كان رجل دين عرف في كل الاوساط باسم (الملا)، وكان يعشق مجالسة رجال الدين والاتقياء وهذا ماجعل المخابرات العراقية تدبر له عملية اغتيال عن طريق رجال دين مفخخين ولم يكونوا ايضا على علم بهذ التفخيخ، بارزان انجبت مولانا الشيخ الشهيد عبدالسلام بارزاني، والذي وحد الكلمة الكوردستانية الانسانية ومنح المراة حقوقها ولم يسمح بالتطاول حتى على الحيوانات لكونها نفوس خلقها الله، في زمن كان فيه تصويت النساء في الانتخابات الرئاسية بالولايات المتحدة الامريكية امرا ممنوعا ومحرما.

بارزان ايضا ظهر منها مولانا الشيخ احمد بارزاني، الذي رفض كل محاولات الإغراء بالاموال والترف واختار لنفسه حياة بسيطة ملؤها الانسانية سائرا على شعار : كن انسانا اولا، واغنى مولانا السياسة الكوردية بحكم انسانية مازالت موضع ومحط اهتمام لدى الجميع حيث اصبحت كوردستان لايوم مأوى لمن لايجد لنفسه الامان والطمأنينة حتى في بيته وبين اهله.

فأن كان الذي اغضبكم هو تجاوز لشخص له قيمة وقامة دينية وروحية ويحترمه الكوردي قبل العربي شيعيا كان ام سنيا، كنا نستطيع ايضا ان نضع امامكم خطوط حمراء يستحيل اجتيازها، الا ان السعي وراء الانسانية والمضي قدما نحو التطور والتقدم والارتقاء بمستوى الحياة كان هو الهدف الوحيد والاساسي لهذا الشعب، وهذا ماجعلكم تستغلون الفرصة لتصبوا جام غضبكم على كل ما لا يتماشى مع هواكم وبتوجيه من الاخرين، لانكم وبكل صراحة لاتعرفون حتى تحديد المقدسات والخطوط الحمر.

اذكر صاحب الرسالة التي رد عليها الرئيس بكل احترام، بان المتظاهرين وبعض السياسيين المتقلبين والببغائيين الذين يسمعون ويرددون ممن كانوا يقبلون يد هذا المرجع او ذاك، يتطاولون اليوم على كل المراجع الدينية ويرجعون اليهم سبب الخراب الذي حل بالعراق، هذا ما لايفعله الكوردستاني بداخل وخارج بلاده، ومع كل ذلك، ترفع الادارة المفروضة على كركوك صور المراجع والائمة في كركوك في تاكيد على محاولاتهم البائسة لاخفاء فشلهم في بقية المدن الاخرى.

ان ابداء الرأي والاعتراض يا ايها الاخ لايعتمد على هذا الاسلوب من الحديث، بوجود التمنن والتفضيل من طرف على آخر، فعندما تضامن سماحة السيد محسن الحكيم لم ينتظر من البارزاني ولا القيادة الكوردية اي مقابل يذكر، فاقتدوا باخلاقه، وانصحك ايضا ان تقرأ التاريخ الحقيقي لتعلم مدى الاحترام الذي يكنه كل كوردستاني لاية شخصية كانت حتى وان لم يكن يريد علاقة ايجابية مع هذا الشعب، حتى لو كانت لديه نية عدائية تجاه شعب كوردستان، والادلة كثيرة لاتعد ولا تحصى.

لقد اثبت في هذا الاسلوب من الكتابة حقا ، بان هناك جبلا شاهقا بين تناقضات اعتمدت عليها في رسالتك، وبين كرم الاخلاق الذي رد به الرئيس بارزاني على ماتفضلت به، ومهما مر الزمن، لاعيب في ان يراجع المرء ذاته ليتزن في رايه وكلامه.

 

ملاحظة: هذه المقالة تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تتبناها كوردستان 24 بأي شكل من الأشكال.