حديث في الموازنة المالية

Kurd24

يكثر الحديث في عراق اليوم عن الموازنة العامة للدولة العراقية. حيث صارت الموازنة وعجزها موضوعا أثيرا ينافس السياسة ويزاحمها في مجالس المثقفين والعامة على حد سواء. ويمكن تعريف الموازنة العامة للدولة (Budget) بأنّها التخمينات أو التقديرات المتوقعة لكل من مصروفات (نفقات) وإيرادات (عوائد) الحكومة ومؤسساتها لسنة واحدة، ويُطلق على هذه السنة اسم السنة المالية والتي تتوافق عادة مع السنة التقويمية. وتعد الموازنة مؤشرا ً لقياس الأداء الحكومي خلال السنة المالية. أما العجز في الموازنة العامة فهو الحالة التي تحصل عندما تزيد نفقات الحكومة عن إيراداتها. وفي العراق، توضع الموازنة بصيغة مشروع قانون يعرض على البرلمان في الأشهر الأخيرة من السنة لتصبح جاهزة للتنفيذ في بداية السنة اللاحقة.

وحول استعدادات الحكومة العراقية الجديدة بشأن الموازنة، أعلنت اللجنة المالية في البرلمان العراقي، في الأول من شهر تموز الجاريـ أن وزارة المالية شرعت بالفعل بإعداد مشروع قانون الموازنة العامة للسنة المالية المقبلة 2021. ويبدو من ذلك، أن الحكومة قد تخلت عن قانون موازنة العام الحالي 2020 والذي تأخر إصداره بعد انقضاء أكثر من نصف العام الحالي. وبموجب المادة 110- سابعا من دستور العراق لعام 2005، فإن للسلطات الاتحادية صلاحية وضع قانون الموازنة العامة والاستثمارية. وبحسب السياقات التشريعية، يعرض مشروع قانون الموازنة والذي تعده وزارة المالية على مجلس النواب للمناقشة وإجراء بعض التعديلات قبل إقراره، ثم يوقع عليه رئيس الجمهورية وينشر لاحقا في الجريدة الرسمية ويصبح القانون بعدها ساريا.

‏إن الأعداد المبكر لقانون الموازنة للعام المقبل 2021 من قبل وزارة المالية يعد أمرا جيدا، ربما لضمان عدم حصول تأخير فيها كالذي أصاب سابقتها موازنة العام 2020 والتي لم تناقش في البرلمان ولم يصادق عليها. ‏وبالنسبة لموازنة العام 2020، فإن عدم إقرارها يعود لأسباب عدة منها تأخر وصولها إلى البرلمان وظهور خلافات بشأنها حتى قبل عرضها رسميا للمناقشة في البرلمان وكذلك بسبب الارتباك الذي حصل في الحكومة بعد انطلاق التظاهرات الشعبية في شهر تشرين الأول عام 2019 والمسماة بثورة أكتوبر والتي استقالت على أثرها الحكومة في شهر تشرين الثاني من العام ذاته. وبعد ذلك التاريخ، أصبحت الحكومة حكومة تصريف أعمال ليس من صلاحياتها العمل على الموازنة وقانونها. ونشأ عن ذلك فراغ دستوري أستمر الى 7-5-2020 يوم تسلم الكاظمي رئاسة مجلس الوزراء.  

أهمية قانون الموازنة العامة

قانون الموازنة له أهمية بالغة في الإدارة المالية لأية حكومة أو دولة، فهو يمثل الإطار القانوني لجميع النشاطات والعمليات المالية خلال سنة واحدة. تتضمن الموازنة أبواب الصرف وجداول مفصلة لثلاث عناصر أساسية: الإيرادات المالية والنفقات الجارية والاستثمارية والعجز المتوقع وسبل تغطيته.

‏والملاحظ أن الحكومة الجديدة للسيد مصطفى الكاظمي، ولم يمض على مباشرتها سوى شهرين، منهمكة في إجراء إصلاحات اقتصادية مهمة، منها إلغاء ازدواج الرواتب وشطب رواتب الفضائيين ورواتب أخرى دون استحقاق وتحت مسميات مختلفة، وبسط سيطرة الدولة على المنافذ الحدودية لاسترداد كامل الواردات والرسوم الجمركية فيها. وبحسب تصريح للكاظمي، فأن لدى الحكومة ورقة بيضاء للإصلاحات، ويفسر ذلك بأن الإصلاحات مستمرة ولا تراجع عنها وهي مفتوحة بكل الاتجاهات والمجالات. ومن المؤمل أن ينجم عن هذه الإصلاحات عوائد مالية جديرة بالاعتبار لصالح الخزانة العامة. ويتفق اقتصاديون، أن المردودات المالية الإضافية ستتجلى بعد عدة أشهر على أقل تقدير، عليه فإن التسرع في تشريع قانون موازنة العام 2021 ربما سيجعل تخميناتها للإيرادات، على وجه الخصوص، أقل واقعية وغير دقيقة.

هل قانون الإدارة المالية بديل عن قانون الموازنة؟

‏تشير بعض الخطابات الرسمية بأنه في غياب قانون الموازنة فإن إدارة الشأن المالي ستعتمد على قانون الإدارة المالية رقم (6) لسنة 2019. وهذا الأمر يجانب الصواب، فقانون الإدارة المالية يبين آليات تنفيذ قانون الموازنة ولا يشكل بديلا عنه. هذا الاعتقاد الخاطئ ربما عززته المادة 13-ثالثا من هذا القانون والتي تنص على (في حال عدم إقرار قانون الموازنة للسنة الحالية، فإن البيانات المالية للسنة الماضية تعتمد أساسا في صرف مبالغ ‏السنة الحالية). لكن هذا الأمر لا يمكن تطبيقه على العام الحالي 2020، لأن انهيار أسعار النفط وانخفاض إيراداته إلى النصف بدءا من شهري آذار ونيسان المنصرمين، سيغير وبدرجة كبيرة كل التخمينات المعدة لإيرادات قطاع النفط وهو القطاع الأكثر تأثيرا (حوالي 95%) في الموازنة. كما أن الأزمة الاقتصادية العالمية تركت أثارها كذلك على القطاعات غير النفطية فتأثرت إيراداتها هي الأخرى، وبالتالي لن تكون تخمينات إيراداتها مقاربة لما سيفرزه الواقع الاقتصادي الجديد.

‏وبموجب المادة 28 من قانون الإدارة المالية، ينبغي غلق الحسابات الختامية للسنة المالية المنتهية قبل 31 كانون الثاني من السنة التالية. لكن عند عدم وجود قانون صادر للموازنة في تلك السنة، فإن الحسابات الختامية لن يكون لها وجود ولن يكون بالإمكان تدقيق ومراجعة تفاصيل موازنة العام الحالي. ‏المفارقة الأخرى، أن الحكومة لم تقدم الحسابات الختامية للموازنة لعدة سنوات سبقت 2019 إلى البرلمان لغرض المراجعة والمصادقة ّ!! ولم تقدم لذلك أية تفسيرات واضحة ومقنعة. وهذا الأمر يعد تقصيرا كبيرا تتحمله السلطات المالية في الحكومة التي لم تقدم هذه الحسابات الختامية وكذلك البرلمان الذي لم يطالب بها بإصرار. وهذا الأمر يثير العديد من علامات الاستفهام ويعزز الظنون والشبهات حول وجود محاولات لإخفاء الهدر والفساد في أبواب الموازنة بقسميها الإيرادات والنفقات.

إن بلدا كالعراق كان مهدا لأولى الحضارات وأقدم الشرائع يستحق أن تكون قوانينه وتشريعاته، وبضمنها قانون الموازنة، ملبية لطموح العراقيين في موازنة دقيقة وشفافة توضح كيفية توزيع أموال وخيرات هذا البلد حتى وفي ظل اقتصاد مترنح تحت انتكاسات أسعار النفط وهجمات وباء كورونا وتجاوزات النفعيين والفاسدين.

 

أستاذ جامعي 

 

ملاحظة: هذه المقالة تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تتبناها كوردستان24 بأي شكل من الأشكال.