العراق بعد الانتخابات

Kurd24

إذا كانت الديمقراطية هي النظام السائد والمفضل في العالم الحديث، فإن الانتخابات هي الوسيلة للوصول الى هذه الوسيلة وتجسيدها أمراً واقعاً، إلا أن الانتخابات ليست الهدف بحد ذاته بل وسيلة للوصول إلى الهدف.

لقد اعتاد الشارع العراقي على الحكومات التقليدية وعلى الدعوات الى الانتخابات المبكرة، فكلما تنتهي عملية انتخابية و يتم تشكيل حكومة وبرلمان تظهر هنا وهناك مشاكل تنتهي بدعوات الى انتخابات مبكرة، وكأنها الحل الأوحد والعصا القاهرة لكسر شوكة الخلاف.

وتتزايد الدعوات الى ان تجد الحكومة نفسها في هامش محاصر لا خيار لها إلا الإذعان والإعلان عن انتخابات مبكرة، والأكثر لفتا للانتباه هو التحمس من قبل الأحزاب السياسية وتسارعها الى إعلان ائتلافات وتكتلات تحت مسميات براقة، وكأنها تأتي من كوكب آخر لتنقض البلد من الظلام، ناسية أنها جزء أو ربما السبب الرئيسي للمشكلة.

فتقوم المفوضية بإعلان الموعد، وتدخل الأحزاب في ائتلافات جديدة، كلها تحمل رايات "الإصلاح" و"محاربة الفساد" و"محاكمة الفاسدين"...الخ. ثم تنتهي العملية، وتكون هناك اتهامات بتزوير الانتخابات وخروقات كبيرة وشراء للأصوات... وبعد حسم الشكاوى والاتهامات تبدأ المشكلة الأكبر وهي تسمية الرئاسات الثلاث، فتقوم نفس الأحزاب ونفس الوجوه- تحت أسماء ائتلافية جديدة- بتقديم المرشحين، إنا لا ألوم وجود نفس الوجوه ونفس الأحزاب بل ألوم وجود نفس النهج ونفس الخطى... وأخيراً تتمكن الأطراف على تسمية الرؤساء الثلاثـ لكي يقوم رئيس الوزراء المكلف بتشكيل ربع حكومة ويقوم بنفسه بإدارة ما تبقى من حقائب حكومية الى أن يتم اختيار وزراء "نزهاء" إلا أن الحظ لم يحالفه أن يكمل حكومته وتظهر نفس الاتهامات ونفس الانتقادات لنفس المشاكل إضافة الى أخرى جددـ وثم دعوات الى انتخابات مبكرة! وبالتالي الرجوع الى النقطة التي بدأنا منها!

إذن فما الجدوى من الانتخابات؟ وماذا جنيناه غير ضياع المال والوقت؟ نحن لسنا متشائمين، إلا أن الاعتماد فقط على الانتخابات أو إعادة الانتخابات وان كانت أحياناً ذات جدوى فأنها ليست دوماً الحل المفضل، فالعراق خاض عدداً من الانتخابات إلا أن الوضع لم يتغير بل توجه من السيء إلى الأسوأ. هذه الحقيقة تقودنا الى إثارة عدة أسئلة، أهمها: ما الجدوى من الانتخابات لاسيما المبكرة؟ وما هو الخيار المفضل والبديل الذي يمكن أن تلجأ إليه الأطراف إذا كنا قدا أسلمنا بان الانتخابات ليست هي الحل؟

كما أشرنا إليه آنفا بأن الجديد في كل عملية انتخابية هو فقط تغيير في توزيع الأحزاب على كتل وائتلافات وليس هو إلا تغيير في المسميات والدعايات ولا غير!!! وخاصة أن مسألة التصويت باتت محسومة طائفياً فلا نتصور تصويت أبناء طائفة معينة لمرشحين من طائفة أخرى مهما كلف الثمن، وهذا يوحي بانه لن يكن هناك أي تغيير في حجم وقاعدة الكيانات المشاركة، إذا الفكرة واضحة بان المسألة لا تعدو اكثر من صراع حزبي وتكتلي على تقاسم السلطة والمصالح، فالأطراف السياسية لا تتحرك إلا حينما ترى مصلحتها الضيقة في مأزق ولا يهمها ما يسمى "مصلحة البلد" ولذلك فهي لا ترى المصلحة إلا في التنقل من كتلة إلى أخرى وإعادة الانتخابات كل يوم أملاً منها أن يصادفها الحظ مرة كـ(لعبة النرد)، وهذا ما أعمى الساسة عن رؤية أي حلول، بل أساساً لا ترغب تلك الأطراف برؤية أي حلول إن صح التعبير، لأنها عثرت على الحل، والذي هو بمنظارها الخاص يصب في مصلحتها.

ما الحل؟

لا أحبذ سرد نقاط الحلول بقدر ما أريد التركيز على المشكلة، فإن علمنا أين المشكلة واعترفنا بوجودها فهي بحد ذاتها حلاً، فالتمسك بالحلول والأساليب التقليدية هي التي أوصلت العراق الى ما وصل إليه، وعدم اخذ العبر من الأحداث هي مشكلة أخرى، فكان من المفروض على ساسة العراق- إذا كانوا حقاً يعملون لخدمة البلد- أن يفكروا في خيارات أخرى خاصة بعد الخوض في اكثر من 4 جولات انتخابية- وان يعترفوا بان هناك خللا لا بد من إصلاحه وفراغاً لابد من ملئه، وكان عليهم أن يعلموا بأن العراق بأطيافه وأطرافه وقومياته وأحزابه ودياناته ومذاهبه المختلفة، يتطلب حلولاً خاصة لا تقتصر على إنشاء كتل وائتلافات وحسب، بل تمتد إلى حلول جوهرية تتعلق بنوع من الاستقلال وإدارة الذات لهذه الطوائف التي لا ترضى أن يحكم بعضها البعض، وان تقضي على سياسة التهميش، واحترام إرادة الشعب المتمثلة بالالتزام بالدستور، وان توفر ابسط متطلبات العيش من مياه وكهرباء وصحة وتعليم، وتنقذ سمعتها الخارجية فيما يتعلق بالفساد و ملفات حقوق الإنسان والبيئة، الخ... فضلاً عن توفير الأمن والاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي، والاحتفاظ بقدراتها الأكاديمية عن طريق توفير فرص عمل وضمانات اجتماعية، وإصلاح مؤسساتها القضائية وعلى وجه الخصوص المحكمة الاتحادية بما لها من دور أساسي في بناء دولة القانون وتجنيبها من التأثيرات والتدخلات الحزبية...الخ.

وأخيراً، يمكننا القول بان العراق المتمثل بأطيافه السياسية والدينية والمذهبية جرب الانتخابات بشكلها التقليدي، وخاض بما يكفي من العمليات الانتخابية، وجرب طيفاً واسعاً من الائتلافات بتسمياتها الوطنية البراقة واللامعة، وجرب كثيراً من النظم الانتخابية وابدع "سانتياغو" العراقي، وقسم البلد إلى دوائر متمثلة بالمحافظات ولم يكتف بذلك فقام بزيادة عدد الدوائر الى أربعة أضعاف في هذه الانتخابات، ليزيد الطين أكثر بلة، فلا أتصور أن يقوم ممثل برلماني انتخب من قبل ضاحية في البصرة بخدمة ميسان والعكس صحيح، لذلك فإن الانتخابات بهذا النهج الحالي، أو بمعنى لآخر التركيز فقط على الانتخابات بدون التفكير بحلول أخرى لا يمكن أن يجني أي فائدة سوى الرجوع إلى الوراء حتى لو قمنا بخوض الانتخابات في كل سنة فان الأمر لن يتغير كثيراً وتبقى الأمور كما هي بل ستتجه الى الأسوأ، وعليه  إن الوقت قد حان إلى تغيير النهج والخطط والحلول، والشروع في خطوات جوهرية وقرارات جريئة، حتى تعود الثقة إلى الشارع.