العراق.. إلى أين؟

Kurd24

إن التسارع الذي تشهده الساحة العراقية تنبئ بتطورات خطيرة، قد تنذر بانهيار الدولة العراقية، وفشل العملية السياسية برمتها، وتفتح الباب على مصراعيه أمام العديد من الاحتمالات، ولعل عملية إلقاء القبض على القيادي في الحشد الشعبي قاسم مصلح كان بمثابة القشة التي كسرت ظهر البعير، وسارعت بشكل ملحوظ من اقتراب ساعة الحسم المنتظرة بين الحكومة العراقية متمثلة بلجنة الفريق أبو رغيف، والمشكلة بأمر رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي لمكافحة الفساد من جهة، والميليشيات الشيعية المسلحة المنضوية تحت ألوية الحشد الشعبي من جهة أخرى، والتي يحمّلها الكثير من المراقبين مسؤولية التردي الكبير في الوضع الأمني، وتكوين حالة اللادولة التي يعيشها العراق، وإذا كانت هذه الحالة قد طرأت على الساحة العراقية منذ الاجتياح الأمريكي للعراق، فإنها قد تكشّفت بصورة واضحة بعد تظاهرات تشرين الثاني، وما رافقها من أحداث وتداعيات، قلبت الساحة العراقية رأساً على عقب، وجعلت العملية السياسية أمام مفترق طرق، فإما الانقياد الى حرب أهلية غير معروفة الملامح أو النتائج، قد تخسر فيه القوى الشيعية كل المكاسب السياسية التي تحصلت عليها بعد العام 2003، أو التنازل عن بعض مكاسبها السياسية والنزول عند رغبة الشارع المنتفض، والموافقة على الحد الأدنى من مطالبه، لحين إعادة تشكيل الوضع السياسي، والخروج من المأزق الذي وجدت هذه الأحزاب والقوى السياسية نفسها فيه، وهي تواجه نتائج فشلها السياسي والاقتصادي، والتي جعلت الشارع العراقي منتفضاً ومطالباً بإصلاحات جذرية تشمل العملية السياسية برمتها.

لقد قادت عملية اعتقال قاسم مصلح الى جملة من التداعيات الأمنية والسياسية الخطيرة، لعل أبرزها ظهور عمق الفجوة العميقة بين الحكومة العراقية التي خاضت صراعاً طويلاً ومريراً في إثبات نفسها، وتحاول جاهدة فرض سيادة الدولة والإمساك بزمام الأمور التي وصلت حد الانفلات على جميع المستويات، وبين الميليشيات التي تحاول الحيلولة دون ذلك، وتحاول فرض سياسة الأمر الواقع، واستغلال نفوذها السياسي في الساحة العراقية، واستثمار عناصر قوتها، وهذا الأمر يقودنا الى جملة من التساؤلات لعل أهمها:

هل كانت الدولة العراقية مستعدة فعلياً لاتخاذ هذه الخطوة العملية، والمتمثلة باعتقال شخصية تعد من صقور قيادات الحشد الشعبي؟ أم أن هذا الأمر جاء بشكل متسرع وغير مدروس؟

وهل تحسّبت حكومة الكاظمي للتداعيات المحتملة لهذه الخطوة؟

إن الإجابة عن هذه التساؤلات التي تطرح نفسها بشدة، تدعونا الى التوقف عند بعض النقاط المهمة، فالقوات الأمنية ومنذ تولي السيد مصطفى الكاظمي رئاسة الوزراء، وقيادة القوات المسلحة، حاولت فرض نفسها في الساحة وغيّرت من أساليب عملها في الفترات السابقة، من خلال القيام بجملة التغييرات في المناصب الأمنية والإدارية الحساسة في الدولة العراقية، والتي أثارت بطبيعة الحال القيادات الشيعية، لكنها لم تستطع تغيير ذلك الواقع، وعبّرت عن امتعاضها مراراً وتكراراً لهذه القرارات التي اتخذتها الحكومة، واعتبرتها تجاوزاً  من الحكومة لخطوط حمراء اعتبرتها تلك القوى  مكاسب سياسية ودستورية لا يجوز المساس بها بأي شكل من الأشكال، وقد ولّد ذلك احتقاناً واضحاً، بينها وبين الحكومة، وقد تجلّى ذلك بوضوح في طلبات بعض النوّاب سحب الثقة من حكومة الكاظمي، حتى حانت اللحظة المناسبة لاتخاذ الخطوة الأهم، والمتمثلة بمباشرة القوات الأمنية البدء بعملي تنفيذ المطلب الجوهري والأساسي للمتظاهرين، وهو تحديد قتلة المتظاهرين، وإلقاء القبض على واحدة من الشخصيات الأساسية المتهمة بشكل مباشر في قتل المتظاهرين.

وأرى أن هذه العملية ستشكل منعطفاً خطيراً في حسم الصراع لصالح الدولة، وذلك لأنها وجّهت ولأول مرة اتهاماً مباشراً لقيادات الحشد الشعبي، وعلى الرغم من إطلاق سراح اللواء مصلح بعد أيام من احتجازه، والتحقيق معه، بداعي عدم كفاية الأدلة، وإن كان الكثير من المتابعين يرون أن اللقاء الذي جرى بين المالكي والكاظمي هو الذي قاد الى هذه التسوية، فإن مجرد اتخاذ الحكومة لهذه الخطوة يعطينا مؤشراً واضحا وملموساً على جديتها في ممارسة دورها في بسط سيادتها وإعادة هيبة الدولة المفقودة.

لكن ومن جهة أخرى أرى أن الأحزاب الشيعية ممثلةً بهيئة الحشد قد أدركت أنها هي المستهدفة بهذه الخطوة، وأنها لو سكتت عن ذلك فستلحقها خطوات أخرى قد تطال قيادات سياسية وعسكرية بارزة فيها، الأمر الذي سيشكل تهديداً مباشراً لوجودها السياسي والعسكري، وسيفقدها الكثير من قوتها في الساحة العراقية التي تزايدت بشكل ملحوظ بعد الانتصار العسكري على تنظيم داعش الإرهابي، والذي حاولت قيادات الحشد الشعبي، أن تنسبه لنفسها، مع إشارات خجولة الى دور الجيش العراقي وجهاز مكافحة الإرهاب والأجهزة الأمنية وقوات البيشمركة.

ولعل مصطلح كسر العظم بين الدولة العراقية والميليشيات الشيعية، هو الوصف الأنسب لما يحدث في الساحة السياسية العراقية، وستكشف الأيام القادمة ما الذي سيتمخض عنه هذا الصراع.