أهي جريمة أربيل؟

Kurd24

ابتداءً أضم صوتي مع أغلبية العراقيين المعترضين على مؤتمر (السلام والاسترداد)، والأمر يرتبط بموقف تضامني تاريخي مع قضية فلسطين السلبية من أعتى دكتاتورية فاشية احتلت أرض فلسطين وقتلت أهلها وهجرت الملايين منهم، في واحدة من أبشع جرائم القرن العشرين الممتدة الى الآن بمشاريع الاستيطان والتهجير وقضم الأرض بعنجهية السلاح الصهيوني وضعف الموقف العربي الرسمي.

الوطنية ومشاعر البعد القومي العروبي الذي نتحدث به بصفتنا عراقيين، ينبغي أن يتوفر على واقعية في السؤال عن فحوى هذا المؤتمر، وإذا جاء لجس نبض المجتمع العراقي وردود أفعاله، أم هناك توجه من قوى سياسية ومجتمعية من داخل وخارج إقليم كردستان تؤيد تطبيع العلاقة مع إسرائيل، وتجد فيها مصالح متعددة وفي مقدمتها حماية الإقليم من التهديدات الخارجية.

لا نأتي بجديد إذا تحدثنا عن مشاركات الكرد في الثورة الفلسطينية ودعمها بالمال والأرواح والموقف السياسي الثابت من حق الشعب الفلسطيني ولا أحد يمكن أن يزايد في هذا الشأن، لكن متغيرات الواقع السياسي صار يفرض على الإقليم حكومة وقوى مجتمعية موقف أشبه بـ(المنزلة بين منزلتين) حسب وصف المعتزلة أي "لا كافر ولا مؤمن"، وما عسى حكومة الإقليم أن تفعل وهي مهددة وجوديا من قبل تركيا وإيران، دون وجود حماية عراقية تقيها من الاعتداءات اليومية من قبل الجارين الإسلاميين، بل ثمة "عجز وصمت من حكومة المركز في بغداد"، واتهامات ونقد جارح دأبت عليه وسائل إعلام شوفينية وطائفية عراقية ضد الأكراد وحكومة إقليم كردستان!؟

لا احتضان من دول الجوار الإسلامي تركيا وإيران، فصواريخ الدولتين وجيوشهما تزور الإقليم بنحو يومي وهناك تهديدات رسمية صريحة باجتياح الإقليم، وهو أمر غير مستبعد نظرا لجرائم الإبادة الجماعية التي تعرض لها أشقاؤنا الكرد خلال القرن الأخير في كل من تركيا والعراق وإيران وسوريا.

الواقعية السياسية تقترح أن تحافظ على كيانك (دولة، إقليم) وتنمو وفق قواعد مساراتك وأهدافك ومصالحك التي تحقق ذلك، بمعنى آخر لا ثوابت في السياسية، الثابت هي المصالح التي تحافظ وتنمي وجودك ، وفق هذه المنطلقات تقيم الدول علاقاتها السياسية والاقتصادية والعسكرية، وإذا كانت جغرافية أربيل السياسية وعاصمة إقليم كردستان تحددها فوهات المدفع لدول الجوار، كيف لا تفكر بالعلاقة والتفاعل مع أطراف دولية قوية وفاعلة في المحيط الإقليمي لحماية وجودها، ولكي يستقيم السؤال: أهي جريمة أربيل أم الدول التي تضطهدها وتهدد وجودها، دول الإقليم المجاورة دون غطاء وطني عراقي لحمايتها !؟ 

ما يسمى بـ(مؤتمر السلام والاسترداد) بالون اختبار وخطوة بامتصاص الصدمة لمشروع التطبيع، لا يكفي أن نشجب ونستنكر ما حدث بدوافع ومبررات بعضها صادقة وأكثرها مستهلكة وتسويقية، بل ينبغي أن تتنبه قوى الداخل العراقي الفاعلة وكذلك تركيا وإيران لأهمية الحفاظ على إقليم كردستان وعمق ارتباطه بما هو عراقي، وعدم دفعه للبحث عن دول داعمة لوجوده مثل إسرائيل وأمريكا ودول خليجية وغيرها، فالدول تعطي بقدر ما تأخذ، الأجدر أن تحتفي دول جوار الإقليم (تركيا وإيران) وهما مصدر التهديد الرئيس، كما يحتفي العراق "الأم" بوجود كردستان قوة سياسية واقتصادية وإدارية صاعدة وناجحة، دون ابتزاز أو إملاءات وفروض طاعة وموالات وقصف يومي واجتياحات عسكرية حدودية، بل التعامل مع إقليم كردستان بكونه المركز الرسمي للهوية القومية الكردية الرشيدة التي تقف بمساواة مع بقية القوميات المجاورة، وبهذا استثمار نوعي لمشروع السلام وتجنب الإرهاب في دول الإقليم، وتحقيق المزيد من المصالح الاقتصادية للعراق وتركيا وإيران، والأهم أن لا يدفع حكومة أربيل للبحث عن بديل دولي ساند أو اتفاقات دولية تضعها على خط العداء لهذه الدول وفق حساباتها وتقديراتها الاستراتيجية.


ملاحظة: هذا المقال يعبّر عن وجهة نظر كاتبه، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي مؤسسة كوردستان 24 للأبحاث والإعلام.