أزمة الكتلة الأكبر.. تقييم قانوني للخلاف حول المادة 45

Kurd24

أُثير خلاف كبير حول المادة 45 من قانون الانتخابات العراقي رقم (9) لسنة 2020 ما بين من يرى شيئاً جديداً وتغييراً جديداً في مفهوم الكتلة الأكبر، ومن لا يرى أي تغيير في مفهوم الكتلة النيابية الأكبر، وهو خلاف أثاره غموض المادة وعدم دقتها لتضيف أزمة أخرى إلى مجموع الأزمات التي يواجهها البلد من رفض لنتائج الانتخابات واتهامات بالتزوير إلى الهجمات التي تنفذها طائرات بلا طيار...الخ.

وتنص المادة 45 على أنه (لا يحق لأي نائب أو حزب أو كتلة مسجلة ضمن قائمة مفتوحة فائزة بالانتخابات الانتقال إلى ائتلاف أو حزب أو كتلة أو قائمة أخرى إلا بعد تشكيل الحكومة بعد الانتخابات مباشرة، دون أن يخل ذلك بحق القوائم المفتوحة أو المنفردة المسجلة قبل إجراء الانتخابات من الائتلاف مع قوائم أخرى بعد إجراء الانتخابات).

لا يخفى علينا أن هذا الخلاف أُثير لأول مرة عندما فازت القائمة العراقية بقيادة أياد علاوي في الانتخابات، إلا أن قائمة دولة القانون بقيادة نوري المالكي أصرت على تشكيل الحكومة من قبل مرشحها بعدما انضمت إليها كتل أخرى ليزيد مجموعها، وبعد خلاف كثير عرض الأمر على المحكمة الاتحادية لتحسم بدورها الأمر لصالح دولة القانون وأفتت في أن الكتلة الأكبر هي التي تُشكل تحت قبة البرلمان وليست الفائزة في الانتخابات.

وجاء قانون الانتخابات 2021 ليكون طوق نجاة لوضع صعب يمر به البلد من احتجاجات أطاحت بحكومة منتخبة إلى عملية قتل لنشطاء سياسيين...الخ، إلا أن غموض القانون وعدم وضوحه فيما يخص تحديد الكتلة الأكبر ادخل البلاد في أزمة جديدة.

هناك اتجاهان مختلفان في تفسير المادة 45 الاتجاه الأول- إن صح التعبير- ومن أبرزهم الخبير القانوني (طارق حرب) يرى منها منع "الانتقال للنائب أو للحزب أو للكتلة، لا كما يفسرها البعض بأنها منعت النواب فقط ولم تمنع الأحزاب والكتل... فالمنع عام ومطلق وشامل للنائب والحزب والكتلة"، وإن المادة فتحت باب الائتلافات وهو لا يؤدي الى الزيادة بل إننا نحتاج إلى الائتلاف لتكوين الأغلبية أو بمعنى آخر إكمال العدد المطلوب من الأعضاء للتصويت على مرشح الكتلة النيابية الأكثر عدداً، وعلى نقيض ذلك الانتقال يعني زيادة عدد أعضاء الكتلة وهذا ما لا تجيزه المادة.

في حين يرى آخرون أن تفسير المحكمة الاتحادية للكتلة الأكبر ما زال سارياً، وإن الممنوع في المادة هو الانتقال أو الانشقاق لنائب فائز من كتلة إلى أخرى وليس كل انتقال، ما يعني جواز انتقال نائب مستقل إلى كتلة أخرى لأنه لا ينطوي على انشقاق، والسبب يكمن في قطع الطريق على شراء الذمم كما حصل في الدورات السابقة. وزيادة على ذلك فإن المادة 45 لم تمنع التحالفات وبالتالي فان مفهوم الكتلة الأكبر يبقى كما فسرته المحكمة، وذلك اعتماداً على صريح المادة في شقها الثاني التي أجازت الائتلاف، مما يعني أن تفسير كلمة الائتلاف وفقا لهذا الرأي هو الانضمام أو الاتحاد لتكوين كتلة الأكبر.

ونستخلص مما سبق أن الخلاف يدور حول نقطتين أساسيتين الأولى هي مفهوم الانشقاق والانتقال حيث يرى الاتجاه الأول أن الانتقال ممنوع منعا مطلقا سواء لكتلة أو لفرد ولا يفرق بين الانشقاق ولا الانتقال، بينما يرى الاتجاه الثاني أن المنع مقتصراً على الانشقاق فحسب، سواء كان الانشقاق من قبل فرد أو حزب أو كتلة. أما "انضمام نائب أو مجموعة نواب مستقلين إلى حزب أو كتلة أو ائتلاف أو مجموعة من النواب المستقلين" فهو مسموح. والنقطة الثانية هي مفهوم الائتلاف (التحالف) بحيث يرى الاتجاه الأول أن الائتلاف هو ضرورة تكوين الأغلبية المطلوبة للتصويت لصالح مرشح الكتلة الفائزة في الانتخابات ولا يزيد عدد أعضاء الكتل وهذا ما تجيزه المادة 45، في حين يتبنى الاتجاه الثاني تفسيراً آخر لمفهوم الائتلاف، ويرى في الائتلاف إجازة من المادة لانضمام لاحق للكتل برمتها أو لنواب منفردين إلى كتلة أخرى وتكوين كتلة الأكبر تحت قبة البرلمان.

أيهما الأقرب للصواب؟

لو أمعنا النظر في كلا الاتجاهين نجد فيهما مواطن ضعف وقوة، إلا أن الاتجاه الأول أقرب إلى روح القانون كون القانون جاء لإصلاح مشاكل عديدة أثارت غضب واستياء الشارع العراقي من بينها إشكاليات تتعلق بقانون الانتخابات كحجم الدوائر وغيرها، ولذلك فمسألة تحديد الكتلة الأكبر هي إحدى هذه الإشكاليات الكبيرة التي لا تقل أهمية عن الأخريات، خاصة بعدما ذاق السياسيون مرارة الغموض في مفهوم الكتلة الأكبر، ولذلك فالقانون لابد أن يتضمن تغييراً للواقع، فوجود المادة بحد ذاتها دليل على اتجاه المشرع إلى حل هذه المعضلة، إذا فليس من المعقول أن يسرد المشرع مادة يلغي آخرها أولها ويقربها من العدم. وفيما يتعلق بمسألة التمييز بين الانشقاق والائتلاف فإن الاتجاه الثاني أقرب إلى الصواب وذلك بدلالة صريح المادة كونها منعت "الانتقال" والانتقال لا يعني غير الانشقاق، أما الشطر الثاني فقد أجاز ذلك إذا ما قامت القائمة بأكملها سواء كانت مفتوحة أو منفردة بالانضمام الى قائمة أخرى.

إلا أن الذي يؤخذ على الاتجاه الأول هو تفسير البسيط لمفهوم الائتلاف وحصره بتكوين الأغلبية، فلا أظن أن ينص القانون على بديهيات الأمور، لان تكوين الأغلبية هو أمر لابد منه وهو جائز أصلاً، ولا نجد حاجة في النص عليها خاصة وان سياقها في موضع لا يتعارض مع مفهوم الكتلة الأكبر. مما يعني أن الشطر الثاني لابد أن يراد به شيئاً مختلفاً وهذا الشيء لا يمكن أن يكون غير الائتلاف الذي يقوم على انضمام قائمة برمتها الى قائمة أخرى.

خلاصة القول، بالرغم من أن المادة 45 تتسم بالغموض وعدم الوضوح، وكان على المشرّع أن يكون اكثر دقة في صياغة هذا النص خاصة كون المسألة من المسائل الخلافية، غير أن قراءة المادة بعيداً عن الواقع والظروف المحيطة بسن القانون يقربنا إلى الاتجاه الثاني، أما قراءة روح المادة مع الإلمام بالواقع المحيط بكتابتها نجد أن الاتجاه الأول هو الأقرب إلى الصواب، فلا يُعقل أن يتدخل المشرّع في موضوع مهم كهذا ويسن مادة خاصة بها وتتآكل المادة في داخلها ولا يخرج منها إلا ما يمنع الانشقاق، فلو كان كل ما يريده المشرع هو منع الانشقاق فلم تكن هناك أي حاجة في سرد كل هذا التفصيل، بمعنى آخر فبمجرد وجود المادة وخاصة الشطر الأول منها بحد ذاته دليل على توجه المشرع نحو حل هذه المشكلة، إذا فليس من المعقول أن يقوم في نفس الوقت بتقييد ما نص عليه بقيود يجعل المادة شبه معدومة، وهذا ما يقتضيه تطبيق روح القانون في عدم فرض الألفاظ والمباني  على المقاصد والمعاني.

ما الحل؟

إذا لم تتوصل الأطراف السياسية الى تفسير موحد لمضمون المادة 45 فان احدى الخيارات ربما تكون اللجوء الى المحكمة الفدرالية لحسم الأمر، وفي هذه الحالة تصبح الكرة في ملعب المحكمة ويكون لوحدها الكلمة الفيصل، ويمكنها حينئذ أن تلجأ الى كامل طرق التفسير، ومن أهمها البحث عن نية المشرع -وهي إحدى طرق التفسير للقوانين- وذلك من خلال النظر الى الأعمال التحضيرية وظروف وملابسات سن القانون، وخاصة مطالب المتظاهرين ومناقشات مجلس النواب التي سبقت إعداد صياغة القانون.