الكورد والجيش العراقي

Kurd24

يحتفل العراقيون في السادس من كانون الثاني من كل عام،  بذكرى تشكيل جيشهم الذي تشكل تحت اشراف السلطات البريطانية التي كانت تحكم العراق انذاك.

اهتمت بريطانيا بتشكيل جيش عراقي يحافظ على امن العراق و حدوده و يؤمن على مصالحها ايضا، و يمكن عد الاجتماع التداولي الذي دعى اليه جعفر العسكري باعتباره وزير الدفاع في الحكومة العراقية المؤقتة بمثابة تاريخ تأسيس الجيش العراقي، وذلك في السادس من كانون الثاني 1921، فقد بحث الوزير مع عشرة من الضباط حول امكانية تأسيس جيش عراقي، و طلب من السلطات البريطانية  البت في الامر، وبالتالي تحديد حجمه و مكوناته و مهامه الاساسية.

وقد تبلورت فكرة انشاء الجيش العراقي اكثر في مؤتمر القاهرة المنعقد في الثاني عشر من اذار 1921،من قبل الساسة البريطانيين، الذين ايقنوا بأن تشكيله سيساعد على تقليل النفقات العسكرية البريطانية في العراق، وفق هذا تقرر في هذا المؤتمر انشاء جيش محلي قوامه (15) الف فرد، وبميزانية سنوية قدرها (15%) من الايرادات العامة للدولة العراقية ، على ان لا تزيد عن (25%) منها بأي حال من الاحوال.

لم تستطيع هذه المؤسسة المهمة في الدولة العراقية ان تمثل جميع العراقيين باختلاف قومياتهم ، فقد استخدمت من قبل البريطانيين و الحكومات العراقية المتعاقبة لضرب الكورد ومحو هويتهم القومية، فلم يشعر الكوردي يوما بالانتماء او الولاء لهذا الجيش الذي ما ان تأسس حتى حول بوصلته نحو كوردستان التي اصبحت بمثابة حقل له لاختبار امكانياته!  فاستخدم في قمع الحركة الكوردية التي طالبت بحقوقها القومية والحفاظ على هويتها ضمن المملكة العراقية، مثلا شارك هذا الجيش في دعم و مساندة القوات البريطانية في القضاء على حركة شيخ محمود الحفيد في 1923-1924، والملاحظ ان دوره كان ثانويا في السيطرة على مدينة السليمانية  وانهاء حكومة شيخ محمود الحفيد، فقد كان قادته ينفذون اوامر و خطط الضباط البريطانيين.

مرة اخرى استقدم الجيش العراقي من قبل الحكومة العراقية ضد حركة بارزان الاولى(1931-1932) و ذلك بحجة اقامة الادارة المدنية في منطقة بارزان، الا ان الهدف الرئيسي كان رغبة الحكومة العراقية  ومن ورائها بريطانيا، في القضاء على السلطة التي كان يتمتع بها الشيخ احمد البارزاني في  بارزان وانهاء السيطرة الكوردية على هذه المنطقة التي كانت الوحيدة في العراق والتي لم تسطيع ان تحكمها الحكومة العراقية بطريقة مباشرة.

قررت الحكومة العراقية الهجوم على بارزان في نيسان 1932 ، وقام وزر الداخلية انذاك (ناجي شوكت) بالتنسيق مع الضباط البريطانيين في العراق بإعداد خطة عسكرية ، وكان عدد القوات المسلحة العراقية التي شاركت في الهجوم على بارزان تقدر بنصف القوات المسلحة العراقية التي كان عددها حوالي (12000،) جندي،  بالمقابل لم تتجاوز قوة البارزانيين (1000) مسلح،سلاحهم كان عبارة عن بنادق مختلفة، وكانوا يشكون من قلة العتاد، استطاع الجيش العراقي السيطرة على بارزان بعد معارك ومقاومة كبيرة ابداها البارزانيون في حزيران 1932 وذلك بعد ان تلقى طيلة اشهر هجومه على المنطقة الدعم والمساندة من خبراء العسكريين البريطانيين ، والاهم من ذلك دعم القوات الجوية التي كانت ترافق في الجو الجيش وتمهد له الطريق ، والتي كانت لا تفرق بين المدنيين والمسلحين الكورد، فكانت تحرق كل ما يقع في طريقها.

بعد ان اخذ العراق استقلاله الشكلي في الثالث من تشرين الاول 1932 ، توقفت عملية الاشراف البريطاني المباشر على المؤسسة العسكرية العراقية، اذا اصبح هذا الاشراف غير مباشر من خلال البعثة البريطانية تماشيا مع معاهدة 1930 (العراقية- البريطانية). استمرت الحكومات العراقية باستخدام الجيش ضد الكورد، فسوقته مرة اخرى الى بارزان في اعوام 1934-1936 بهدف القضاء على حركة خليل خوشوي، احد القادة العسكريين للحركة بارزان الاولى، والذي ظل يحمل راية المقاومة ضد حرق الحكومة العراقية لمنطقة بارزان، واستمر في التصدي لسياسة التهميش والاقصاء الممنهجة ضد الكورد، اما الحكومة العراقية فكانت ترد بإعلان الاحكام العرفية في بارزان بدأ من الخامس عشر من ايار 1935، واستمرت على هذا النهج عند التصدي لحركة بارزان الثانية 1943-1945 بقيادة الملا مصطفى البارزاني، فأعلنت مرة اخرى الاحكام العرفية في المنطقة في ايلول 19ِ45، وبعد عدد من المعارك بين البارزانيين والقوات العراقية ، استطاع الجيش مرة اخرى احتلال بارزان في الخامس من تشرين الاول 1945.

الملاحظ انه عندما كانت الحكومة العراقية تعلن سيطرتها على كوردستان والقضاء على الحركة الكوردية، كان المثقفون العراقيون العرب والصحافة العراقية يتفاخرون بالجيش العراقي و يلقبونه بانه" حامي الوحدة العراقية" فما ان كان يعود من بارزان، كان يستقبل استقبال "الفاتحيين" من قبلهم!

لم يستطيع الجيش العراقي ان يكون جيشا وطنيا لكل العراقيين، و بسبب استخدامه ضد الحركة الكوردية ، ولد لدى الكورد شعورا بانه جيش اوجد للقضاء على وجوده وليس لحمايته، وقد استمر هذا الشعور و تعمق اكثر في العهد الجمهوري ، فسيطر الاتجاه العروبي عليه، الذي كان يهدف إلى صهر القومية الكوردية ، اما في العراق بعد سقوط النظام البعثي في 2003، استمر استقدام الجيش ضد الكورد في السيطرة على مدينة كركوك في السادس عشر من تشرين الاول(اكتوبر) 2017 ، فخالفت الحكومة العراقية بذلك المادة التاسعة من الدستور العراقي الذي يمنع استخدام الجيش "اداة لقمع الشعب العراقي".