مدى صلاحية المحكمة الاتحادية العليا بإلغاء التشريع

Kurd24

حقيقة لا يمكن إنكارها إن الوظيفة الأساسية للرقابة الدستورية هي الإبقاء على توزيع الاختصاصات بين السلطات العامة للدولة، كما وزعها الدستور. ولما كان من نتائج الرقابة الدستورية الحكم بعدم دستورية التشريع، ولما كان عدم دستورية التشريع مفاده الإقرار بعدم صحته.
فالسؤال المثار: هل للقضاء الدستوري صلاحية الحكم بإلغاء التشريع المعيب بعدم الدستورية؟

فالإجابة عن التساؤل المهم جداً تتطلب الإشارة:

أولاً: أن الأصل في التشريع هو من اختصاص السلطة التشريعية؛ فهي الجهة المختصة بسن التشريعات في الدولة أو تعديلها أو إلغائها. والقاعدة العامة في هذا الشأن: من يملك الإنشاء يملك الإلغاء، بمعنى أنه لا يجوز إلغاء القاعدة القانونية إلا من نفس المصدر المنشئ لها، أو من مصدر أعلى منه في المرتبة؛ ذلك على وفق مبدأ تدرج القواعد القانونية.

ثانياً: لقد أفصح المشرع عن صور إلغاء التشريعي (الإلغاء الصريح، والإلغاء الصمني) ولم يدرج من بينها صورة الحكم بعدم الدستورية.

ثالثاً: تقتصر الوظيفة التشريعية على مجلس النواب ومجالس الأقاليم؛ ذلك استناداً إلى أحكام المادة (61) من دستور جمهورية العراق الدائم لعام 2005 بالنص: يختص مجلس النواب بما يأتي: أولاً: تشريع القوانين الاتحادية. والمادة (121): أولاً: لسلطات الاقاليم الحق في ممارسة السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، وفقاً لأحكام هذا الدستور، باستثناء ما ورد فيه من اختصاصات حصرية للسلطات الاتحادية.

رابعاً: لم يرد ضمن اختصاصات المحكمة الاتحادية العليا المنصوص عليها في المادة (93) من دستور جمهورية العراق الدائم لعام 2005 ما يمنحها صلاحية إلغاء التشريع المعيب بعدم الدستورية.

تأسيساً على ما تقدم أنه لا يجوز للمحكمة الاتحادية العليا أن تمتد صلاحيتها إلى الغاء التشريع المحكوم بعدم دستوريته، إذ أن سلطة الإلغاء قاصرة على مجلس النواب، صاحب الاختصاص الأصيل في سن وتعديل وإلغاء التشريعات، والقول بعكس ذلك يعد خرقا لعدة مبادئ رئيسية، ومن أهمها:

أولاً: مبدأ الدستورية؛ ويقصد بها التزام الدولة بحكامها ومحكوميها بالمبادئ والقواعد التي ثُبتت في الوثيقة الدستورية؛ فالدستورية تقتضي أن تخضع السلطات العامة في الدولة لأحكام الدستور. ولما كان الدستور هو القانون الأسمى للبلاد ويمثل القانون الأساسي للدولة، فإنه على التصرفات القانونية الصادرة من هذه السلطات خاضعة عند أحكامه وإلا أضحت تصرفاتها عرضة للحكم بعدم دستوريتها.

ثانياً: مبدأ الانفراد التشريعي؛ فهو استئثار مجلس النواب بصلاحية التشريع من حيث سنه وتعديله وإلغاءه.

ثالثاً: مبدأ الفصل بين السلطات: يشكل ركناً أساسياً من أركان الدولة القانونية، ونعني بالفصل في هذا المقام الفصل بين السلطات عضوياً و وظيفياً، بحيث يختص كل عضو مؤسساتياً بوظيفة معينة من وظائف الدولة التي عهد إليها الدستور بمباشرتها من دون أدنى تجاوز لحدودها.

وتأسيساً على ما تقدم أن المنطق القانوني والفلسفي يقتضيان: أن يلتزم القضاء الدستوري بأحكام الدستور وإلا أضحت أحكامه معيبة بعدم الدستورية. وفي الختام حقيق بنا أن نسجل في هذا المقام الاستنتاج الذي خلصت إليه هذه الورقة البحثية، وعلى النحو الأتي: المحكمة الاتحادية العليا لا تملك بأي حال من الأحوال صلاحية إلغاء التشريع الذي حكمت فيه بعدم الدستورية، كذلك لا تملك تعديله، ولعل هذا الحظر يخضع لعدة مبادئ دستورية، ومن أهمها: مبدأ الدستورية، ومبدأ الانفراد التشريعي ، وأخيراً مبدأ الفصل بين السلطات.

ملاحظة: الآراء التي ترد ضمن قسم المقالات تمثل آراء الكتّاب ولا تعبر بالضرورة عن رأي كوردستان 24.