جذور الانسداد السياسي في العراق

Kurd24

 ـ قراءة في الأسباب والإحتمالات والنتائج ـ

تمهيد:

في جمهورية العراق الجديدة وخاصة بعد 2003 ظهرت على الساحة السياسية العراقية مصطلحات عديدة ومتنوعة في المعنى والدلالات وأغلبها سلبية من الناحية القانونية والإدارية والسياسية والإجتماعية، نحو: المحاصصة والطائفية والعرقية والمذهبية والتوافقية، وكانت آخرها مصطلح الانسداية (الانسداد السياسي) الذي أفرز بعد فشل الأحزاب والقوائم والشخصيات الفائزة في الإنتخابات النيابية المبكرة في 10/10/2021 في إنتخاب رئيس للجمهورية، وتحديد الكتلة النيابية الأكثر عددا، وتسيمة رئيس وزاء الحكومة المقبلة، وعدم مراعاة التوقيتات الدستورية المتعلقة بهذا الموضوعات الحيوية.

في هذه الورقة البحثية سنتطرق الى مجموعة من المواضيع المندرجة والمتعلقة بعنوان الدراسة: (انسداد العملية السياسية في العراق ـ قراءة في الأسباب والإحتمالات والنتائج ـ)، منها: مفهوم الانسداد السياسي، وأهم أسبابه، وما قدمه الإطاريين من حلول خلال فترة الأربعين يوما بين الصدر والإطار التنسيقي، والمبادرة السبيعة التي قدمها النواب المستقلين لحلحة الانسداد القائم، مع ذكر أهم الحلول والسيناريوهات المحتملة لهذا الانسداد المصطنع في أكثرية أطواره، مختوما بأهم النتائج والتوصيات.

أولا: مفهوم الانسداد السياسي:

إن مفردة (الانسداد) في اللغة: تعني الإنقلاق في المجرى لوجود مانع يمنع المرور فيه، وأما السياسة، فإنها: تعني معالجة الأمور وترويضها بما يصلحها في خدمة العباد والبلاد، ومصطلح الانسداد السياسي: يعني إبقاء إدارة النظام السياسي القائم منغلقا على أوامر وتوجيهات مجموعة ثابتة وحصرية من المكونات والأحزاب، سواء تغيرت هذه المجموعة أو توسعت أو تقلصت أفرادها أو عددها، فإنها ستبقى الباب والممر المؤدي إلى السلطة والحكم، ويرجع بقاء هذه المجموعة متسلطة ومستمرة في أداء مهمتها الإنغلاقية، الى:

1. وجود مصالح نفعية وشخصية ضيقة لأفراد هذه المجموعة وخاصة من ناحية الإمتيازات الطائلة والمتنوعة.

2. وجود وسائل القوة والجذب بيد هذه المجموعة في ترهيب وترغيب الآخر الواعي الذي يقف بضدها.

3. خداع الجماهير البسيطة ـ إعلاميا وتعبويا ـ من قبل هذه المجموعة من خلال تحشيدها وإستغلالها وإستغفالها بشعارات براقة ورنانة تحت مسميات: مذهبية وعرقية وطائفية ووطنية ودينية.

ثانيا: أسباب الانسداد السياسي:

بعد قراءة مجموعة من البحوث والدراسات والمقالات المتعلقة بهذا الملف، تبين للكاتب من خلال عملية الإستنباط والإجتهاد والقراءة بين الأسطر والدراسات السابقة، بأن هناك مجموعة من الأسباب والعوامل المتسببة في عملية الانسداد السياسي في العراق، ويمكن جمعها وحصرها في النقاط الآتية:

1. وجود بيئة سياسية هجينة ـ غير مستقرة أو سليمة ـ داخل المجتمع العراقي بعد 2003، بمعنى: ليس لها أرتباط عضوي وفكري بمركزيته الدستورية والقانونية والإدارية، رغم وجود أحزاب سياسية ونقابات وإتحادات مهنية وإعلام وصحافة وفضائيات حرة وسلطات عامة من برلمان وحكومة وقضاء(1).

2. النتائج الإنتخابية من خلال فوز تيارات وشخصيات خارجة توجهات المجموعة الحاكمة التي تدير البلاد منذ أكثر من عقد من الزمان، وبالذات التيار الصدري الذي تفوق على منافسيه داخل مكونه المذهبي، من حيث عدد المقاعد النيابية، [وكأن هذه النتائج مررت لحل مجلس النواب، وليس لتفعيله أو تشكيل حكومة جديدة].

3. الصراعات الشيعية وخاصة بين التيار الصدري بزعامة السيد مقتدى الصدر ودولة القانون برئاسة السيد نوري المالكي من جهة، وبين التيار والإطار من جهة أخرى، وذلك من خلال الإنقلاب على العرف السائد والقائم المتمثل بالإتفاق على تكوين الكتلة الشيعية الخالصة (الأكثر عددا) المنبثقة منها إسم رئيس الوزراء القادم، ومن ثم تشكيل الحكومة التوافقية بين المكونات الأساسية في المجتمع العراقي.

علما من الصعب التقاء التيار مع الإطار، لكون الأول متحرك والثاني ثابت ومؤطر، وفي حالة الإتفاق واللتقاء، سيتحول التيار الى بركة جامدة ومن ثم خامدة ضمن مساحة الإطار المسموح به إتساعا وأرتفاعا وعمقا.

4. الخلافات الكوردية، وخاصة بين الحزب الديمقراطي الكوردستاني برئاسة السيد مسعود البارزاني والإتحاد الوطني الكوردستاني برئاسة السيد بافل جلال الطالباني، في عدم التوافق في موضوع (أختيار المرشح الكوردي لتولي منصب رئيس الجمهورية)، مما دفع كل حزب أن يرشح من يمثله للفوز بهذا المنصب داخل قبة مجلس النواب، للوصول الى قصر دار السلام في بغداد العاصمة، وبلغت هذه الخلافات ذروتها بعد قيام المحكمة الإتحادية العليا بإستبعاد السيد هوشيار زيباري ـ مرشح الديمقراطي ـ من سباق الرئاسة، بناءً على شكوى من نواب الإتحاد الوطني.

وأنعكس هذه الخلافات على الملفات الكوردية داخل إقليم كوردستان وعلى رأسها ملف إنتخابات برلمان كوردستان وقانون الإنتخابات وتشكيل المفوضية المستقلة للإنتخابات والإستفتاء، عدا ملفات النفط والغاز والواردات الداخلية والخارجية وشكل إدارة الإقليم.

ومن الجديدر بالذكر: المحاولات مستمرة لتحجيم هذه الخلافات ـ على الأقل إعلاميا ونظريا ـ وفتح أبواب الحوار بين الديمقراطي والوطني من جهة، وبين الأحزاب والقوى الكوردستانية من جهة أخرى، وذلك من خلال مبادرات رئاسة إقليم كوردستان، وبالذات بعد زيارة رئيس إقليم كوردستان السيد نيجيرفان البارزاني الى السليمانية في 22/5/2022 ولقاءاته الثنائية مع قادة الإتحاد الوطني وعلى رأسهم السيد بافل جلال طالباني رئيس الإتحاد الوطني، إلا أن هذه المحاولات من الصعب أن تأتي ثمارها في الوقت الحاضر، لأسباب كثيرة، منها: توغل الطرفين الكورديين ـ الديمقراطي والوطني ـ داخل نسيج الأطراف السياسية العراقية الأخرى: الشيعية منها والسنية، لدرجة من الصعب ـ الآن ـ الأنفكاك والأنفصال عنها، وتشكيل كتلة كوردية خالصة ومستقلة داخل مجلس النواب العراقي، لكن مع ذلكالمبادرة في ذاتها خطوة جيدة وجاءت في وقتها وخاصة في حالة جعلها بوابة لحلحلة المشاكل العالقة داخل إقليم كوردستان، وخاصة ملف إجراء إنتخابات برلمان كوردستان وتعديل قانون الإنتخابات وتشكيل المفوضية المستقلة للإنتخابات في الإقليم.

5. تفسير المحكمة الإتحادية العليا، للمادة (70/أولا) من الدستور النافذ لسنة 2005، عندما قررت بأن النصاب القانوني لصحة جلسة إنتخاب رئيس الجمهورية، هو حضور ثلثي أعضاء مجلس النواب من العدد الكلي للمجلس ـ أي حضور (220) نائب ـ تحت قبة مجلس النواب.

علما كانت المحكمة الإتحادية العليا تستطيع أن تجمع في تفسيرها بين المادة (70/أولا) والمادة (59/أولا) من الدستور النافذ، وتذهب في تفسيرها أن نصاب جلسة إنتخاب رئيس الجمهورية هي الأغلبية المطلقة لعدد أعضاءه (أي: 165)، بشرط أن يحصل الفائز في الجلسة الأولى على ثلثي عدد الأصوات من الأغلبية المطلقة للحاضرين (أي: 124) صوت، وفي حالة حضور (300) نائب، على الفائز لمنصب رئيس الجمهورية الحصول على (200) صوت، وهكذا (2).

6. التدخلات الإقليمية والدولية، في الشؤون الداخلية والخارجية لدولة العراق، وخاصة تدخل دول الجوار فيما يتعلق بتشكل الحكومة العراقية من حيث الشكل والمحتوى والطريقة والأهداف والبرامج الحكومي، بالإضافة الى أمريكا من خلال خارجيتها وسفارتها ببغداد.

ومن هذا المنطلق فإن جزء من حلحلة الانسداد السياسي في العراق يرجع الى حل المشكلات العالقة بين العراق وهذه الدول وبالذات المحيطة والإقليمية، لأن كل دولة من هذه الدول تساند وتقف بجانب مكون من المكونات المؤثرة في العراق، مما تسبب شللاً في الإدارة والإرادة والقرار السياسي العراقي.

وفي هذا السياق يقول وزير خارجية العراق السيد فؤاد حسين، في إحدى لقاءاته : ((جزءاً كبيراً من الصراعات الداخلية ـ في العراق ـ على علاقة بالصراعات الإقليمية، ومن أجل إدارة الصراع في الداخل نحتاج إلى إدارة الصراع على الحدود، وخرق السيادة ليس حين تهاجم دولة معينة الأراضي العراقية وحسب، الخرق الخطر للسيادة هو خطف القرار العراقي)).

علما أن هذه الدول المحيطة بها والدولية لا تريد أن ينهار ويسقط النظام السياسي في العراق، ولكن في نفس الوقت لا ترغب أن تحكم العراق حكومة قوية، ومستقلة، ومستقرة، وصاحبة القرار والإرادة والإدارة، لكونها ستفقد الكثير من إمتيازاتها ومنافعها وأذرعها داخل العراق، لذا على العراق إعادة الصياغة في علاقاته الخارجية مع محيطه الإقليمي والدولي، وفق قاعدة المصالح المشتركة ومبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية وقواعد القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة.

7. تركيز القيادات السياسية في العراق على المواقف السابقة الصادرة من بعضها البعض تجاه الآخر، دون التركيز على المشتركات والمصالح العليا للعباد والبلاد، ومن المعلوم سياسيا ودبلوماسيا أن التركيز على المواقف دون قراءتها ضمن سياقاتها التأريخية والمرحلية المعينة، سيكون سببا في التعصب بالرأي والتنافر ورفض الآخر وصولا الى كسر الإرادات، ومثل هذه الأمور بعيدة وخارجة عن لعبة السياسة المتحركة والمتغيرة في الإتجاهات والأشكال والمحتويات والتحالفات(3).

8. الخروقات الدستورية المتكررة والمتجددة، وخاصة المتعلقة بموضوع التوقيتات الدستورية، في إنتخاب رئيس الجمهورية وتشكيل الحكومة، وبالذات بعد الإنتخابات النيابية ـ الدورة الثانية ـ في عام 2010، حيث فازت القائمة العراقية الوطنية بزعامة السيد أياد علاوي بـ: (91) مقعدا نيابيا، ورغم ذلك فإنها لم تكلف بتسمية رئيس الوزاء ـ آنذاك ـ وتشكيل الحكومة، وذلك بسبب التفسير الغير موفق من قبل المحكمة الإتحادية العليا للمادة (76/أولا) من الدستور، المتعلق بالكتلة النيابية الأكثر عددا، حيث فسرت المحكمة بأنها الكتلة التي تشكل بعد الإنتخابات أو التي نسجل أثناء الجلسة الأولى لمجلس النواب أو التي تقدم الى رئيس مجلس النواب المنتخب، وإستناداً على هذا التفسير المبتدع، تحالفت القوى الشيعية تحت مسمى (التحالف الوطني) ومنها التيار الصدري، وبهذه الخطوة تمت سحب البساط من تحت أرجل العراقية، وعلى أثرها فاز السيد نوري كامل المالكي برئاسة الوزاء للدورة الثانية، وفيما بعد أصبح هذا التفسير عائقا في تشيكل الحكومات العراقية المتعاقبة والى الآن.

ونتيجة لهذه الخروقات الدستورية من قبل مجلس النواب: قدم كل من الحزب الشيوعي العراقي وحزب الأمة، شكوى الى المحكمة الإتحادية العليا، ضد رئيس مجلس النواب العراقي، بسبب التجاوز على المدة الدستورية لإنتخاب رئيس الجمهورية (30) يوما من تأريخ أنعقاد أول جلسة لمجلس النواب [المادة/72/ب] من الدستور النافذ، مستندين في شكواهم الى حنث اليمين من قبل أعضاء مجلس النواب، الواردة في المادة (50) من الدستور، التي نصت: ((اقسم بالله العلي العظيم أن اؤدي مهماتي ومسؤولياتي القانونية بتفانٍ واخلاص وان احافظ على استقلال العراق وسيادته، وارعى مصالح شعبه وأسهر على سلامة أرضه وسمائه ومياهه وثرواته ونظامه الديمقراطي الإتحادي وأن أعمل على صيانة الحريات العامة والخاصة واستقلال القضاء والتزم بتطبيق التشريعات بأمانة وحياد، والله على ما اقول شهيد))، ولا شك أن من صميم هذه الإلتزامات والتشريعات، هو القيام بإنتخاب رئيس الجمهورية في مدة أقصاه (30) يوما طبقا للدستور والقوانين النافذة.

9. خرق قانون (إنتخابات مجلس النواب) رقم (9) لسنة 2020، الذي عالج موضوع الكتلة الأكثر عدداً وصحح تفسير المحكمة الإتحادية العليا، من خلال حظره تشكيل تحالفات والإنتقال الى ائتلافات أوكتل أو قائم أخرى، إلا بعد تشكيل الحكومة، حيث نصت المادة (45) من القانون المذكور: ((لا يحق لأي نائب أو حزب أو كتلة مسجلة ضمن قائمة مفتوحة فائزة بالانتخابات الانتقال الى ائتلاف أو حزب أو كتلة أو قائمة أخرى إلا بعد تشكيل الحكومة بعد الانتخابات مباشرة ، دون أن يخل ذلك بحق القوائم المفتوحة أو المنفردة المسجلة قبل إجراء الانتخابات من الائتلاف مع قوائم أخرى بعد إجراء الانتخابات)).

بعبارة أخرى: كل هذه التحالفات المشكلة بين الكتل النيابية الفائزة في الإنتخابات المبكرة في 10/10/2021 غير قانونية، لكونها تشكلت قبل تشكيل الحكومة، ووفق مفهوم هذه المادة القانونية تعتبير الكتلة الصدرية هي الأكثر عدداً بإعتبارها قد حصدت (73) مقعدا نيابيا، وهي المعنية بتشكيل الحكومة، بعد إنتخاب رئيس الجمهورية من قبل الكتل والقوائم والشخصيات الفائزة(4).

10. الخلافات في أولويات البرنامج الحكومي، وخاصة في التعامل مع الموضوعات الآتية:

أ‌. وجود القواعد العسكرية الأمريكية والتركية على الأراضي العراقية.

ب‌. نزع سلاح الفصائل والميليشيات المسلحة داخل العراق.

ت‌. مكافحة الفساد  السياسي والمالي والإداري المستشري في البلاد.

ث‌. بناء جيش وطني موحد، يكون إنتماءه فقط لدولة العراق.

ج‌. شكل العلاقة بين بغداد وأربيل وخاصة في ملفات الطاقة (النفط والغاز) والواردات والكمارك والمادة (140) من الدستور وحصة الإقليم من الموازنة العامة الإتحادية وميزانية قوات البشمركه وإدارة المناطق المتنازعة عليها.

ثالثا: الصدر والإطار التنسيقي وميعاد أربعون ليلة:

بعد أن أخفق مجلس النواب العراقي، وخاصة تحالف (إنقاذ وطن) المكونة من التيار الصدري والحزب الديمقراطي الكوردستاني وكتلة السيادة السنية، بسبب عدم تمكنه من جمع العدد المطلوب من النواب (220) تحت قبة المجلس، لإنتخاب رئيس الجمهورية للبلاد، في ثلاث جلسات نيابية محددة لهذا الغرض، وبالتحديد في جلسة 8/2/2022 والثانية في (26 آذار) والثالثة في (30 آذار) من نفس العام.

أدى هذه الإخفاقات الى أتخاذ السيد مقتدى الصدر ـ في الأول من شهر رمضان المبارك، الموافق 2/4/2022 ـ قرارا بإعتزاله المشهد السياسي، وتاركا الساحة لخصومه من الإطار التنسيقي، وتم منحهم أربعين (40) يوما، ليتحركوا من خلالها ويتفاوضوا بحرية مع الفرقاء الآخرين بغية تشكيل الحكومة المقبلة، وفي حالة نجاحهم في هذه المهمة، فالتيار الصدري سيختار المعارضة النيابية في الحكومة الجديدة، مع يقين السيد مقتدى بأنهم سيفشلون في هذه المهمة، وحتى في حالة النجاح، فلن يكون عمر هذه الحكومة سوى أشهر معدودة.

لذا نستطيع القول: بأن مبادرة السيد مقتدى الصدر كانت بمثابة بالون أختبار للإطار التنسيقي وبالذات في موضوع تمسكهم بتشكيل الكتلة النيابية الأكثر عدداً من المكون الشيعي الخالص، بمعنى آخر: أي عمل من قبل الإطار التنسيقي من دون التيار الصدري هو بمثابة رفع الغطاء عن نوايا الإطار في هذا الإتجاه، وفي ذات الوقت كانت أختباراً لشركاءه وحلفاءه في (إنقاذ وطن)، مع محاولة الأمتصاص والتداوي من الضربة الثلاثية المتتالية جراء الإخفاق في إنتخاب رئيس الجمهورية.

ويبدو أن الإطار التنسيقي قد أستوعب الرسائل المبطنة في المبادرة الصدرية، لذا أقدم الى طرح مبادرة من تسعة (9) بغية الخروج من عنق الانسداد السياسي، وتضمنت النقاط الآتية:

1. مراعاة المدد والتوقيتات الدستورية في موضوع أنتخاب رئيس الجمهورية وتشكيل الحكومة، مع علمهم المسبق بأنه تم خرق هذه المدد من أنفسهم ومن غيرهم.

2. التركيز على أهمية موقع رئيس الجمهورية، لذا خاطبوا المكون الكوردي على أن يتفقوا فيما بينهم على شخصية مقبولة وكفوءا ومعروفة ونزية لهذا المطلب، بمعنى آخر: دون أن يتدخل المكونات الآخرى في هذا الشأن.

3. التركيز على أهمية موقع رئيس الوزراء والبرنامج الحكومي، والكتلة الأكثر عددا الشيعية.

4. على النواب المستقلين تقديم أسم المرشح لمنصب رئيس الوزراء، من الكون الشيعي.

5. حسم موضوع الرئاسات الثلاثة، من خلال تفاهم أبناء كل مكون فيما بينهم.

6. الإبتعاد عن سياسات كسر الإرادات من خلال التنازلات المتبادلة والمرونة في الخيارات.

7. توفير الغطاء الآمن للمعارضة النيابية، من خلال الترأس للجان النيابية.

8. ترك خيار المشاركة في الحكومة من عدمه، خيارا مفتوحا إختياريا، بمعنى: لا يجوز إقصاء طرف من الحكومة، إلا برغبته.

9. تشكيل لجنة من الإطار التنسيقي والقوى المتحالفة معها بغية التفاوض مع الأطراف الأخرى من أجل تبني النقاط الواردة في هذه المبادرة، مع التعهد بالإلتزامات الآتية:

أ‌. مراجعة جميع العقود والقروض والتعينات في الحكومة القائمة (تصريف الأعمال).

ب‌. تعديل قانون إنتخابات مجلس النواب العراقي.

ت‌. حماية حقوق الأقليات.

ث‌. تنظيم العلاقة بين بغداد وأربيل، وتشريع قانون النفط والغاز الإتحادي.

ج‌. إعادة إعمار المناطق المحررة من داعش وحل مشاكل النازحين.

ح‌. إنشاء صندوق لدعم المحافظات الفقيرة.

خ‌. تفعيل المؤسسات الرقابية في الدولة.

د‌. رفض التطبيع مع إسرائيل.

ذ‌. صياغة منهج حكومي منسجم مع المرحلة القادمة، مع تحديد السقوف الزمنية للتنفيذ.

علما أغلب هذه النقاط قديمة في طرحها ـ عدا فقرة التطبيع مع إسرائيل ـ وخاصة مع بداية كل تشكيل حكومي تطرح مثل هذه المبادرات، ولكن تبقى بنودها خارجة عن الخدمة الى حين إنتخابات جديدة وتشكيل حكومة جديدة.

رابعا: الصدر والنواب المستقلين:

أنتهت مدة (40) يوما، التي منحا الصدر للإطار التنسيقي ولم تسفر عن أية نتيجة، ورجع السيد مقتدى الصدر من ميعاده وصيامه المركب المتمثلة في الإمساك عن الطعام والشراب والكلام عن السياسة ولو رمزا، وأعطى للنواب المستقلين خمسة عشرة (15) للقيام بما لم يستطيع تحالف (إنقاذ وطن) والإطار التنسيقي القيام به طيلة أكثر من مائة وخمسة وعشرين (125) يوما على أنعقاد الجلسة لمجلس النواب العراقي.

رغم ذلك قدم النواب المستقلون مبادرة من سبعة (7) نقاط، في 15/5/2022 بغية حلحلة الانسداد القائم بوجه العملية السياسية في العراق، وهي كالآتي (إختصارا):

1. ضرورة تنفيذ الإستحقاقات الدستورية، بكافة مراحلها ومنها موضوع تشكيل الحكومة المقبلة.

2. دعوة الكتل النيابية الأخرى للإنظمام إليهم، بهدف تشكيل الكتلة النيابية الأكثر عددا، دون شروط مسبقة، وتقوم هذه الكتلة الناشئة الجديد بترشيح إسم رئيس وزراء الحكومة القامة.

3. يجب أن يتصف شخصية رئيس الوزراء القادم بالإستقلالية والنزاهة والكفاءة والخبرة السياسية ، وليس عليه حتى شبة فساد.

4. وضع حد لهدر الثروات الوطنية والحفاظ على الأموال العامة، وتوزيع الثروات والواردات بشكل عادل على جميع العراقيين.

5. خلق أجواء وأسباب داعمة لوجود معارضة فعالة تمتلك الأدوات الرقابية في مجلس النواب، مع ضمان الفصل بين عمل الأغلبية النيابية والمعارضة السياسية.

6. إنتخاب رئيس الجمهورية وفق المبادئ  والشروط المنصوصة في الدستور النافذ لسنة 2005.

7. ضرورة إنهاء المظاهر المسلحة ـ من خلال البرنامج الحكومي ـ وتطبيق القانون بهذا الشأن.

من خلال محتوى هذه المبادرة المطروحة من قبل النواب المستقلين، يتبين بأنها مبادرة خليطة ومختصرة من إطروحات تحالف إنقاذ الوطن ومبادرة الإطار التنسيقي، عدا موضوع آليات تشكيل الكتلة النيابية الأكثر عددا، كأنها تقول للكتل الأخر: تفككوا والتحقوا بنا عضويا في نسيج جديد.

خامسا: الحلول والإحتمالات:

في ذكرى عيد ميلاد الثالثة والتسعين (93) للكاتب والروائي المصري المبدع الفائز بجائزة نوبل للآداب  نجيب محفوظ (1911 ـ 2006)، سأله أحد الأصدقاء الحاضرين عن المعاناة التي تمر بها مصر، وكيفية الخلاص منها، فأجابه الأديب المبدع بعبارة موجزة، مفادها: ((أنت فكرك أنا عارف تخرج الزي وما قلتش)) وضحك الجميع على إجابته البسيطة العميقة، والأن لو تسأل أي عراق عن الحلول التي من خلالها ستخرج العراق من معاناته السياسية والإقتصادية، لتحدث لك عن حلول (لا أول ولا آخر)، ومن هذه العبارة، نسرد للقارئ الكريم أهم الحلول والسيناريوهات المحتملة للانسداد السياسي في العراق، وعلى النحو الآتي:

1. إبقاء الوضع على ما هو عليه، من خلال الإبقاء على الحكومة الحالية ودعمها، ولكن هذا الأمر أصبح دون جدوى وفائدة وخاصة بعد أن قيدت المحكمة الإتحادية العليا صلاحيات (حكومة تصريف الأعمال اليومية) من خلال تفسيرها للمادة (64/ثانيا) من الدستور، وبالذات عبارة : (ويعد مجلس الوزراء في هذه الحالة مستقيلا، ويواصل تصريف الأمور اليومية)، عندما نصت في قرارها، ذي العدد (121/إتحادية/2022)، الصادر في 15/5/2022:((ولا يدخل من ضمنها ـ أي ضمن صلاحيات حكومة تصريف الأعمال اليومية ـ القرارات التي تنطوي عن أسباب ودوافع سياسية ذات تأثير كبير على مستقبل العراق السياسي والإقتصادي والإجتماعي، ولا يدخل كذلك ضمنها أقتراح القوانين وعقد القروض أو التعين في المناصب العليا للدولة والإعفاء منها أو إعادة هيكلية الوزارات والدوائر ))، ويجدر الإشارة: أن هذا التفسير تم، بناءً على كتاب ـ طلب ـ من مكتب رئيس الجمهورية السيد (برهم صالح)، ذي العدد (م.ر.ج/1/3/1015 في 12/5/2022).

علما: تطرقنا الى هذه الصلاحيات ـ لحكومة تصريف الأعمال اليومية ـ في دراسة سابقة لنا، وهي منشورة في موقع رووداو الألكتروني، بتأريخ 8/4/2022، حيث قلنا فيها، بالنص : ((6. وفي هذه الحالة تكون مجلس الوزراء بحكم الإستقالة، وتتحول الى حكومة تصريف الأعمال، بمعنى يسقط حقها في تقديم مشروعات القوانين أو إعداد مشروع الموازنة أو تعين كبار الموظفين في الدولة أو التفاوض بشأن المعاهدات والإتفاقيات الدولية، والتوقيع عليها)).

2. الرجوع الى الحكومة التوافقية، من خلال التوافق بين التيار والإطار[وكأن شيئا لم يكن وبراءة الأطفال في عينيه]، وفي هذه الحالة ستكون الكتلة الصدرية هي الخاسرة.

علما الحكومة التوافقية في مفهوم التيار الصدري، تعني: حكومة ضعيفة، غارقة ومستمرة في عمليات الفساد والإفساد بكافة أنواعه وصوره، وحكومة عاجزة عن تلبية متطلبات وحاجات ورغبات الجماهير من خلال تقديم الخدمات وإنشاء المشاريع الإستثمارية في القطاعين العام والخاص، ودعم الطبقات الفقيرة والمهمشة في المجتمع.

3. تفكيك التحالفات القائمة، وتشكيل تحالفات أخرى: من الإنقاذ والإطار والمستقلين.

4. حل مجلس النواب العراقي  دستوريا، وفق المادة (64/أولا)، وبإحدى الطرق الآتية:

أ‌. بالأغلبية المطلقة لعدد أعضائه، بناءً على طلب من ثلث أعضاء المجلس(أي: 110 نائب).

ب‌. بناءً على طلب من رئيس مجلس الوزراء، وبموافقة رئيس الجمهورية.

سادسا: النتائج والتوصيات:

أ‌. النتائج:

وبعد الإنتهاء من كتابة هذه الدراسة المعنونة:(انسداد العملية السياسية في العراق ـ قراءة في الأسباب والإحتمالات والنتائج ـ)، تبين للكاتب: بأن عملية الانسداد السياسي في العراق، في أكثرية أطواره، عملية مصطنعة وناتجة عن:

1. قصر وسوء الفهم الخاطئ من قبل القادة السياسين للمفردات والمصطلحات الدستورية والقانونية والسياسية، أو عدم التعامل معها بعقول منفتحة، ومستوعبة، وخاصة أثناء تنزيلها على أرض الواقع.

2. وجود مجلس نيابي غير فعال ومقيد بسلاسل وتوافقات سياسية آتية من خارج قبتها النيابية، ولا يمثل ناخبيها وتمارس سلطته الرقابية في الفضاء الإعلامي وعلى منصات التواصل الإجتماعي، وليس داخل اللجان النيابية وقاعة مجلس النواب، وذلك عن طريق سؤال الوزراء والإستجوابهم وطراح مواضيع عامة للمناقشة.

3. وجود طبقة حاكمة فاسدة  ـ الأكثرية ـ لا تستخدم من مفهوم "التوافق" إلا السيطرة على خيرات البلاد وتقسيم الكعكة فيما بينها حسب الطول والعرض والحجم، ويبدو أن من غايات هذه الطبقة الإستمرارية في عملية الانسداد السياسي، وكأن هي جزء من حل المشاكل القائمة.

4. التحالفات النيابية التي تأسست وتشكلت بعد نتائج إنتخابات 10/10/20212021، غير قانونية ومخالفة لنص المادة (45) من قانون إنتخابات مجلس النواب، رقم (9) لسنة 2020.

ب‌. التوصيات:

العراق كدولة إتحادية، بحاجة الى كتلة (موضوعية ـ تأريخية) تتبنى المصلحة الوطنية العامة المجردة، وتجتمع على أسس: الدستور ومبادئ القانون الطبيعي ومبادئ الديمقراطية والمواطنة والعدالة الإجتماعية والحقوق والحريات العامة وحقوق المكونات والأقليات، كي تخرج من الشعارات والدوائر الفارغة، وتدخل الى الواقع من القاع وتفككه من الأعماق بهدف تغيره جلده ودمه وعقله وبيئته السياسية، في سبيل جعل الإنسان مركزه ونقطة أنطلاقه نحو بناء مستقبل أكثر إشراقا وإستقرارا وتطورا وإزدهارا ونماء.

الهوامش:

(1): هذه النقطة من قراءة الكاتب للواقع السياسي العراقي.

(2): هذا تفسير جديد من الكاتب، لم تشير إليه الدراسات السابقة.

(3): هذه النقطة من قراءة الكاتب لسلوك القادة السياسيين العراقيين.

(4): لم تشير الدراسات السابقة الى هذه النقطة.

 

ملاحظة: الآراء التي ترد ضمن قسم المقالات تمثل آراء الكتّاب ولا تعبر بالضرورة عن رأي كوردستان 24.