الدستور العراقي وإقليم كوردستان: إشكالية الشرعية بين النص والتطبيق

الدستور العراقي وإقليم كوردستان: إشكالية الشرعية بين النص والتطبيق
الدستور العراقي وإقليم كوردستان: إشكالية الشرعية بين النص والتطبيق

تتجذر الأزمة المستمرة بين حكومة إقليم كوردستان والحكومة الاتحادية في العراق في تناقضٍ صارخ بين الضمانات الدستورية والممارسات العملية. فديباجة الدستور العراقي - إضافةً إلى المواد (115 و121) - تؤسس لنموذج فيدرالي تعاقدي، لكن التطبيق الفعلي يشهد تحولاً متصاعداً نحو المركزية. وقد بلغ هذا التناقض ذروته في القرار الاتحادي رقم (252/2022) الذي أعاد تفسير المادة (112) بشكلٍ يحد من صلاحيات الإقليم في إدارة موارده، متجاهلاً السوابق التاريخية لإدارته المستقلة للنفط خلال سنوات الحصار (1991-2003)، والتي تحمل خلالها أعباءً لم تشاركه فيها الحكومة المركزية.

وتتعمق هذه الإشكالية عبر تحويل المادة (111) المتعلقة بالثروة الوطنية إلى أداة للضغط السياسي، ويتجلى ذلك في حجب الحصص المالية الدستورية المستمر رغم التزام الإقليم بتصدير 550 ألف برميل يومياً عبر "سومو" منذ 2014. وقد اقترن ذلك بربط صرف رواتب الموظفين بمسائل خارجة عن الإطار الدستوري، في انتهاكٍ صريح لمبدأ المساواة في المادة (14). كما أسهم تعطيل "هيئة ضمان حقوق الأقاليم" (المادة 105) في إفراغ الدستور من مضمونه الرقابي، محولاً إياه إلى إطار شكلي بلا آليات تنفيذية.

أما على صعيد التداعيات، فإن السياسات المركزية المتواصلة تولد مخاطر جسيمة تهدد الكيان الاتحادي، حيث يغذي الاحتجاز المالي المتكرر نزعات انفصالية كرد فعلٍ طبيعي لانهيار الثقة، فيما تستغل بعض الأطراف أي تشظٍ سياسي عبر مفاوضات منفردة تُكرس سياسة "فرّق تسد". وهكذا تتحول المؤسسات القضائية والتشريعية إلى أدوات لتمرير أجندات سياسية، فيما يشكل انحرافاً صارخاً عن مسار الانتقال الديمقراطي.

ولكسر هذه الحلقة المفرغة، يتطلب الأمر تحولاً جذرياً من الفيدرالية التنافسية إلى نموذج تعاوني يقوم على ثلاث ركائز: إصلاح المحكمة الاتحادية بضمانات للحياد، وإنشاء "مجلس اتحادي للموارد الطبيعية" برقابة مشتركة، وتفعيل صندوق التمويل المشترك كجسر للعدالة التوزيعية. ويجب أن يستند هذا كله إلى مبدأ "السيادة المشتركة" المنصوص عليه في المواثيق الدولية.

وعليه، تبقى الخيارات أمام بغداد حاسمة لمصير الاتحاد: الوفاء بالالتزامات المالية دون شروط تعسفية، والاعتراف بالصلاحيات الدستورية للإقليم في إدارة موارده، وإلا فالمخاطرة بتآكل الشرعية الاتحادية. فاستمرار العراق الفيدرالي مرهون باحترام العقد الاجتماعي الذي جسده دستور 2005، والاعتراف المتبادل بأن إقليم كوردستان شريك تأسيسي لا يمكن تجاوزه في معادلة الدولة العراقية الحديثة.