الحصار الاقتصادي على إقليم كوردستان.. محاولة سياسية فاشلة لكسر إرادة الشعب الكوردستاني

الحصار الاقتصادي المفروض على إقليم كوردستان ليس مجرد نزاع مالي أو إجراء إداري، بل هو استراتيجية سياسية مكشوفة تهدف إلى تقويض الكيان الدستوري للإقليم وإضعاف شراكته المنصوص عليها في الدستور العراقي.
هذا الحصار، الذي تجلى مؤخرًا في قطع رواتب موظفي الإقليم وفرض قيود على صادرات النفط، يعكس محاولات مستمرة من قبل الحكومة الاتحادية في بغداد لابتزاز الإقليم وفرض سيطرتها عليه.
في تطورات حديثة، أكد مجلس وزراء إقليم كوردستان في اجتماعه الأسبوعي بتاريخ 2 تموز 2025، برئاسة رئيس الوزراء مسرور بارزاني، أن الإقليم قد أوفى بجميع التزاماته تجاه الحكومة الاتحادية، بل وتجاوزها في بعض الجوانب، خاصة فيما يتعلق بتصدير النفط عبر شركة تسويق النفط (سومو) وتسوية الرواتب لشهري أيار وحزيران. ومع ذلك، تواصل بغداد تأخير صرف هذه الرواتب، مما يفاقم الأزمة الاقتصادية في الإقليم ويؤثر على حياة المواطنين العاديين.
إن مطالب بغداد غير الدستورية، التي تشمل تسليم ملف النفط بالكامل والسيطرة على الواردات غير النفطية للإقليم، تمثل محاولة صريحة لإضعاف كوردستان اقتصاديًا وتقويض صلاحياتها الدستورية ككيان فيدرالي. هذه المطالب، التي تفتقر إلى أساس قانوني واضح، تهدف إلى تجريد الإقليم من موارده الطبيعية وحقوقه المشروعة في إدارة شؤونه الاقتصادية. فالدستور العراقي ينص بوضوح على أن إدارة الموارد النفطية تتم بالاشتراك بين الحكومة الاتحادية والإقليم، لكن بغداد تسعى لفرض سيطرة أحادية، متجاهلة مبدأ الشراكة الفيدرالية. هذه السياسة لا تعكس فقط خرقًا للدستور، بل تكشف عن نية مبيتة لإخضاع الإقليم وإنهاء استقلاله الاقتصادي.
حتى الواردات غير النفطية، مثل الرسوم الجمركية والضرائب المحلية، التي تعد جزءًا من صلاحيات الإقليم الدستورية، أصبحت هدفًا لتدخلات بغداد. هذه المطالب ليست سوى حلقة في سلسلة من المحاولات الفاشلة لإضعاف كوردستان اقتصاديًا وسياسيًا. فالإقليم، بثباته الاقتصادي وتنوع موارده، أثبت مرارًا قدرته على مواجهة هذه التحديات، سواء من خلال تطوير البنية التحتية أو تعزيز الشراكات الدولية. لكن هذه السياسات التعسفية تهدد ليس فقط استقرار الإقليم، بل أيضًا استقرار العراق ككل، حيث إن تقويض كيان فيدرالي راسخ مثل كوردستان يهز أسس النظام الاتحادي برمته.
إن هذه الضغوط ليست جديدة، فقد أشار مصدر حكومي كوردستاني إلى أن الحكومة الاتحادية لم ترسل سوى 28.5% من مستحقات الإقليم في عام 2023، في خرق واضح للحقوق الدستورية. كما أن الحظر على تصدير النفط الكوردستاني، والذي كلف الإقليم أكثر من ملياري دولار حتى الآن، يهدد بتدمير الاقتصاد المحلي . هذه الإجراءات، إلى جانب ذلك منع دخول المنتجات الكوردستانية إلى الأسواق العراقية بينما تُسمح للمنتجات الإيرانية والتركية، تؤكد الطابع السياسي لهذا الحصار.
لكن إقليم كوردستان ليس في موقع ضعف. إنه يقف على أرضية صلبة من الشرعية الدستورية والإرادة الشعبية التي صمدت في وجه تحديات أكبر، من حملات الأنفال إلى القصف الكيميائي. شعب كوردستان، الذي قاوم الظلم عبر التاريخ، لن يسمح بكسر إرادته بقرارات ارتجالية أو ضغوط مالية عابرة. يواصل السعي نحو الاستقلال الاقتصادي، مع اقتراحات بإعداد قانوني وإداري متكامل واعتماد عملات بديلة للتداول لتفادي العجز المالي، وهي خطوات لا تتعارض مع مبدأ الإدارة اللامركزية المنصوص عليه في الدستور.
من يراهن على إضعاف كوردستان، سواء عبر قطع الرواتب أو عرقلة التقدم العمراني أو افتعال الأزمات، سيواجه حقيقة لا مفر منها: إقليم كوردستان ليس مجرد كيان إداري، بل هو إرادة شعب لا تُكسر. إن استمرار هذه السياسات لن يهدد الإقليم فحسب، بل يقوض أسس النظام الاتحادي العراقي برمته، مما يعرض استقرار البلاد للخطر. كوردستان ستبقى شامخة، صامدة، ومناضلة، بقيادتها وشعبها، في مواجهة كل محاولات الابتزاز والتضييق