بعد فقدان دعم كوردستان.. مستقبل السوداني السياسي على المحك

بعد فقدان دعم كوردستان.. مستقبل السوداني السياسي على المحك
بعد فقدان دعم كوردستان.. مستقبل السوداني السياسي على المحك

في قلب الصراعات السياسية التي تعصف بالعراق، يقف إقليم كوردستان صامداً كجبال زاغروس، رمزاً للكرامة الوطنية والإرادة التي لا تلين في وجه سياسات التهميش والإقصاء التي تمارسها بعض النخب في بغداد. أزمة الرواتب التي تضرب أكثر من مليون موظف في الإقليم ليست مجرد أزمة مالية، بل هي تعبير صارخ عن عداء سياسي ممنهج يستهدف إضعاف الإقليم وقيادته الوطنية، في محاولة لكسر عزيمة شعب دافع عن هويته ومكتسباته ببسالة. لكن هذه الأزمة، رغم مرارتها، تكشف عن قوة كوردستان وقيادتها الحكيمة، التي لا تدافع فقط عن شعبها، بل عن فكرة عراق عادل يتسع للجميع. وفي صلب هذا الصراع، تبرز أزمة الثقة بين رئيس الوزراء محمد شياع السوداني والقوى الكوردية، التي كانت الركيزة الحاسمة في وصوله إلى السلطة عام 2022، لتؤكد أن فقدان دعمهم سيطوي صفحته السياسية مع اقتراب الانتخابات البرلمانية.
تتجلى الأزمة في قرار الحكومة الاتحادية بتعليق تحويل الرواتب إلى الإقليم، متذرعة باتهامات واهية حول إيرادات النفط أو تجاوز الموازنة. هذه الذرائع، التي تتكرر منذ عام 2014، ليست سوى أدوات ضغط سياسي تكشف عن نية مبيتة لمعاقبة الكورد وإضعاف إقليمهم. ففي الوقت الذي يعاني فيه الموظفون وعائلاتهم من تدهور معيشي خانق، ترتفع أصوات الاحتجاج في السليمانية وأربيل ودهوك، حاملة مطالب مشروعة بحقوق مضمونة دستورياً. لكن بغداد، بدلاً من الحوار، تلجأ إلى التجاهل، في مشهد يعكس غياب الإرادة الحقيقية للشراكة. هذا النهج العدائي، الذي تقوده بعض قوى الإطار التنسيقي، يمتد إلى قرارات المحكمة الاتحادية التي تحرم الإقليم من حقه في تصدير النفط بشكل مستقل، في انتهاك صريح للدستور العراقي الذي يكفل المساواة بين المواطنين وحقوق الأقاليم. ورغم الاتفاقات السابقة بين أربيل وبغداد، تستمر الأخيرة في التنصل من التزاماتها، متجاهلة الضرر الذي يلحق بالمواطن الكوردي، من تراكم الديون إلى تفاقم البطالة وهجرة الكفاءات التي تهدد مستقبل الإقليم.
في مواجهة هذه التحديات، تبرز قيادة إقليم كوردستان كحصن وطني يحمي كرامة شعبه. فقد عملت حكومة الإقليم بجد للتخفيف من وطأة الأزمة على المواطنين، متمسكة بوحدة مكونات الشعب الكوردي وتعزيز الأمن والاستقرار. وفي هذا السياق، أطلقت مشاريع تنموية طموحة، مثل تطوير البنية التحتية، وتحسين شبكات الكهرباء والمياه، وبناء شوارع تربط المدن والقرى، مما يعزز الحياة المشتركة بين مختلف مكونات المجتمع الكوردستاني. هذه الجهود تؤكد التزام القيادة بحماية مواطنيها وإثبات جدارتها في إدارة الأزمات. كما لجأت كوردستان إلى المجتمع الدولي، حيث مارست قوى مثل الولايات المتحدة ضغوطاً على بغداد للتراجع عن سياساتها التعسفية، مؤكدة أن استقرار الإقليم جزء لا يتجزأ من استقرار العراق.
لكن الأزمة الأعمق تكمن في تصدع العلاقة بين رئيس الوزراء محمد شياع السوداني والقوى الكوردية، التي شكلت العمود الفقري لتحالفه الحاكم عام 2022. فقد كان دعم الأحزاب الكوردية، بثقلها السياسي والبرلماني، العامل الحاسم في وصول السوداني إلى رئاسة الوزراء، إذ لعبت دور الموازن في المشهد السياسي العراقي الممزق. لكن عجزه عن تلبية المطالب الكوردية، محاصراً بضغوط الإطار التنسيقي ومحدودية نفوذه البرلماني، أدى إلى فقدان هذا الدعم الحيوي. هذا التباعد ليس مجرد خسارة سياسية عابرة، بل نقطة تحول تقضي على آمال السوداني في العودة إلى سدة الحكم. فمع اقتراب الانتخابات البرلمانية، يصبح من شبه المستحيل له أن يحافظ على موقعه بدون الدعم الكوردي، خاصة في ظل تصاعد الانتقادات داخل الإطار التنسيقي نفسه وتزايد الحديث عن تفككه. إن الكورد، بثقلهم السياسي، ليسوا مجرد شركاء في الحكم، بل قوة حاسمة قادرة على إعادة تشكيل المشهد السياسي من خلال تحالفات جديدة، سواء مع قوى سنية أو مدنية، مما يعزز دورهم كصمام أمان لاستقرار العراق.
إن إقليم كوردستان، بقيادته الحكيمة وشعبه الصامد، يقف اليوم عند مفترق طرق. هذه الأزمة، رغم قسوتها، هي فرصة لتأكيد الوحدة الوطنية الكوردية والتمسك بالمكتسبات التي تحققت بدماء الشهداء وتضحيات الأجيال. المطالبة بالحقوق المشروعة ليست ترفاً، بل واجب وطني يفرضه الدستور والعدالة. وفي وجه التحديات، تبقى قيادة الإقليم رمزاً للإرادة الوطنية، متمسكة بحقوق شعبها، ومصممة على بناء مستقبل يليق بتضحيات الكورد وتطلعاتهم. إن صمود كوردستان ليس فقط دفاعاً عن شعب، بل هو دفاع عن فكرة عراق عادل يتسع للجميع، بعيداً عن الحسابات الضيقة والعداء القومي. وفي هذا السياق، فإن فقدان السوداني لدعم الكورد لن يغير فقط مسار حياته السياسية، بل سيؤكد أن كوردستان، بشعبها وقيادتها، ستبقى القوة المحورية التي تحدد ملامح المستقبل السياسي للعراق.