تقرير أكاديمي حول حملة الأنفال والاعتراف بها

تقرير أكاديمي حول حملة الأنفال والاعتراف بها
تقرير أكاديمي حول حملة الأنفال والاعتراف بها

تُعد حملة الأنفال واحدة من أكثر الأحداث دموية في تاريخ الشرق الأوسط الحديث، وخصوصًا في سياق الصراع الكوردي العراقي وما خلّفته من تداعيات خلال فترة الحرب العراقية الإيرانية. أطلق النظام البعثي العراقي هذه الحملة بين شهري فبراير وسبتمبر عام 1988 بهدف قمع المقاومة الكوردية، وتعريب مناطق استراتيجية مثل محافظة كركوك، والقضاء على أي تهديدات محتملة للنظام. وعلى الرغم من فداحة الجرائم المرتكبة، جاء ردّ الفعل الدولي والإقليمي دون المستوى المطلوب، واستمر الجدل بشأن تصنيف الحملة كجريمة إبادة جماعية وسط غياب الاعتراف الرسمي بها من قِبل الدول المجاورة.

خلفية الحملة وتنفيذها

كانت حملة الأنفال عملية منهجية قادها نظام صدام حسين لقمع التمرد، واستهدفت بشكل أساسي القرى والمناطق الكوردية الريفية التي لطالما شكّلت معقلًا للمقاومة المسلحة ضد الحكومة المركزية. وشملت الحملة عمليات عسكرية واسعة، وتهجيرًا قسريًا للسكان، وتدميرًا ممنهجًا للقرى، بالإضافة إلى استخدام الأسلحة الكيميائية، كما في مجزرة حلبجة الشهيرة. وتخطّت أهداف الحملة البعد العسكري، حيث سعت إلى تغيير البنية السكانية للمناطق ذات الأهمية الاقتصادية والاستراتيجية عبر سياسة "التعريب"، مما أدى إلى تقليص الحضور الكوردي في تلك المناطق.

وتقدّر منظمة هيومن رايتس ووتش أعداد الضحايا بين 50 ألفًا و100 ألف كوردي، فضلًا عن أعداد كبيرة من المفقودين، معظمهم من المدنيين، إلى جانب مجموعات إثنية غير عربية أخرى عانت من ويلات الحملة. لقد دفع الطابع المنهجي للعملية، بالإضافة إلى التخطيط المتعمّد لتدمير المجتمع والثقافة الكوردية، العديد من الجهات الحقوقية والأكاديمية، ومن بينها هيومن رايتس ووتش، إلى اعتبار الأنفال جريمة إبادة جماعية وفق المعايير الدولية المعتمدة.

الاعتراف الدولي والإقليمي بحملة الأنفال

رغم ثبوت الأدلة الميدانية والشهادات الموثقة، اعترض الاعتراف بحملة الأنفال كإبادة جماعية عوائق عديدة. ولم تعترف حتى الآن أي دولة مسلمة أو ذات أغلبية عربية رسميًا بإبادة الشعب الكوردي. ويعزى هذا التردد إلى اعتبارات جيوسياسية وتحالفات إقليمية مع النظام العراقي السابق، فضلاً عن الحرج والمخاوف من فتح ملفات الجرائم التاريخية في المنطقة. وبعد سقوط النظام البعثي في عام 2003، ظل الاعتراف الإقليمي والدولي بالحملة محدودًا ومحل جدل، ما يعكس تعقيدات المشهد السياسي وتهميش معاناة الكورد في الخطاب العام.

وقد انعكس غياب الاعتراف ذلك على مجريات العدالة؛ فعلى سبيل المثال، لم تصنّف محكمة لاهاي في عام 2007 حملة الأنفال على أنها جريمة إبادة جماعية، وهو موقف تأثر جزئيًا بالخطابات العراقية العربية التي أنكرت وقوع عمليات قتل جماعي ممنهجة. كما ساهمت مواقف بعض الأطراف العربية العراقية في تعزيز حالة الإنكار والارتباك الدولي حول القضية، الأمر الذي أدّى إلى حرمان الضحايا الكورد من العدالة والاعتراف الرسمي. ويمثل هذا الإنكار استمرارًا لنمط تاريخي من تهميش وتجاهل الفظائع المرتكبة ضد الكورد.

مثّلت حملة الأنفال انتهاكًا جسيمًا لحقوق الإنسان، وخلّفت آثارًا عميقةً لا تُمحى في الذاكرة الجماعية والهوية القومية الكوردية. إن الطبيعة المنهجية لاستهداف المدنيين وتدمير المجتمعات واستخدام الأسلحة الكيميائية تفي بجميع معايير جرائم الإبادة الجماعية كما حددتها منظمات دولية مرموقة مثل هيومن رايتس ووتش. ورغم ذلك، لا يزال الواقع السياسي الإقليمي يعيق عملية الاعتراف والإنصاف، الأمر الذي يزيد من حجم المظالم ويعرقل فرص المصالحة المجتمعية. إن معالجة هذا الظلم التاريخي يتطلّب إرادة سياسية صادقة وجهودًا فعلية من المجتمعين الإقليمي والدولي للاعتراف بضحايا الأنفال وحقوقهم وضمان عدم تكرار هذه المآسي.