
نازنين مندلاوي
سياسية وعضوة سابقة في مجلس النواب العراقي
ممر البيشمركة .. بين اعتراف الغريب وجحود القريب

أربيل (كوردستان24)- في كل مرة يذكر فيها اسم البيشمركة وشهدائنا أشعر أن أرواحهم ما زالت بيننا تحرسنا وتدلنا على الطريق ما أعظم أن نكرم اليوم في أرض بعيدة وما أشد مرارة أن ينكر علينا حقنا في أرضنا القريبة إن حفنة من المال لا تساوي شيئًا أمام كرامة تصان ورأس مرفوع لا ينحني فالكرامة هي الرصيد الذي لا يفنى لشعب كالشعب الكوردي
لحظة التكريم الأخيرة في باريس عندما تم تسمية ممر في حديقة بشكل رسمي باسم البيشمركة لم تكن حدثا رمزيا فحسب بل محطة تاريخية ورسالة وفاء من الشعب الفرنسي لتضحيات البيشمركة وشعبنا الكوردي هذا الحدث أعادني إلى الذاكرة إلى سنوات مليئة بالصبر والدموع والفقدان تذكرت الأمهات اللواتي ودعن أبناءهن ولم يرين سوى صورهم وتذكرت القرى المحترقة والمنافي البعيدة كنا دائما ننهض من تحت الركام وها نحن اليوم نذكر في ساحات العالم بعد أن دفعنا الثمن غاليا
حضور ومشاركة الرئيس مسعود بارزاني في باريس حمل معه صدى كل البيشمركة الذين استشهدوا في سبيل كوردستان فهو القائد الذي ارتبط اسمه بنضال البيشمركة وبتضحياتهم وحضوره جعل الحدث أكثر من مجرد احتفال كان المشهد رسالة واضحة أن دماء وتضحيات البيشمركة لم تذهب سدى وأن نضالنا جزء من مسيرة إنسانية أوسع لا تخص الكورد وحدهم بل تخص كل من يؤمن بالحرية
استوقفتني هذه اللحظات من التكريم عصرت قلبي وأرجعت سلسلة من الذكريات التي لا تمحى من الذاكرة أين كنا وأين أصبحنا أهو قدر الكورد أن يخوضوا مخاضا عسيرا في سبيل أن يولدوا ولادة معجزة وفي الوقت الذي تنحني فيه عاصمة كبرى احتراما لهم نرى وللأسف بعض شركاء الوطن يعملون على إضعاف البيشمركة ويحرمونهم من أبسط مقومات الدعم
إنها مفارقة مؤلمة الخارج يكرم والتاريخ يسجل فيما القريب يتنكر ويضعف درع كوردستان وحماتها وبينما يكرمنا البعيد يحاول القريب أن يضعف عزيمتنا هذا التناقض يوجع القلب لكنه يزداد بنا قوة وإصرارا على المضي قدمًا فالقضية عادلة والحقوق لا تموت وكل تكريم جديد ليس غاية في ذاته بل محطة تحفزنا على الاستمرار وتذكرنا أن الصبر والمثابرة هما الطريق إلى النصر
لقد علمنا التاريخ ألا نركن للراحة وألا نسقط الراية من أيدينا وعلمنا بارزاني أن الصبر قوة وأن الثبات يولد الاعتراف فلتكن هذه التكريمات ومعها وقفة بارزاني الشامخة في باريس شهادة حية على أن هذا الشعب لا ينكسر وأن كوردستان ستصل في النهاية إلى بر الأمان مهما طال الطريق ومهما اشتدت العواصف .