القنصل المصري في كوردستان: علاقات تاريخية وخطط لمنتدى استثماري مشترك

أربيل (كوردستان 24)- في خطوة تعكس عمق العلاقات المتنامية بين القاهرة وأربيل، فتحت القنصلية العامة لجمهورية مصر العربية في إقليم كوردستان أبوابها لقناة كوردستان 24، في أول لقاء صحفي يجرى من داخل مقرها، لتسليط الضوء على مسيرة التعاون وآفاق المستقبل.
وفي حوار شامل، أكد القنصل محمود عامر أن مصر، التي كانت سبّاقة بافتتاح أول قنصلية عربية في الإقليم عام 2010، تنظر إلى علاقاتها مع إقليم كوردستان باعتبارها امتداداً لروابط تاريخية وثقافية عميقة، وتعمل بجد لترجمتها إلى شراكات استراتيجية ملموسة.
اقتصاد قوي وطموحات استثمارية واعدة
كشف القنصل عامر عن أرقام تعكس قوة ومتانة العلاقات التجارية، حيث وصل حجم التبادل التجاري بين مصر واقلیم كوردستان العراق إلى 150 مليون دولار سنوياً. ورغم أن هذا الرقم يُعد مؤشراً إيجابياً، أكد عامر أن الطموح أكبر بكثير.
وفي هذا السياق، أعلن عن مبادرة اقتصادية هامة تتمثل في السعي لتنظيم "منتدى استثماري مصري-كوردستاني" لمدة يوم أو يومين في أربيل.
وأوضح قائلاً: "نعمل بالتعاون مع دائرة العلاقات الخارجية وهيئة الاستثمار في الإقليم لعقد هذا المنتدى الذي يهدف إلى تحقيق هدفين رئيسيين: أولاً، الترويج للفرص الاستثمارية الواعدة في الإقليم لجذب المستثمرين المصريين.
ثانياً، تعريف المصدّرين المصريين بالسوق الكوردستاني بشكل مباشر، ليتمكنوا من عرض سلعهم ومنتجاتهم".
ورداً على سؤال حول تركز الاستثمارات المصرية الكبرى حالياً في بغداد، أرجع القنصل ذلك إلى طبيعة حركة رأس المال التي "تذهب حيث توجد الفرص". وأضاف: "الفرص كانت متاحة في بغداد، ونحن الآن نسعى بجد لخلق فرص جديدة ومنافسة هنا في إقليم كوردستان العراق".
وأشاد القنصل بالاستثمارات المصرية القائمة بالفعل في الإقليم، ومنها مصنع للمستلزمات الطبية، وآخر للمنتجات البلاستيكية، بالإضافة إلى الدور الهام لشركة "أوراسكوم" المصرية في تنفيذ مشاريع تأهيل البنية التحتية لقطاع الصرف الصحي في عموم الإقليم، بتمويل من الوكالة اليابانية للتعاون الدولي (جايكا).
جسور تاريخية وثقافية راسخة
لم تقتصر العلاقات على الحاضر الاقتصادي، بل شدد القنصل على عمقها التاريخي والثقافي. وفي لفتة تاريخية مهمة، ذكّر بأن "أول صحيفة باللغة الكوردية (صحیفة كردستان) طُبعت في مطابع دار الهلال العريقة في مصر"، معتبراً ذلك دليلاً قاطعاً على أن الروابط بين الشعبين ليست وليدة اللحظة.
كما سلط الضوء على التأثير المتبادل بين الثقافتين، مشيراً إلى أن شخصيات فنية مصرية بارزة مثل سعاد حسني ومحمود المليجي تعود أصولها إلى جذور كوردية، وقد أثروا الحياة الفنية المصرية واندمجوا كلياً في نسيج المجتمع.
وأكد أن هذا التواصل الثقافي مستمر بقوة، من خلال المشاركة المصرية الفاعلة في الفعاليات الكبرى بالإقليم، مثل:
• معرض أربيل الدولي للكتاب: شهد مشاركة وفد إعلامي رفيع المستوى وأكثر من 60 دار نشر مصرية.
• مهرجان أربيل السينمائي الدولي: استضاف فنانين مصريين كباراً مثل شيرين وأشرف زكي وأحمد بدير.
• زيارة وفد من جمعیة خريجي الأزهر الشريف: شارك في الاحتفالية المئوية للعالم الكوردي البارز الدكتور مصطفى الزلمي، بحضور شخصيات رفيعة المستوى من الإقليم ومصر.
التعليم والأزهر.. حجر زاوية في التعاون
يُمثل قطاع التعليم أحد ألمع نقاط التعاون بين الجانبين. وأشار القنصل بفخر إلى أن معهد الأزهر في أربيل هو المعهد الأزهري الوحيد في عموم العراق والمنطقة المحيطة به. وأضاف: "وجود مؤسسة عالمية بحجم الأزهر في أربيل هو شرف عظيم، والأزهر لم يكتفِ بذلك، بل يقدم 25منحة دراسية سنوياً لأبناء اقلیم كوردستان العراق لإكمال دراساتهم الجامعية والعليا في القاهرة".
وكشف عن خطط لتوسيع المعهد ليشمل قسماً علمياً إلى جانب القسم الأدبي الحالي، مما يفتح آفاقاً أوسع أمام الطلاب. كما أشاد بالإقبال الكبير من طلاب الإقليم على الجامعات المصرية، وخاصة جامعة المنصورة، لدرجة أنه يفكر في "تأسيس رابطة لخريجي جامعة المنصورة هنا في إقليم كوردستان العراق".
السياحة والتحديات القنصلية.. رؤية للمستقبل
أبدى القنصل عامر إعجابه الشديد بالمقومات السياحية التي يزخر بها إقليم كوردستان، واصفاً ما شاهده في منطقة بارزان بأنه "قطعة من سويسرا". إلا أنه أشار إلى أن الإقليم بحاجة لتطوير بنيته التحتية السياحية للاستفادة من هذه الإمكانيات. وقال: "مصر تمتلك خبرة واسعة في هذا المجال، حيث نطمح لاستقبال 30 مليون سائح بحلول عام 2030. نحن على أتم الاستعداد لنقل هذه الخبرات لدعم وتطوير القطاع السياحي في كوردستان".
وحول التحديات المتعلقة بالحصول على التأشيرات، أوضح القنصل أن الموافقات الأمنية هي إجراء معمول به بشكل متبادل بين البلدين نتيجة للأوضاع الأمنية في المنطقة، مؤكداً أن "القنصلية تبذل قصارى جهدها لتسهيل وتسريع الإجراءات، خاصة للطلبة والحالات الطبية الحرجە".
وفي ختام حديثه، أكد القنصل محمود عامر أنه يحمل رسالة إيجابية سينقلها عن الإقليم، قائلاً: "سأنقل صورة عن مجتمع منفتح، متطور، وشعب ودود ومضياف يحب نظيره المصري. هناك تقارب طبيعي بين حضارتين من أقدم حضارات العالم، وهذا ما يقرّب المسافات بين شعبينا".