مجرد رأي

Kurd24

المحكمة الاتحادية العليا تحل نفسها محل المشرعين الدستوري والعادي بموجب نظامها الداخلي رقم (1) لسنة 2022

يوما بعد يوم تثبت المحكمة الاتحادية العليا في العراق أنها فوق الدستور والقانون من خلال بعض القرارات والإجراءات الصادرة عنها، واغرب ما صدر عنها حديثا هو نظامها الداخلي الجديد رقم (1) لسنة 2022 والذي نشر في جريدة الوقائع العراقية ذي العدد 4679 في 13/6/2022 مؤلفا من 53 مادة. والمتصفح لمواد هذا النظام سيلاحظ مدى غرابة النصوص التي احتوته بحيث أن المحكمة قفزت من خلالها على أحكام الدستور والقوانين بل أنها صراحة عدلت من نصوص قانونية قائمة فضلا عن انتهاك الدستور والذي يعد المظلة القانونية الحاكمة لكافة السلطات والمؤسسات والأفراد عموما في العراق.

ويستشف من بعض مواد هذا النظام أن المحكمة حلت نفسها محل المشرعين الدستوري والعادي حيث جاءت هذه المواد بصورة مخالفة للدستور والقوانين النافذة، بحيث أن ما قررته المحكمة في هذه المواد لا يمكن عدها إلا تعديلا دستوريا وتشريعيا وهذا ما يعد انتهاكا صارخا لمبدأ الفصل بين السلطات وتجاوزا على الدستور. واليكم تفاصيل ذلك:

1. نصت المادة (2) من النظام الداخلي على انه: (تمارس المحكمة الاتحادية العليا المهام والصلاحيات والاختصاصات المنصوص عليها في المادتين 52 و93 من دستور جمهورية العراق لعام 2005 والمادة 4 من قانون المحكمة الاتحادية العليا رقم 3 لسنة 2005 المعدل بالقانون رقم 25 لسنة 2021 والصلاحيات والاختصاصات المنصوص عليها في القوانين النافذة الأخرى). من الثابت أن صلاحيات المحكمة الاتحادية العليا منصوص عليها بشكل حصري في الدستور، لذلك كان من المفترض الاكتفاء بالإحالة فقط الى نص المادتين 52 و93 من الدستور دون الإشارة الى القوانين الأخرى، لان هذه الأخيرة بدورها لا تستطيع إضافة اختصاصات أخرى للمحكمة بالمخالفة للدستور.

2. نصت المادة (21) من النظام الداخلي على انه: (ثالثا: بعد ورود إجابة المدعى عليه الى المحكمة، أو انتهاء المدة المحددة للإجابة أو قبل انتهائها في الحالات المستعجلة وحسب تقدير رئيسها يزود رئيس المحكمة وأعضاؤها بنسخ من الدعوى مع كامل مرفقاتها، وتقوم المحكمة بتعيين موعد للنظر فيها دون مرافعة إلا إذا رأت المحكمة ضرورة لإجراء المرافعة بحضور الأطراف، ولها أن تستدعي من ترى ضرورة للاستيضاح منه أو أن تطلب منه أجابتها تحريريا من دون حضوره، ويثبت ذلك في محضر). يلاحظ من هذه المادة أنها جعلت الأصل في نظر الدعوى (من غير مرافعة) بمعنى عدم جواز حضور الأطراف للجلسات، بل أن ذلك يقتصر فقط على أعضاء المحكمة واستثناءَ أجازت هذه المادة حضور الأطراف إذا ما رأت المحكمة ضرورة ذلك وهو ما يعني جعل المرافعة سرية، وهذا الأمر مخالف لنص المادة (19/سابعا) من الدستور والتي جعلت الأصل في الجلسات العلانية والاستثناء هي السرية بقولها: (سابعا-جلسات المحاكم علنية إلا اذا قررت المحكمة جعلها سرية) كما أن هذا الأمر مخالف لحق التقاضي المكفول دستوريا في المادة (19/ثالثا) حيث قررت هذه المادة أن: (حق التقاضي مصون ومكفول للجميع). وحري عن البيان أن من اهم مستلزمات ومقتضيات حق التقاضي هو تمكين أطراف الدعوى من حضور جلسات المرافعة في جلسة علنية توفر فيها ضمانات الدفاع وأبداء الآراء أمام الحضور، كما أن من شأن العلانية توفير الاطمئنان للجميع بعدالة الإجراءات المتخذة من قبل المحكمة وهو مالا يمكن تحقيقه بعدم إفساح المجال لأطراف الدعوى بحضور جلسات المرافعة. من جهة أخرى فان عدم السماح لأطراف الدعوى بحضور المرافعة يجعل من المحكمة الاتحادية العليا محكمة تمييز اتحادية عليا (أن صح التعبير) أو محكمة ورق كما يقال طالما اقتصرت وظيفتها على مجرد المداولة والنقاش على وقائع الدعوى بين أعضاء المحكمة فقط من غير مرافعة وإشراك الأطراف!! وهذا امر غريب إذ لم يرد تنظيم مثل هكذا محكمة لا في الدستور ولا في القوانين الخاصة بالسلطة القضائية. علما أن هذه المخالفة الدستورية تكرر النص عليها في أكثر من موضع وتحديدا في المواد (22 و24/ثالثا و25/ثالثا و26/ثانيا) من النظام الداخلي، وإذا كان لهذا الأمر ما يبرره بالنسبة للدعاوى المتعلقة بطلبات تفسير نص دستوري والواردة في المادة (24/ثالثا) من النظام الداخلي نظرا لطبيعة ونوع مثل هكذا دعاوى، إلا انه لا يمكن قبوله مطلقا فيما يتعلق بالدعاوى الأخرى.

3. إن النصوص المشار إليها في الفقرة أعلاه علاوة على مخالفتها للدستور فهي مخالفة أيضا لنص المادة (51/1) من قانون المرافعات المدنية رقم 83 لسنة 1969 المعدل والتي تنص على انه: (1-في اليوم المحدد للمرافعة يجب على المحكمة أن تتحقق من إتمام التبليغات وصفات الخصوم. ويحضر الخصوم بأنفسهم أو بمن يوكلونه من المحامين...)، وهذا ما يؤدي بنا للاستنتاج بان هذا النظام يمكن اعتباره بمثابة تعديل لنص قانوني وهو امر غير جائز من الناحية الدستورية لكون يعد اعتداء على مبدا الفصل بين السلطات المنصوص عليه في المادة (47) من الدستور حيث تقرر هذه المادة انه: (تتكون السلطات الاتحادية من السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، تمارس اختصاصاتها ومهامها على أساس مبدا الفصل بين السلطات). وإذا كانت المادة (9) من قانون المحكمة الاتحادية قد خولت المحكمة إصدار نظام داخلي لها لتنظيم سير الإجراءات فيها إلا أنها أوجبت أن يكون ذلك بالشكل الذي يكون فيه هذا النظام تسهيلا لتنفيذ هذا القانون وليس مخالفا لقوانين أخرى.

4. نصت المادة (36) من النظام الداخلي على انه: (قرارات المحكمة باتة وملزمة للسلطات والأشخاص كافة ولا تقبل الطعن بأي طريق من طرق الطعن وتنشر القرارات التي تقضي بعدم دستورية القوانين والأنظمة والقرارات الأخرى التي ترتأي المحكمة نشرها في الجريدة الرسمية والموقع الإلكتروني للمحكمة، ويعرض الممتنع عن تنفيذها للمساءلة الجزائية) فهذه المادة فضلا عن كونها تزيد غير ذي فائدة لكونها ترديد لنص المادة (94) من الدستور والتي قضت بأن قرارات المحكمة الاتحادية باتة وملزمة للسلطات كافة، فإنها أشارت الى مسألة مبهمة وغير صحيحة في الوقت ذاته عندما قررت أن الممتنع عن تنفيذ قرارات المحكمة سيتعرض للمساءلة الجزائية وهنا نقول اذا كان المقصود من هذه المساءلة هي تلك التي نص عليها قانون العقوبات العراقي في المادة (329) منه فان ذلك غير صحيح لان الحكم الوارد في هذه المادة يتعلق فقط بالموظف العام أو المكلف بخدمة عامة بينما ما ورد في المادة (36) من النظام الداخلي هو نص عام يتعلق بكل ممتنع وبغض النظر عن صفته!! أما إذا كان المقصود غير ذلك فما هو مضمون المساءلة الجزائية في هذه الحالة من حيث العقاب؟ إلا يشكل ذلك خرقا لمبدأ الشرعية الجزائية الوارد ذكره في المادة (19/ثانيا) من الدستور؟

5. نصت المادة (41/ثانيا) من النظام الداخلي على انه: (ثانيا: تقدم الدعاوى والطلبات من الدوائر الرسمية ويتم الترافع فيها اذا رأت المحكمة ذلك من ممثلها القانوني بشرط أن لا يقل عنوانه الوظيفي عن مستشار أو مستشار مساعد أو مدير) وهذه المادة تشكل مخالفة صريحة لنص المادة (51/2) من قانون المرافعات المدنية النافذ والتي تنص على انه: (2-للدوائر الرسمية وشبه الرسمية أن تنيب عنها لدى المحاكم من يمثلها من موظفيها الحاصلين على شهادة الحقوق بوكالة مصدقة من الوزير أو رئيس الدائرة) وبذلك تكون هذه المادة القانونية قد عدلت بنص من نظام داخلي فيما يتعلق بالدعاوى المنظورة أمام المحكمة الاتحادية العليا، وهو امر غير جائز دستوريا.

6. وأخيرا ورد في المادة (42) من النظام الداخلي انه: (للمحكمة أن تجري ما تراه من تحقيقات في الدعاوى والطلبات المعروضة أمامها، ولها أن تكلف أحد أعضائها أو أكثر بذلك ولها أن تطلب أية أوراق أو بيانات من أية جهة ولها عند الضرورة إلزام تلك الجهات بتقديمها حتى ولو كانت القوانين أو الأنظمة لا تسمح بتقديمها) يلاحظ أن هذا النص علاوة على كونه تزيد غير مبرر لكونه تطبيق للقواعد العامة في قانون الإثبات رقم (107) لسنة 1979 المعدل حيث نصت المادة (17/أولا) منه على أن: (أولا – للمحكمة أن تقرر من تلقاء نفسها، أو بناء على طلب الخصم، اتخاذ أي إجراء من إجراءات الأثبات تراه لازما لكشف الحقيقة( علما أن المادة (50) من النظام الداخلي نصت على أن المحكمة تطبق أحكام هذا القانون!! وإضافة الى ذلك فان نص المادة (42) من النظام الداخلي أعلاه مخالف للقوانين النافذة ويظهر ذلك جليا من خلال الشطر الأخير للمادة (ولو كانت القوانين أو الأنظمة لا تسمح بتقديمها) فهل من المعقول أن يمنع قانون معين جهة معينة من تسليم مستندات معينة لأية جهة كانت لأهميتها من حيث خطورتها مثلا على الأمن القومي أو لتعلقها بالأمور العسكرية أو غير ذلك، في حين يأتي النظام الداخلي وهو في مرتبة أدنى من القانون لينص على خلاف ذلك؟ فأين علوية القانون على ما دونه من التشريعات وأين مبدأ الفصل بين السلطات؟ فالمحكمة الاتحادية العليا في هذا النص أيضا أحلت نفسها محل السلطة التشريعية في تعديل نص قانوني باخر من نظام داخلي، وهذه مسألة في غاية الخطورة لتعلقها بمبدأ الفصل بين السلطات، هذا المبدأ الذي يفترض بالمحكمة ان تتولى حمايته لا انتهاكه وخرقه.

فهل هذا هو المنتظر من اعلى محكمة في البلاد؟