يوم أحيا الاستفتاء الروح فينا

Kurd24

 عاش الكُرد مرارة الخذلان الدولي في جمهورية مهاباد، ثم تكرر سيناريو التآمر عبر الاتفاق على إجهاض ثورة أيلول في كُردستان العراق /1961-1975/ واتفاقية الحكم الذاتي التي وقعت في11اذار1970، قبل أن تتعاون إيران وصدام حسين والرئيس الجزائري وبرضا أمريكي فيما سُميت باتفاقية الجزائر1975 ضد ثورةً امتازت عن سابقاتها إنها لم تكن منطقية فقط، بل حضنت آلاف الكُرد من باقي الأجزاء من كُردستان، واستمرت قرابة الــ/14/ سنة. في كِلا المحطتين البارزتين التين انتهت بإسقاط جمهورية كُردستان/مهاباد في كُردستان الشرقية، كُردستان إيران. وحصار الثوار والثورة الكوردستانية، لم يشعر الكُرد بمرارة الضربة والكمد كحال ثورة الاستفتاء على استقلال كُردستان. ثورة رسمية، مدنية، شعبية، سعت لشقلبة الكيانات والحدود الجغرافية الهشة والمصطنعة، ثورة قادها الرئيس مسعود البارزاني وبموافقة ومباركة كُل الكتل الكُردستانية، قبل أن يشعر البعض بضرورة إفساد وتعكير الأجواء، ومحاولة وضع العصي في عجلات الانتقال إلى درب الحرية والحياة. 

**

لم تغب محاولات الإمحاء والمحق والسحق للقضية الكُردية منذ عهد عبد الكريم قاسم، واستمرت عقدة مُحاولة التفوق على المكون الكُردي حتى أيامنا هذه. وبعد عقود من الكلام المعسول من المعارضة العراقية للنُخب السياسية الكُردية في العراق، أُمِطَ اللثامُ وسقطت الأقنعة عن الوجوه؛ وانحدرت العلاقات الكُردية –العربية صوب تجاذبات واصطفافات قومية ومذهبية وعرقية، وتحول العراق من بلدٍ غنيٍ بثرواته ومكوناته، إلى ساحة مليئة بالألغام، ووجد الكُرد أنفسهم وسط صراعٍ ثلاثي الأبعاد، الهدف منه إعادة ترتيب العراق وفق ذهنية أحادية إقصائية من جديد، متكأين على نسف الدستور والالتفاف عليه. ولم يفت الساسة والنخب الكُردية أن خطاب المواطنة في العراق ماهو إلا ثوبٌ تختبئ خلفه الصراعات القومية والمذهبية، وشهت محاولاتٍ حثيثة لتقويض وتحجم دور إقليم كُردستان، وبل حتى إلغاء نظام الفدرلة من أساسه.

**

لم تخرج ميكانيزمات تفعيل وتطبيق الاستفتاء عن المألوف أو المتعارف عليه لدى النظم السياسية والفكرية والثقافية، ولم يُجبر المصوتين لا على المشاركة ولا على تحديد أيَّ من الخيارين /نعم –لا/. وبالمقابل شهدت الساحة الكُردستانية تفعيلاً لميكانيزمات الرفض والدعوات لعدم المشاركة في الاستفتاء من قبل أطراف وأحزاب كُردية ضمن الإقليم. وفي المحصلة فإن غياب الصراع العسكري والاكتفاء بالمواجهة السياسية السلمية أثبتت أن حياةً سياسية نوعية يعيشها الإقليم، في حده الأدنى مقارنة بشريكه في الدولة الاتحادية –العراق- ومقارنة بأغلب الدول العربية الجارة له، أو البعيدة عن جغرافيته. بالمحصلة فإن 92% من المصوتين بنعم على الاستفتاء، كان الحدث التاريخي الأبرز في الألفية الجديدة، والنقلة النوعية الرابعة لكُردستان بعد ثورتي /إيلول وكولان/ والانتفاضة الكُردستانية. لكنها بالمقابل كانت المرحلة الثالثة في تجسيد وترسيخ تدويل القضية الكُردية إلى حدود ابعد مما كانت عليه، بعد اتفاقية الحكم الذاتي، وحظر الطيران.

**

من لم يعش في كنف دولته الخاصة، لن يكون ذا شأن، وحتى "القبور-المهد" لن تكون مُقدرة ومقدسة. هي لوحة الوجود واللاوجود، الفناء أو التضحية في سبيل البقاء على أرضٍ روتها دماءٌ منذ قرنً كامل. ما كان الاستفتاء لأجل الرئيس مسعود البارزاني، لكنه كان حامله الجمعي، وسعى برفقة الكتل الكُردستانية ليثبت للشعوب والدول والأنظمة، إنه ثمة شعبٌ لا يقل أهمية وقدراً وعنفواناً عن بقية الشعوب التي ناضلت في سبيل حريتها. طالب البارزاني بالبديل عن الاستفتاء، الوعود والتعهدات ماعادت تفي بالمطلوب، وبل أن الكُرد تيقنوا واقتنعوا، أن بعد كل وعوداً بحل الإشكاليات والمشاكل العالقة بين الإقليم والعراق، ثمة حرباً أو مصائد جديدة، لا هدف لها سوى إنهاء أو تقزيم الحلم الكُردي.

**

لم يتفاجئ الكُرد بحجم العداء وخطاب الكراهية الذي مورس من قبل بعض الأحزاب والدول العربية، فأعادوا الكرة من جديد، الوعود التي هي في أساسها منبثقة من الوعود، وهكذا، وهي اللعبة عينها التي أنتجتها الأنظمة القمعية تجاه شعوبها، والأساليب نفسها التي أتبعتها الأحزاب الشعبوية في تصديها لطرح الحلول حيال عقود من الإمتهاط والجهل والتجويع. هؤلاء أماتوا شعوبهم كمداً، وأرادوا خنق الحلم الكُردي المتجاوز لحدود دولهم. منحوا أنفسهم الحق في أن تعبر خطاباتهم وتهديداتهم الحدود، تلك الحدود التي هي في أساسها صنيعة "الاستعمار" يقرون بها ويدعون إلى تثبيتها حين يتعلق الأمر بقضايا الشعوب المغايرة والمتمايزة عنهم، يحترمون الحدود التي فصلت الدول العربية، وجزأت كُردستان، ما أن يكون الأمر متعلقاً بنبض الشارع الكُردي الذي غزته خطابات العروبة والشوفينية والإلغاء. لكنهم لا يعترفون بتلك الحدود نفسها ما أن يكون الأمر متعلقاً بــ"الوحدة العربية" هي حدود أمنية هشة لأن القضية تتمحور حول قضايا العرب ومواجهتهم للأعداء الوهميين، لكنها حدودٌ سياسية رصينة ويتوجب احترامها، من قبل الكُرد والحل لديهم أن يتأقلم الكُرد حيالها. وبين هذا وذاك، تعود سمفونية الظروف العربية السياسية والأمنية، وأن الأولوية هي للقضايا الإستراتيجية، وأيَّ إستراتيجية تلك التي تفوق أهميته العيش المشترك والعقد الاجتماعي الرصين الجديد، ومنح الشعوب حقها في تقرير مصيرها، لكنها ممنوعة عن الكُرد وسائر القوميات الأخرى التي ألحقت أراضيها ودولها وحدودها عنوة وقهراً وكمداً بالحدود والدول العربية.

**

في الذكرى الثالثة للاستفتاء: كان وسيبقى شامخاً كالطود العظيم رافعاً رؤوسنا جميعاً، نحنُ المبتلين بآفة الاستبداد، وبعض الأحزاب الكُردية التي تحولت إلى أستطالات خارجية، تلك الأجساد المشوهة التي ترى في كُل ما هو خارج القانون والفساد والتبعية عنواناً رصيناً لها.