حلوة العراق

Kurd24

هذه العبارة التي قالها المعلق في كأس الخليج متحمّساً، ورد عليه المذيع الإماراتي أسامة بعبارة أكثر جمالا وعمقا وهي (من سبع آلاف سنة حلوة العراق).

يقال إن الانسان ابن بيئته فيتطبع بطباعها بدءا بالشكل وانتهاء بالصفات النفسية حيث تجد أن أبناء الصحراء طوال القامة، تبدو في ملامحهم الخشونة، في حين يتمتع أهل السهل والمياه بليونة ورقة قد تنعكس في ألفاظهم ومفرداتهم أيضا، وجميعنا يعلم قصة الشاعر البدوي الذي دخل على المتوكل فأنشد مادحًا:

"أنت كالكلب في حفاظك للودّ وكالتّيس في قِراع الخطوبِ"

فأمر المتوكل أن يعطوه سكنا على نهر دجلة، وبعد أن استوطن المدينة، وعاش في بغداد، تغير لسانه ولانت ألفاظه فقال:

"عيون المها بين الرصافة والجسر.. جلبن الهوى من حيث أدري ولا أدري"

وسواء أكانت هذه القصة صحيحة أم لا فنحن لسنا في صدد التحقيق في مرجعيتها وصحتها

وما نريد قوله إنه رغم تنوع البيئة العراقية الحلوة بين الصحراء والرافدين وما ينبغي أن يتركه هذا التنوع من أثر، إلا أن هناك أمرا جامعا بين مختلف أطياف الشعب العراقي على اختلاف بيئته، ألا وهو الحزن

يشترك فيه ابن النهر مع ابن الصحراء، ابن الشمال مع ابن الجنوب، حزن لا يؤثر فيه اختلاف التضاريس وطبيعة البيئة مهما بلغت من الجمال.

فما سر هذا الحزن العراقي المشترك والممتد إلى عقود، في هذه العراق الحلوة؟!

من يستمع لشعراء العراق ومغنيهم وحتى مفكريهم يلاحظ (لكنة) الحزن كقاسم عراقي مشترك

من مظفر النواب كاتب قصيدة (مو حزن لكن حزين)، الى السياب الذي يقول:

(أتعلمين أيَّ حُزنٍ يبعث المطرْ؟

مطرْ...مطرْ...مطرْ...وفي العراق جوعْ...وينثر الغلالَ فيه موسم الحصادْ

لتشبع الغربان والجَرادْ...وتطحن الشّوان والحجرْ)

إلى شعراء العصر الحديث أمثال يحيى العلاق حيث يقول:

(أنا شاعر حزن مختص بالهموم ... ومن هاي الهموم محصّل الصّيت

أعجبك من أريد أتناول الموت ... أخلّي المفردة تنقط توابيت)

في حين يقول الشاعر الكردي حسن محمد: 

(ها إنني الآن بجسدٍ مثقوبٍ أعيش بينكم...وكلما تحرك الهواء

لا يصدر عني / مثل ناي راعٍ كردي / غير الأنغام الحزينة).

فما سره هذا الحزن وكأنه مقدر على العراقيين ومكتوب في صحائفهم، وإلى متى؟!

وكيف ينبغي لأرض بهذا الجمال وهذه الحلاوة أن يكتب عليها الحزن الأبدي؟

أم أنه كما يقال: (الحلوة ما لها حظ)؟

بلاد الحدائق المعلقة والمكتبات العظيمة، كم مرة سيحرقها المغول، كم مرة سيغزوها الاحتلال، وكم مرة سيرهقها الفساد.

وكأن هذا العراق اعتاد على الحروب، من البويهيين والسلاجقة إلى المغول إلى العثمانيين وغيرهم، ثم البريطانيين، فالأمريكان

لدرجة أنه عندما لم يجد حربا خارجية، أرادوا له حرباً داخلية ليقتتل شعبه على خلافات طائفية وسياسية.

ولكنه العراق

وإذا كان قد اختلط الحبر بالماء يوم غرقت الكتب في نهر دجلة بعد الغزو المغولي، فإن الدم العراقي لن يختلط بالماء وسينجو العراق كما نجا كتاب الأصفهاني (المفردات في غريب القرآن) من مياه دجلة قبل أن يتحلل حبره بالماء.

وإذا كانوا قد استطاعوا تدمير الثور المجنح الآشوري خلال خمس عشرة ثانية فإنهم لم يفلحوا بتدمير العراق خلال سبعة آلاف سنة ولن يفلحوا

نعم يا أسامة من سبعة آلاف سنة حلوة العراق لكنها أيضا من سبعة آلاف سنة حزينة العراق وآن لها أن تكون حلوة بفرحها لا بحزنها.