بين أربيل وبغداد ميزان العدل

Kurd24

ينفتح العقل على منارة القيم والحضارة والتطور حين يدرك أن بناء الدولة والارتقاء بها إلى القمة يأتي من خلال ثروة العقل، وربما نستمد من التجربة الناجحة لإقليم كوردستان في مسيرته السياسية والاقتصادية والثقافية البرهان على ان ثروة العقل هي الاساس لبناء مستقبل مشرق للأجيال، فرغم كل الحصار الجائر بحقهم من قِبل الحكومة الاتحادية في بغداد منذ سنوات ومحاولة هَدم الإقليم اقتصاديا للنيل من الشعب الكوردي وكيان وجوده، ظل الاقليم قوياً ومتماسكاً مستنداً إلى ثروة العقل والفكر الناضج التي تتسم بها القيادة البارزانية، وكانت الاساس والدافع لاستمرار شريان الحياة في كوردستان وتطورها وازدهارها، في حين ان بغداد الغنية بثروة المال والتي تفتقد قيادتها لثروة العقل ما زالت تتراجع للوراء وكان عجلة الحياة للخلف هي الوحيدة السارية للعمل، وبكل تأكيد هناك دول اخرى ايضاً تمتلك أغنى الثروات ذهبت كلها سدى، بل أصبحت تلك الثروات هي بحد ذاتها الوسيلة لانهيار الكثير منهم وتفتتهم نتيجة الأنظمة الشمولية التي قادت شعوبها إلى الهاوية وكانوا ادوات خارجية على داخلهم، كانوا اغنياء المال وفقراء العقل، وتلك كارثة كبرى.

إن ثروة العقل اساس متين لفتح آفاق ورؤية ناجحة للمستقبل، وهي منبر تستمد منه نوافذ الأمل والسلام ثقتها بان الغد سيكون أفضل، بدونها جميع المشاريع تكون مفككة من الداخل وعلى حافة الانهيار، الثقافة والاخلاق والمحبة والمبادئ الثابتة سد منيع امام اي عاصفة من عواصف الزمن القديمة المتجددة، واذا ما نظرنا إلى التاريخ الذي كتبه الاعداء والحلفاء على حد سواء، ورغم كل اشكالات المصداقية في اثبات حقيقته من زيفه واعتماد الاساس منه، مجمله كان يتحدث عن الظلم الذي لحق بالشعب الكوردي من مخططات التقسيم والغزوات والحروب، والتي جاءت آنذاك نتيجة الفوضى العارمة في العالم والمطامع وجنون العظمة وغياب الانسانية التي هي الركيزة الاساسية لاستمرار الحياة بين جميع البشر بمختلف انتماءاتهم العرقية واديانهم ومذاهبهم، وقد عانت شعوب اخرى ايضاً ذات المصير، ومن منطلق ان الارض كادت تصبح غابة يمتلك فيها القوي الحق في قتل الضعيف، والمبادرة لاحتكام العقل والمنطق والمساواة في مسيرة الحياة بادرت الكثير من الدول فيما بعد لتأسيس عصبة الأمم عام 1920-1946 ضمن وثيقة موقعة لإنشاء أول مؤسسة رسمية تقوم بتحقيق السلم والأمن الدوليين، وجاءت تلك الوثيقة من خلال مفاوضات السلام في نهاية الحرب العالمية الأولى، ومع ذلك حدثت الحرب العالمية الثانية وما زال العالم مليء بالحروب لكن بأدوات مختلفة، حرب الوكالات، ويتم متعمداً تهميش القوانين والدساتير دون حسيب او رقيب.

رغم الكوارث والدمار والحروب، تطور العقل البشري عبر الطبيعة وجيناتها لينموا معاً إلى ان وصل للتكنولوجيا، التي وضعت خارطة العالم بين متناول الايدي دون عناء وجهد، ليتمكن الانسان من تحديد خياراته، في الخير او الشر، الحياة او الموت، الحب او الحقد، وكان الكورد كباقي الشعوب الاخرى يواكبون هذه التطورات تماشياً مع الحياة التي تسير ولا تتوقف مهما كان الثمن، وقد حدد هذا الشعب خياراته دوما حتى ما قبل التطور وسن القوانين، كان دوما يسعى للسلام والحرية، وحتى في ثورات الربيع العربي التي بدأت شرارتها في تونس اواخر عام ٢٠١٠ ظل الكورد متضامنين مع اشقائهم العرب لسعيهم وتضحيتهم من اجل الحرية والكرامة.

ان مجمل التطورات والاحداث في الشرق الاوسط وما آلت اليها الامور، تضعنا امام مرحلة مصيرية وتاريخية، مرحلة تدفعنا للإسراع في المطالبة بتفعيل دور الامم المتحدة ومؤسساتها وانهاء كل اشكال العنصرية والحقد والكراهية التي تتبعها بعض الانظمة، ولا بد من أجراء حراك دبلوماسي مع دول الغرب والشرق، وإيجاد قاسم مشترك نحو مشروع السلام وتحقيقه وفق الشرعية الدولية والقوانين واظهاره للراي العام لتعلم شعوب العالم برمتها مدى مصداقية كل نظام حاكم ، والتمييز بين النظام الصالح المضحي للشعب والنظام العاطل الذي يضحي بالشعب، لقد تضامنا مع اصدقائنا واخوتنا الصحفيين والسياسيين اصحاب قضية والمستقلين والمثقفين ونشطاء حقوق الانسان في غالبية دول الشرق الاوسط لسعيهم للسلام، وحان دورهم لمساندة قضية الشعب الكوردي لإحلال السلام.